الاعتراف بدولة فلسطين وحل الدولتين

2025-09-21 13:19:11

غداً الاثنين 22 أيلول/ سبتمبر وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يعقد في نيويورك مؤتمر للاعتراف الجماعي بدولة فلسطين، يتشارك رئاسته الرئيس الفرنسي ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وسيلقي ماكرون كلمة يعلن فيها رسمياً الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأكد مستشار ماكرون أن 10 دول قررت الاعتراف بدولة فلسطين بشكل جماعي، وهذه الدول هي فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا وبلجيكا ولوكسمبورغ والبرتغال ومالطا وأندورا وسان مارينو، ومن المتوقع أن تنضم إليها دول أخرى، وكانت ثلاث دول أوروبية هي النرويج واسبانيا وايرلاندا قد اعترفت بفلسطين بشكل جماعي أيضاً في 28 أيار/ مايو الماضي.

منذ إعلان استقلال دولة فلسطين في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الـ«19» في الجزائر بتاريخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1988، تتوالى الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وبلغ عدد الدول المعترفة 78 دولة حتى نهاية ذاك العام، بينما لم يعترف بدولة فلسطين من قبل الولايات المتحدة والعديد من بلدان الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان، وهي دول تدعي دعمها لحل الدولتين، لكن لم تحرك ساكناً في هذا الاتجاه، رغم إدراكها أن السياسة الاسرائيلية التوسعية الاستيطانية تهدد فرص قيام الدولة الفلسطينية. بعد حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأخيرة ضد الشعب الفلسطيني استفاقت بعض الدول على ضرورة المبادرة والاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة ذات سيادة، وتجاوز الاعتراف ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الجمعية العامة، حيث اعترف بـدولة فلسطين 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.

وأقرّت الجمعية العامة للأُمَم المتحدة في يوم 10 أيار/ مايو 2024 قرار انضمام فلسطين بصفتها دولة في الأمم المتحدة. وقد أصبحت دولة مراقبة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. يوم 18 نيسان/أبريل 2024 استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار جزائري يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة. وبمقابل الموقف الأميركي يرى معظم دول العالم أن الاعتراف بفلسطين كدولة، وقبولها عضواً كاملاً في الأمم المتحدة خطوات مهمة على طريق تحقيق السلام في الشرق الأوسط، المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور أكد أن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة هي استثمار في السلام، نائبة السفير الفرنسي ناتالي برودهيرست قالت إن بلادها تؤيد مبادرة الجزائر برفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة وقبولها عضواً كاملاً، معتبرة أن هذا الاعتراف ضروري يسمح باستئناف عملية حاسمة ولا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين وتعزيز السلطة الفلسطينية، كي تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها بفعالية وكفاءة في جميع أنحاء أرض الدولة الفلسطينية المستقبلية. وأكدت ناتالي برودهيرست أن الصراع في غزة يبيّن مدى أهمية أن يلتزم مجلس الأمن بشكل حازم بالتوصل إلى حل سياسي للصراع وفي الوقت نفسه تعزيز عمله الإنساني.

وفي مؤتمر دعم حل الدولتين الذي دعت إليه فرنسا والمملكة السعودية والذي عقد في 28 تموز/يوليو، وقاطعته واشنطن وتل أبيب، دعا في بيانه الختامي إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ومنحها عضوية كاملة بالأمم المتحدة.

قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إن قيام دولة فلسطينية « حق، وليس مكافأة »، محذراً من أن إنكار هذا الحق سيكون «هدية للمتطرفين في كل مكان».

وكان قد صدر عن هذا المؤتمر ما يسمى إعلان نيويورك جاء فيه أن المؤتمر يهدف إلى إنهاء الاحتلال وتجسيد قيام دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة التي تعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل. اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، إعلان نيويورك، بأغلبية 142 صوتاً لصالح القرار و10 أصوات ضده، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، وامتناع 12 دولة عن التصويت، يحدد إعلان نيويورك « خطوات ملموسة ومحددة زمنياً ولا رجعة فيها » نحو حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، ويدعم نشر بعثة الاستقرار الدولية المؤقتة في غزة بتفويض من مجلس الأمن الدولي.

شهد هذا المؤتمر تجديد فرنسا لالتزامها بالاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول الجاري، كما أعلنت بريطانيا في يومه الثاني نيتها الاعتراف بفلسطين في ذات التوقيت. واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة النص قبل عشرة أيام من القمة التي سترأسها باريس والرياض يوم 22 أيلول/سبتمبر في الأمم المتحدة حيث تعهد إيمانويل ماكرون بالاعتراف بدولة فلسطين.

في 30 يوليو/تموز 2025، أعلن رئيس وزراء كندا مارك كارني أن بلاده ستعترف بفلسطين كدولة في سبتمبر/أيلول، شريطة أن توافق السلطة الفلسطينية على إجراء انتخابات في عام 2026 بدون حماس ونزع سلاح الدولة الفلسطينية.

وصرح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن حل الدولتين في خطر، وأن المملكة المتحدة ستعترف بفلسطين كدولة في أيلول /سبتمبر، ما لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار في حرب غزة، وتتخذ خطوات لإنهاء الوضع المروع في غزة، وتلتزم بحل الدولتين، وتوضح أن الضفة الغربية لن يتم ضمها. هذه الشروط تشير إلى أن بعض الدول ترى في التهديد بالاعتراف بدولة فلسطينية هي عامل ضغط على إسرائيل لوقف الحرب على قطاع غزة.

نددت إسرائيل بهذه الرغبة المتزايدة في الاعتراف بدولة فلسطينية، ورأت في الإقدام على هذه الخطوة مكافأة لحماس على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتناقلت وكالات الأنباء أن إسرائيل تعدّ خيارات متعددة للرد على اعتراف فرنسا ودول أخرى بدولة فلسطين، من بينها تسريع ضم الضفة الغربية المحتلة، وإغلاق القنصلية الفرنسية بالقدس، والتعدي على أراض فرنسية في إسرائيل مثل مزار إليونا المسيحي. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توعد في الحفل الذي أقيم في مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس قائلاً: «سنفي بوعدنا بألا تكون هناك دولة فلسطينية، هذا المكان لنا»، وأضاف «سنحمي تراثنا وأرضنا وأمننا... سنضاعف عدد سكان المدينة». فيما رفضت واشنطن منح كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية بمن فيهم الرئيس محمود عباس تأشيرات لدخول البلاد، وإلغاء التأشيرات الحالية لمنعهم من حضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وطالما ركزت كل من إسرائيل والولايات المتحدة جهودهما في الضغط على القيادة الفلسطينية للتخلي عن محاولاتها في أن تصبح عضواً في العديد من وكالات الأمم المتحدة، واستخدمت الولايات المتحدة قانون المساعدة وغيرها من التدابير للضغط على المنظمات الدولية لرفض عضوية فلسطين. عندما تقدمت فلسطين بطلب للحصول على عضوية منظمة الصحة العالمية، أبلغت الولايات المتحدة المنظمة بأنها ستسحب تمويلها إذا قبلت فلسطين. في يونيو 1989، قدَمت فلسطين خطابات انضمام إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 إلى حكومة سويسرا، لكن جهودها قوبلت بالتهديدات الأمريكية لحجب الأموال عن أي منظمة تعترف بفلسطين، رغم ذلك قبلت اليونسكو طلب فلسطين لنيل عضويتها، وكذلك فعلت الإسكوا والمحكمة الجنائية الدولية، وحصلت فلسطين على عضو مراقب في منظمات دولية أخرى.

بدأت السلطة الفلسطينية حملة دبلوماسية لكسب الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية أواخر عام 2009 بعد توقف المفاوضات مع إسرائيل، وفي سبتمبر 2011 قدم الرئيس محمود عباس طلباً إلى الأمم المتحدة لقبول فلسطين كدولة عضو. مما سيسمح لفلسطين برفع دعاوى قانونية ضد إسرائيل في المحاكم الدولية. تعارض إسرائيل الخطة الفلسطينية للانضمام إلى مؤسسات الأمم المتحدة بذريعة أنها تخالف اتفاق أوسلو الذي اتفق فيه الجانبان على عدم القيام بخطوات من جانب واحد. وتدعم الولايات المتحدة الموقف الإسرائيلي، في عهد إدارة الرئيس أوباما أقر الكونغرس مشروع قانون يدعو إلى استخدام حق النقض ضد أي قرار يعترف بدولة فلسطينية، وصدر مشروع قانون مماثل في مجلس الشيوخ، الذي هدد أيضا بسحب المعونة التي تقدمها إلى السلطة الفلسطينية. وقُدم مشروع قانون آخر للكونغرس، يقترح وقف تمويل حكومة الولايات المتحدة لأي كيان من كيانات الأمم المتحدة تدعم منح فلسطين وضعاً عالياً. ووجّه العديد من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة تهديدات مماثلة، وهددت وزارة المالية الإسرائيلية بتجمد المدفوعات المالية للسلطة الفلسطينية.

أما السلطة الفلسطينية فشكرت الدول التي أعلنت عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، وطالبت الدول التي لم تعترف بعد، بالمبادرة للاعتراف بدولة فلسطين حماية لحل الدولتين، ودعت إلى «الانخراط بفعالية في الجهود الدولية المبذولة لتحقيق الوقف الفوري للحرب وحماية المدنيين، وفتح مسار سياسي تفاوضي لإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير أسوة بشعوب الأرض وفقاً لإعلان نيويورك والرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية والقانون الدولي، بما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار لدول وشعوب المنطقة».