لنسمي أكبر ميدان في بلدنا باسمه

تعوّدنا على التذمر من عجز المجتمع الدولي، لسنا وحدنا في هذا التذمر بل سبقتنا إليه كل شعوب ودول العالم التي تعرضت لعدوانٍ واحتلال.
تذمرنا وتذمر غيرنا مردّه تصورٌ غير واقعي لذلك المسمى بالمجتمع الدولي، وكأنه جيشٌ عملاق وجهازٌ سياسيٌ متمكن يقف على تخوم البلدان والشعوب، التي تكابد ويلات الحروب، ولكنه لا يتحرك لحسم الموقف.
المجتمع الدولي ليس هكذا، وتذمرنا منه في واقع الأمر سببه ما نفترض فيه وليس ما يقدر عليه.
المكان الذي يصح أن يكون المقر الرئيسي للمجتمع الدولي هو الأمم المتحدة ومؤسساتها من أعلى الهرم، مجلس الامن إلى قاعدته الجمعية العامة، وبينهما عشرات المؤسسات التابعة التي تغطي معظم شؤون الحياة الدولية.
في هذا المكان لنا كفلسطينيين قاعدته ومعظم مؤسساته، وعلينا فيه مجلس الأمن الذي يحكمه فيتو أمريكي نادراً ما يُستخدم في أي قضية أخرى، إلا أنه جاهزٌ على الدوام كي يستخدم ضد أي قرارٍ في مصلحتنا، حتى لو كان وقف مجزرةٍ مكتملة الأركان كتلك التي تجري وتتواصل وتتسع في غزة.
كون مجلس الامن محكومٌ لفيتو أمريكي، يبدو كما لو أنه وضع فقط من أجل إغلاق أبواب العدالة أمامنا، لا يعني قلة أهمية الأمم المتحدة وجمعيتها العامة، ومؤسساتها الوسيطة، فهي المنبر الأكثر أهمية والذي استفادت منه القضية الفلسطينية في حفظ حقوق شعبها، وتبني تطلعه نحو الحرية والاستقلال، في زمنٍ شحذت فيه إسرائيل والصهيونية العالمية وأمريكا العظمى كل إمكاناتها لتصفية هذه القضية وإلغاء حقوق شعبها ومصادرة حاضره ومستقبله.
في هذه الحرب والتي هي في الواقع مصيرية بالنسبة للفلسطينيين، فإن الأمم المتحدة وعبر جمعيتها العامة التي تضم جميع دول العالم، اتخذت قراراً تاريخياً وسوف تجدده غداً الاثنين بتصويت كاسحٍ لمصلحة الدولة الفلسطينية، وإلى جانب ذلك ستعلن العديد من الدول الوازنة عن اعترافها بالدولة الفلسطينية رسمياً، مما سيجعل من أي إجراءٍ إسرائيلي أو أمريكي عديم القدرة على الحسم، بل لن يكون أكثر من خطواتٍ غير شرعية لتنظيم احتلالٍ غير شرعي.
مقابل هذا الذي أفقد إسرائيل صوابها، وجعلها تصف موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالتسونامي، أي فيضان انبعاث الحق الفلسطيني على مستوى الكون كله، مقابل هذا تضرب إسرائيل رأسها في الحائط، وتعد بتوسيع وباء الاستيطان، مع توسيع مذبحة القرن في غزة، وتهدد بضم الضفة أو أجزاء منها، وكأن الذي لم تضمه يتمتع بحريةٍ كاملة، وتهدد بالانقضاض عليه، مراهنةً على أن الضم أو الخوف منه سيوقف تسونامي الاعتراف، ويوقف عجلة التاريخ عن التقدم باتجاه الدولة الفلسطينية.
في هذه المعمعة، يظهر على رأس المجتمع الدولي رجلٌ هو من خيرة رجال العصر، يضع نقاط العدالة على حروفها، يقتحم الحواجز والمسافات ويقرر الذهاب إلى غزة ولو مشياً على الأقدام، متبنياً قضيتها بمنطقٍ قويٍ مقنعٍ ومؤثر، كان له أبلغ الأثر في تطوير المواقف الدولية الرسمية والشعبية نحو إدانة مذبحة غزة ودعم حق شعبها في الحياة والحرية والاستقلال في إطار دولةٍ فلسطينيةٍ لابد وأن تقوم.
الأمين العام غوتيريش وجه تحذيراً مهماً لدول العالم جميعاً قال فيه صراحةً "لا تخافوا من فزّاعة الضم التي تهدد بها إسرائيل لعرقلة الاعترافات الدولية المتنامية بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته".
لقد جاء تحذيره هذا في الوقت المناسب وباللغة المناسبة، والمضمون الحضاري الإنساني الذي لن يتجاهله العالم بل سيصغي إليه. غوتيريش عنوان المجتمع الدولي المغلوب على أمره في حسم الحروب وإنهاء المظالم والاحتلالات، ولكنه الغالب في إيقاظ ضمير العالم وعزل قوى الظلم المتمادي مجسّداً بحرب الإبادة على غزة وحرب منع ولادة الدولية الفلسطينية.
غوتيريش.. من أجدر منه بأن نسمي أجمل شارعٍ في بلادنا وأكبر ميدان باسمه، لقد اختط الرجل منهجاً لحماية شرف العدالة السياسية والإنسانية، وسيكون صعباً بل ومستحيلاً على من يخلفه أن يخرج عن هذا المنهج.
ألف تحيةٍ للرجل الذي دخل التاريخ ليستقر فيه رائداً إنسانياً عالمياً لا خلاف عليه.