"الديمقراطية" الإسرائيلية والعقل الحالم!

انتشر في أحد المواقع المقربة من الماضويين الحالمين مقالًا ينعى الكيان الصهيوني ويصوّرهُ وكأنه سينهار اليوم قبل الغد! وبقلم كاتب إسرائيلي، فهلّل له المجيّشون للعواطف المنفلتة، والمطبلون وأصحاب الخيالات والأحلام الوردية مفترضين أن معجزة بانتظارهم! دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التمحيص والتفكر والفهم، ومعرفة معنى النقد أو الحوار والاستفادة حتى من العدو، ودون أن يقوموا أصلًا بأي عمل لفلسطين! وهم بالراحة غارقون، فالله معنا! وها هو الكيان الى زوال!؟ (أنظر بالمقابل حديث الناقة والدعاء والقطران)، فكان ردّي على الأخ الذي أرسل لي المقال المذكور هو التالي:
الاسرائيليون يمارسون ما يسمونه الديمقراطية وحرية الصحافة (بينهم-بين اليهود فقط) حتى الحد الأقصى والحد الأقصى يتضمن نقدًا مباشرًا للشخوص وللمواقف من قادتهم صغيرًا كان أم كبيرًا متعاليًا متغطرسًا منتفخًا كما حال "نتنياهو" اليوم، كما يتضمن مبالغات بيانية بقصد التحذير (ولاستخدامها بالصراع الحزبي) وهذا مفهوم بالمنطق النقدي والتعبوي والتحذيري معًا.
وهو للأسف-سِمة الصحافة الاسرائيلية- (رغم ان لا ديمقراطية مع احتلال و"ابارتهايد")، ولنا أن نتعلم.
أما العقل العربي والمسلم البسيط والمجيّش والعاطفي والحالم بمعجزة من السماء! وهو المشبع بالأوهام والمستجيب لإيحاءات القنوات والمواقع الغبية فيتلقف الانتقادات (وهي كثيرة بالصحافة الاسرائيلية) وبغض النظر عن لهجتها الحادة-وهي هذه الأيام حتى من مراكز الدراسات عندهم حادة جدًا-فيبني آمالا بل أوهامًا ويرسم خططًا عظيمة على الرمال منتظرًا أن تقوم القيادمة لأجله!
إن النظر للمقالات الإسرائيلية عامة، وهذه الأيام حيث الإبادة الجماعية والمقتلة والمذابح والبائقة العظيمة التي حلّت بقطاع غزة والضفة وفلسطين وحيث عاصفة الاعترافات بدولة فلسطين يجد الأشد لدى الكتّاب الإسرائيليين من حيث استخدام المصطلحات مثل: صورة "اسرائيل" بالحضيض،أصابنا تسونامي سياسي، نعاني عزلة دولية- كما تكتب "ليزا روزوفسكي" في هآرتس هذا الشهر 9/2025م. بل وتقدم البعض من القلّة اليسارية لوصم الكيان (كيانهم) بممارسة الإبادة الجماعية والقتل الوحشي والمجازر.
لننظر عند الكثرة، فماذا يقول "ميخائيل ميلشتاين" في صحيفة يديعوت: نحن لم نحقق هدفا الحرب (حسم حماس وتحرير المخطوفين) و"نبيع الأوهام لشعبنا"- واليك نموذج مما كتب "يهود ايعاري": "إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس تهديدًا، الضم هو التهديد"! ويعتبر أن الضم خطأ فادح أكثر من الاعترافات التي يجب إفراغها من مضمونها.
بينما تجد معهد السياسات والاستراتيجيا في جامعة ريخمان قد أصدر تقريرا نقديًا مرّا جدًا عن العلاقات الاسرائيلية الأمريكية وعن الاستطلاعات المؤيدة لفلسطين وضد الإسرائيلي بأمريكا وبشكل لم يسبق له مثيل وخاصة في قطاع الشباب ليس فقط الديمقراطي وإنما الجمهوري أيضًا. ويحذر المركز الصهيوني بشدة من تآكل صورة اسرائيلهم ومن تراجع مستوى الدعم بأمريكا بالتفاصيل موصيًا بالانهاء الفوري للحرب بغزة وعمل خطة لإعادة كسب أمريكا خاصة الشباب.
ويكتب "عاموس يدلين" أنه تم المسّ بمكانة "اسرائيل" العالمية، وقد لايعود الدعم الامريكي مسلمًا به، و"نتنياهو يعيدنا للغيتو-العزلة الذي منه أخرجنا بن غوريون".
وفي مؤتمر عقد في أمريكا يوم ضربة قطر(9/9/2025م) أبلغ الأمريكان من الحضور الاسرائيليين الحضور-كما ورد بالصحافة الإسرائيلية أيضًا- أن "اسرائيل" "فقدت عقلها وأنتم تفقدون اصدقائكم بكل مكان …."، وقال لهم الكاتب "دان بيري" بمقال له أن: اسبرطة نقيض الصهيونية! وقد ينفصل يهود أمريكا عنا وأوربا تتخلى عنا….. الخ.
ما يجب فهمه في سياق الصراع والعدوان والحرب المتواصلة على فلسطين ومجمل الأمة وعقولها، وثرواتها والسيطرة عليها جغرافيًا واقتصاديًا ونفسيًا.... أن ذلك الأمر عند الإسرائيلي مرتبط بالنقد والعمل المثابر الذي يحتاج عندهم لأدوات كثيرة ومراكز أبحاث وقوة بكل الأشكال وقناعات وخطط -وليس غباء سياسي وأوهام غيبية- وبالتالي يمارس انتقاداته من أجل مصلحة (الوطن).
الخلاصة هنا أن النقد العلني الساخط والصاخب والمرّ بالصحف الاسرائيلية الأربعة، وغيرها من المواقع والفضائيات والمدونات الصوتية...الخ لم يتوقف ضد "نتنياهو" وحكومته، ولا نقد فيها يعني أن أيهم يتخلى عن اسرائيليته أو (ثباته) فيها كما قد يتوهم الحالمون وراء شاشات الهواتف النقالة يتنقلون بين مقطع مرئي وآخر لا يلوون على شيء الا تضييع وقتهم وازدراد الغباء، بلا عمل يعود عليهم أو على فلسطين بفائدة.