المحاسبة للقادة… والحماية للجميع

2025-09-21 17:20:58

تتصاعد في العالم موجات غضب واستنكار لما يرتكبه بعض القادة الاسرائيليين من جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وابادة جماعية في غزة والضفة باسم الدولة اليهودية وفي خضم هذا الغضب يتسرّب خطر آخر لا يقل فداحة: الخلط بين أفعال قادة سياسيين وبين هوية شعوب أو أتباع ديانات، إنّ هذا الخلط يفتح الباب واسعاً أمام العنصرية ويهدّد سلامة مجتمعات بأكملها وفي مقدمتها المجتمعات اليهودية.

من الواجب أن نُذكّر بحقيقة بديهية: اليهودية كدين وثقافة ليست مسؤولة عن قرارات أي زعيم سياسي أي محاولة لتجريم اليهود بسبب سياسات حكومات أو ممارسات قادتها هي ظلم صريح ووقود للكراهية ان حماية اليهود من التمييز والاعتداء مسؤولية أخلاقية وقانونية تقع على عاتق كل مجتمع ودولة وكم نفخر بوجود قادة ورجال دين يهود يتزعموا الحراك ضد حرب الابادة التي تقوم بها اسرائيل ضد الفلسطينيين في أمريكا واوروبا ودول العالم و هناك اعداد كبيرة من اليهود ومنهم فنانيين ورياضيين وسياسين يرفضوا ما يقوم به نتنياهو و عصابته.

لكن الخطر الأكبر لا يقتصر على خطاب الكراهية الخارجي بل ان مجرمو الحرب امثال نتنياهو ومن يبرّر جرائمهم يمثّلون تهديداً وجودياً لمستقبل المجتمعات اليهودية يفوق ما يفعله أي معاد للسامية  و إلصاق أعمال العنف بالدين اليهودي يضع اليهود في موقف هش ويقوّض أمانهم الاجتماعي اليوم و مستقبلا من ردات فعل متعصبة لذلك يجب أن تتصدّر جهود الفصل بين الهوية الدينية والأفعال السياسية مبادرات قادة المجتمع المدني والزعماء الدينيين ممن لهم مصداقية داخل مجتمعاتهم و مواجهة الإفلات من العقاب ومطالبة القادة المتّهمين بالمساءلة و المحاسبة ليست فقط مسعى قانونيّاً إنها أيضاً عمل وقائي لحماية النسيج الاجتماعي والوجود الآمن لليهود.

ولتعزيز هذا المبدأ ينبغي التذكير بأن من يرتكبون جرائم الحرب أو يدافعون عنها يشكّلون خطراً عمليّاً مباشراً على مستقبل اليهود أكثر من أي متعصّب ومن مصلحة القادة الدينيين والمجتمعيين في كل مكان أن يعملوا على فصل الدين عن تصرّفات القادة السياسيين وإعلان أن اليهودية ترفض القتل واغتصاب الارض والاحتلال باسمهم واليهود كضحية سابقة للارهاب الاوروبي ليست مبرراً لأي عمل إجرامي ضد الفلسطينيين الذين لا شأن لهم بما حدث والمطالبة بمساءلة قانونية للمتّهمين بجرائم الحرب في غزة والضفة الغربية حمايةٌ للجميع وعلى اليهود في العالم رفض تسمية اسرائيل الارهابية باسم دولة اليهود.

إنّ الطريق الأمثل لتحقيق التوازن بين حماية المجتمعات ومحاسبة الجناة يتطلّب:

1.    مساءلة قانونية مستقلة أمام محاكم عادلة بعيداً عن الانتقام السياسي أو التوظيف الأيديولوجي.

2.    حملات توعية داخل المجتمعات لتوضيح الفرق بين دين عريق مثل اليهودية وبين سياسات حكومة بعينها.

 3.    دعم منظمات المجتمع المدني التي توثق الانتهاكات وتقدّم الدعم للضحايا أياً كانت هويتهم.

4.    خطاب إعلامي مسؤول يرفض التعميم ويحمي السجال العام من الانزلاق إلى معاداة السامية أو أي شكل آخر من الكراهية.

إنّ حماية اليهود وغيرهم من الاستهداف لا تتناقض مع السعي إلى العدالة و محاسبة  قادتهم بل هما وجهان لعملة واحدة فالمطالبة بمحاسبة أي زعيم متورّط في جرائم هي حماية لمستقبل الإنسانية بأسرها وعندما نؤكد أنّ القانون فوق الجميع نؤكد في الوقت ذاته أنّ حياة كل فرد—يهوديّاً كان أو غير يهودي—مقدسة ولا يجوز أن تُستباح.