الدولة في محطتها قبل الأخيرة

يوم الإثنين الثاني والعشرين من أيلول سبتمبر في العام 2025، سيسجل في التاريخ على أنه يومٌ مفصلي، بين إنكارٍ طويل الأمد من قبل الدول النافذة في العالم والمعني هنا دول الغرب، وبين اعترافٍ متأخر بحقٍ بديهيٍ لشعبٍ حُرم من ممارسة حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على أرضه، أُسوةً بكل شعوب العالم.
إنه يومٌ تاريخيٌ بحق، وما بعده ليس كما قبله، لأنه بداية مخاضٍ صعب، فالدولة المنشودة وإن صدر بشأنها قرارات إجماعٍ دولي يكاد يكون شاملاً، إلا أن خصوم ولادة هذه الدولة، وإن كانوا أقليةً في حساب من مع ومن ضد، إلا أن لديهم قدرات إعاقةٍ لا يُستهان بها ولو أنها لا تصل حد القضاء والقدر.
إسرائيل ما تزال تمتلك أغلبيةً داخليةً كبرى، ضد مبدأ قيام دولةٍ فلسطينية، مهما قدّمت هذه الدولة الوليدة وقدّم العالم من تطميناتٍ بأن لا تكون خطراً لا أمنياً ولا وجودياً على الدولة العبرية.
أما أمريكا المنقسمة على هذا الامر وإن كانت لا تنكر من حيث المبدأ حق الفلسطينيين في دولةٍ حتى لو كانت مشوّهة، وترى الاعترافات المسبقة أمراً لا لزوم ولا جدوى منه، إلا أنها وما دام الجمهوريون وترمب بالذات في إدارتها، وضعت نفسها في خدمة الرفض الإسرائيلي، وإن كان من اختلافٍ في اللغة والتبرير إلا أن الاتفاق على الإعاقة يجمع بينهما.
الفلسطينيون يدركون أهمية الاعترافات، وخصوصاً الجديدة منها، ولكنهم لن يناموا على حرير هذه الاعترافات، وسيواصلون كفاحهم مع أشقائهم والمؤمنين بعدالة قضيتهم لتجاوز حالة الاعترافات المسبقة إلى جهدٍ عمليٍ مدروسٍ وفعّال، لقيام دولتهم على أرضها.
المؤشرات الإيجابية التي يعد بها هذا اليوم التاريخي قوية وعميقة، وتستحق أن يُبنى عليها، ذلك أن العالم الغربي الذي امتنع عن الاعتراف بالحق الفلسطيني ثلاثة أرباع القرن، لم يعترف الآن إلا بعد أن تأكد له أن المنطقة الأهم والمؤثرة عليه أمنياً واقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً وهي الشرق الأوسط، لن يستقيم حالها إلا بقيام الدولة الفلسطينية وليس بمجرد الاعتراف بها.
على أهمية الاعترافات خصوصاً الجديدة منها، فإن تجسيد الدولة على أرضها ليس مهمة العالم وحده، بل هي مهمة الفلسطينيين أولاً والعالم العربي والإسلامي ثانياً، ومهمة كل من اعترف بها مسبقاً ثالثاً.
المهمة الفلسطينية في مرحلة تأكيد وتثبيت قيام الدولة، تتطلب ترتيب البيت الفلسطيني ليكون صالحاً للانتقال من حال سلطةٍ منقوصة النفوذ والسيادة والكرامة، إلى دولةٍ حقيقيةٍ بما للدولة من مواصفاتٍ ومؤهلات، ودون أداء هذه المهمة على أكمل وجه، سنكتشف أن لا قيمة لكل الاعترافات إذا ظلّت عاريةً عن الأداء الفلسطيني المتقن لمتطلباتها.
إنه يومٌ تاريخيٌ بحق، ولكنه يومٌ تتحدد جدواه وقيمته الحقيقة، بما يليه من عملٍ فلسطينيٍ أولاً، وعربيٍ وإقليميٍ ثانياً، ودوليٍ ثالثاً، وهذا اليوم الذي جسّد انبعاثاً للحقيقة الفلسطينية بعد إنكارٍ دوليٍ طويل الأمد، يستحق أن يُقال فيه إنه المحطة قبل الأخيرة في مسار قطار الدولة، وإن لم تُخدم بما تستحق ولا يوجد ما يمنع ذلك فقد يتوقف القطار طويلاً على هذه المحطة، وقد يتآكل الإنجاز السياسي حتى لو كان تاريخياً.
يومٌ يستحق أن نحتفل به، ويتطلب أكثر من الاحتفال جهداً عظيماً نؤديه.