عندما لا يسمعك الاحياء فنداءُ الاموات أجدى

بما انه نادينا على الاحياء من قادة الامة ولا حياة لمن ننادي فقد قررنا ان نادي على الاموات الاحياء فيا أم كلثوم يا صوت القلب، يا نجمة الصبح في ليالي الخراب، يا سيدة الطرب رغم أنّ الطرب اليوم ممنوع، يا من أنتِ الحبّ، عم بكتبلك من فلسطين الموجوعة، من غزّة وبيت لاهيا ونور شمس، من القدس ويافا، لأحكي لك عن الحكاية التي صارت حياتنا، القلب موجوع يا ست أم كلثوم، موجوع على الأطفال اللي صار لعبهم خلص عمري بدل إنت عمري، والضحك صار بعيد مثل الأطلال، حتى سيرة الحبّ ما عاد تذكّرنا إلا بالألم، وفات الميعاد صارت لكل من فقد والديه أو بيته وأبناءه، أمّا دعاء الكروان فصارت صدى كل ليلة بلا نوم يمزّق صمتها صوت صاروخ أو كوادر كابتر.
الحبّ كله صارت سيدة الموقف لأنه احباب كثير راحوا وصاروا اهاليهم يرددوها بين الانفجارات وفي جنبات القبور، أمّا أنا ـ"في انتظارك" صارت دعاء كل أم تبحث عن طفلها، و"أمل حياتي" صارت سراباً بين الركام لانه ما حد عارف اذا هيعيش بكره، يا ست، حتى "دارت الأيام" صارت خيالاً، لأنّ الأيام تمشي على الحزن، ولسه فاكر" صارت صرخة من كل مكلوم موجّهة لزعماء الأمة، أطفال غزّة اللي ما أجاهم الدور يستشهدوا صارت "أمل حياتي" بالنسبة لهم خيمة ورغيف.
مرّة تانية الحبّ كله راح للسماء مع كل شهيد وتحول رمزاً للذكريات اللي ما عادت موجودة، والناس صاروا يتقاتلوا على لقمة خبز، "إنت عمري" ما عادت معبّرة لأنّ العمر صار ينحسب بالدقائق بدل السنين، أمّا "فات الميعاد" فصارت نغمة على لسان كل قلب مكسور.
في غزّة الحياة صارت "دعاء الكروان" منقوصة، والضحك صار صوتاً بعيداً، والأسواق خاوية، والناس عم تبحث عن لقمة، وإذا غابت الصواريخ واجت الكهرباء، صوتك يعيد لهم الأمل ويتذكروا من "الحب كله" نصها، وبرجع الوطن في قلوبهم غناء وحياة ومش صفقة ولا احتلال.
لمّا تغيب الطيارات لأنها راحت تعبّي ذخيرة، بصيرو الأطفال يتذكروا وكل واحد بيسأل الثاني: "لسّه فاكر؟"، و"أمل حياتي" صارت أنّ الطيارة تتأخر شوي وما تعود تقصف خيمتنا، خلي "دارت ألايام" تعلّمنا الصبر، و"الحب كله" يذكّرنا بالذكريات التي نبني عليها الأمل، و"لسّه فاكر" تربط الماضي بالحاضر والمستقبل.
يا ست أم كلثوم، فلسطين بحاجة لكل أغنية منكِ، "الحب كله" يعلّمنا الصبر، "أمل حياتي" يدفئ قلوب الناس، "دارت ألايام" تذكرنا أننا قادرون على التحمّل، "لسّه فاكر" ضوء صغير في الظلام، "إنت عمري" صرخة الذاهبين إلى الجنة يوجّهونها لمن لم يحالفه حظ الاستشهاد، خلي "فات الميعاد" يظل رمزاً للتاريخ الذي صار حاضراً، و"الحب كله" صمود، و"أمل حياتي" أمل، و"ودارت ألايام" حقيقة، ولسه فاكر" نور، و"إنت عمري" نسيم الحياة، لمّا الطيار يتعب والمدفعجي ينام بنسرق شوية وقت من عمرنا وبنسمعك، وبنردد "بحبك يا فلسطين"، وكلماتك تتحوّل لصواريخ من الأمل ونغماتك غطاء يقي برد الليل، ولمّا تصمتي بنخاف الكبار والصغار وبندور على مكان نتخبى فيه من الحرب والبرد والجوع.
خليكي معانا يا سيدة الغناء لأنّه لو غبتِ، "دعاء الكروان" رح يختفي، والقدس وطرابلس وصيدا وغزّة رح يصيروا بلا روح، وعندها حنبطّل عارفين وين نروح، ومن هون وقبل ما يجي صاروخ أو قذيفة بقلكِ لو كل العالم نسي إنسانيته وزوّر التاريخ نحنا ما راح ننسى إنسانيتنا ولا تاريخنا اللي انكتب بدمنا، مش بس هيك فلسطين يا ست ام كلثوم ستسهم في بناء عالم اكثر عدلا وانصافا ومساواة،فلسطين ستشكل عامل استقرار هذا الكون،بامكانك ترجعي تنامي وتصبحي على خبر وقف مقتلة الانسانية.