ما السبب وراء سعي روسيا للهيمنة على أقمار المريخ؟

2025-09-22 14:57:02

تسعى روسيا إلى ترسيخ تواجدها في سباق استكشاف الفضاء عبر تركيز متزايد على أقمار المريخ.

فبينما تتجه أنظار وكالات الفضاء العالمية إلى الكوكب الأحمر نفسه، ترى موسكو في هذه الأقمار الصغيرة فرصة علمية واستراتيجية، قد تفتح الطريق أمام اكتشافات كبرى وتمهّد لبناء قواعد أو محطات مستقبلية على مقربة من المريخ.

هذا ما أكده المحلل العسكري الأميركي براندون وايكيرت، الذي يقدم استشارات دورية لمؤسسات حكومية ومنظمات خاصة في قضايا الجغرافيا السياسية، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأميركية.

ويقول وايكيرت إن مهمة "فوبوس-جرونت" وهي المسعى الروسي لاستكشاف قمر المريخ "فوبوس"، تعد فصلا مؤثرا في تاريخ استكشاف الفضاء.

وأُطلقت هذه المهمة الطموحة عام 2011، وكان هدفها جمع عينات من "فوبوس" وإعادتها إلى الأرض، في خطوة تمثل عودة روسيا إلى المهمات الكوكبية بعد عقود طويلة.

ومع ذلك فإن الفشل الذي انتهت إليه مهمة "فوبوس-جرونت" أبرز التحديات الهائلة التي ترافق رحلات الفضاء السحيق، بدءا من الأعطال التقنية وصولا إلى العوائق الجيوسياسية.

ومع ذلك، ما زالت روسيا تدرس خططا محتملة لمهمة لاحقة إلى "فوبوس" فيما يواصل هذا القمر أسر اهتمام العلماء الروس، ربما أكثر حتى من المريخ نفسه.

فكّ طلاسم فشل مهمة "فوبوس-جرونت"

انطلقت مركبة "فوبوس-جرونت"، التي طورتها وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 من "بايكونور" في كازاخستان، على متن صاروخ "زينيت-2".

ويعني اسم "فوبوس-جرونت" بالعربية "تربة فوبوس"، في إشارة إلى هدفها الأساسي، جمع عينات من سطح القمر "فوبوس" وإعادتها للتحليل على الأرض. وكانت لتصبح أول مهمة تعيد عينات من أحد أقمار المريخ، ما قد يكشف خفايا عن نشأة النظام الشمسي.

كما حملت المركبة أيضا المسبار الصيني "ينجهو-1" وقمرا اصطناعيا مصغرا فنلنديا، ما أضفى طابعا دوليا على المهمة.

لكن المأساة وقعت بعد وقت قصير من الإطلاق، فالمركبة دخلت مدارا أرضيا منخفضا بنجاح، لكنها فشلت في تشغيل محركاتها لتنفيذ مناورة الدفع نحو المريخ.

وعزا المهندسون ذلك إلى خطأ برمجي في نظام التحكم بالتحليق، ربما تفاقم بسبب أضرار ناجمة عن الإشعاع أو أعطال في المكونات.

وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة لإعادة برمجة المسبار عن بعد، ظل التواصل معه متقطعا، وكان مصير المهمة الفشل المحتم، بحسب وايكيرت.

وفي يناير/كانون الثاني 2012، أي بعد نحو شهرين من الإطلاق، دخلت مركبة "فوبوس – جرونت" مجددا إلى الغلاف الجوي للأرض وتفككت فوق المحيط الهادئ.

وكبد الفشل روسيا ما يقدر بنحو 170 مليون دولار، ووجه ضربة لهيبة وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس" التي كانت تعاني أصلًا من تداعيات تقليص التمويل بعد الحقبة السوفيتية.

وكشفت التحقيقات اللاحقة عن مشكلات منهجية وهي تطوير متسارع واعتماد على تكنولوجيا قديمة واختبارات غير كافية.

ودفعت الحادثة إلى إصلاحات شملت تحسين ضبط الجودة وتعزيز التعاون الدولي.

ومع ذلك، ما زال فشل مهمة "فوبوس – جرونت" يدرس كحالة نموذجية في إخفاقات هندسة الفضاء، وغالبا ما يُستشهد به في مناقشات حول مخاطر استكشاف المريخ والمهمات الفضائية الروسية.

هل يخطط الروس لمهمة جديدة إلى "فوبوس"؟

حتى عام 2025، عبّرت روسيا عن اهتمامها بإحياء استكشاف "فوبوس"، وإن ظلت الخطط الملموسة مرنة وسط التوترات الجيوسياسية والقيود المالية.

فبعد كارثة 2011، أعلنت "روسكوسموس" عن مشروع "فوبوس-جرونت 2" في عام 2012، مستهدفة إطلاقه في عقد العشرينيات مع تحسين أنظمة الاحتياطية وقدرات إعادة العينات.

لكن، وكما هو حال العديد من الطموحات الروسية، تعثر التقدم في هذه المهمة الجديدة بفعل حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية، إلى جانب تحول الأولويات نحو المهمات القمرية مثل "لونا-25"، التي انتهت هي الأخرى بفشل مشابه عام 2023.

ومع ذلك، برزت مؤشرات إلى إعادة إحياء محتملة، ففي عام 2024 ناقش مسؤولون روس دمج أهداف استكشاف "فوبوس" ضمن استراتيجيات المريخ الأوسع، وربما التعاون مع الصين في إطار محطة الأبحاث القمرية الدولية.

ورغم غياب موعد إطلاق محدد لمهمة مخصصة إلى "فوبوس"، تضمن برنامج الفضاء الروسي للفترة 2022-2030 دراسات حول أقمار المريخ، بما يوحي بمهام استطلاع مدارية قبل تنفيذ عمليات إعادة عينات.

ويتوقع خبراء أن تنطلق مهمة جديدة إلى "فوبوس" بحلول عام 2030، مستفيدة من التقدم في تقنيات الدفع والذكاء الاصطناعي لتأمين مسارات أكثر أمانا.

غير أن نجاح وكالة "ناسا" مع مركبة "بيرسيفيرانس" ونجاح الصين مع مهمة "تيان وين-1" على المريخ يضعان روسيا تحت ضغط لإثبات قدراتها في الاستكشاف الكوكبي.

لماذا تهتم روسيا بـ"فوبوس" إلى هذا الحد؟

يقول وايكيرت إن شغف روسيا بـ "فوبوس" ينبع أكثر من المريخ نفسه من مزايا علمية ولوجستية واستراتيجية.

فهذا القمر، أحد قمري المريخ إلى جانب "ديموس"، جسم صغير شبه بيضاوي لا يتجاوز قطره 22 كيلومترا، وجاذبيته تكاد تكون معدومة، ما يجعل عمليات الهبوط والإقلاع منه أسهل بكثير من سطح المريخ، حيث يشكل دخول الغلاف الجوي ومتطلبات الوقود الضخمة عوائق كبيرة.

كما أن رحلة إلى "فوبوس" تحتاج إلى تغير أقل في السرعة لرحلات العودة، ما يقلل التكاليف والمخاطر مقارنة ببعثات إعادة عينات من المريخ.

وعلى الصعيد العلمي، يثير "فوبوس" الفضول باعتباره إما كويكبا أسيرا أو بقايا ناتجة عن اصطدام هائل بالمريخ.

وقد يكشف تحليل تركيبه عن أسرار تتعلق بتاريخ المريخ وموارده المائية وأصول الحياة في النظام الشمسي.

ويرى العلماء الروس، استنادا إلى تجاربهم مع مسباري "فوبوس 1" و"فوبوس 2" في عامي 1988 و1989، اللذين فشلا جزئيا لكنهما وفرا بيانات أن "فوبوس" يمثل "حجر الأساس" للمهام البشرية نحو المريخ.

إذ قد يحتوي غطاؤه الرملي على مقذوفات مريخية، مانحا لمحة غير مباشرة عن المريخ من دون تعقيدات مهمة مباشرة إلى سطحه.

وفوق ذلك، فإن التركيز على "فوبوس" يسمح لروسيا بصياغة مسار خاص في استكشاف الفضاء، بعيدا عن المنافسة المباشرة مع مركبات "ناسا" الجوالة على المريخ.

كما يتماشى مع الأهداف الروسية طويلة الأمد مثل إنشاء قاعدة مريخية، حيث يمكن لـ"فوبوس" أن يكون محطة وقود إذا ثبت وجود جليد مائي فيه.

ويواكب هذا الاهتمام التوجهات العالمية، مع استعداد اليابان لإطلاق مهمتها (إم إم إكس) المقبلة لإعادة عينات من "فوبوس"، ما يرسّخ مكانة هذا القمر المتزايدة.

وعليه، فإنه رغم أن فشل مهمة "فوبوس-جرونت" عام 2011 شكل انتكاسة، فإنه لم يكن نهاية أحلام روسيا بشأن أقمار المريخ، خاصة مع تنامي تحالفها مع القوة الفضائية الصينية الطموحة.

ورغم عدم تأكيد أي مهمة قريبة إلى "فوبوس"، فإن التخطيط المستمر يعكس طموحا لا يلين.

ويقول وايكيرت في ختام تقريره إن روسيا بتركيزها على "فوبوس" بدلا من المريخ، توظف ميزاتها الفريدة لتحقيق اكتشافات رائدة.

ومع سعي وكالات الفضاء حول العالم نحو أقمار الكوكب الأحمر، يظل "فوبوس" جبهة أساسية لفك ألغاز الكون.