ما بين الفدائيين وطوني بلير، هل يتمكن ترامب من استدامة الاحتلال بالوصاية؟

2025-09-28 14:40:01

الأنباء المتداولة حول تعيين أو تفويض طوني بلير لإدارة غزة في مرحلة انتقالية، بدعم من إدارة ترامب وبتنسيق مع كوشنير وغيره، تفتح الباب مجدداً أمام مشاريع الوصاية الدولية على شعبنا الفلسطيني. وهي مشاريع كنت قد تناولتها في مقالي الأخير بعنوان: "خطة ترامب، بين إعادة تدوير الوصاية وتحدي الفلسطينيين"، المنشور قبل أيام.

اليوم قد تُعرض الفكرة في ثوب “حل مؤقت” لتسويق قصة إعادة الإعمار وتجاوز عقدة حماس، لكنها في الجوهر ليست سوى محاولة لإعادة إنتاج أنماط فرض السيطرة الخارجية على قرار شعبنا وعلى مكانة منظمة التحرير كممثل رسمي صاحبة الولاية الجغرافية والسياسية على كل اراضي دولة فلسطين المحتلة التي تتزايد الاعترافات الدولية بها، وكما وعلى مستقبل شعبنا وحقه بسيادته على أرضه ومقدراته الطبيعية خاصة من الغاز والبترول.

طوني بلير، الذي ارتبط اسمه بغزو العراق وتدمير دولته الوطنية، يُطرح اليوم كمنقذ لشعب محاصر يئن تحت أهوال المحرقة الإسرائيلية منذ عامين، ومن اضطهاد ممتد منذ النكبة الأولى عام ١٩٤٨ وما رافقها من تطهير عرقي وما تبع ذلك من جرائم التوسع الاستعماري حتى اليوم. فأي شرعية يمكن أن يحظى بها في غزة؟ وأي قبول شعبي يمكن أن يناله مشروع يستثني الفلسطينيين من حق تقرير مصيرهم ويُدار من خارجهم؟

قد يرى البعض أن الخطة محاولة لإيجاد “حل وسط” بين الاحتلال المباشر وعودة السلطة الوطنية الفلسطينية واستبعاد حماس. حيث ان غياب وحدة الموقف الوطني يجعل هذه الطروحات ممكنة التنفيذ، فالتوافق الوطني على برنامج قواسم مشتركة لم يكن يوما ترفاً، بل شرطا لانتصار أي حركة تحرر وطني من براثن الاستعمار، من الجزائر وفيتنام إلى جنوب إفريقيا مرورا بقضايا تحرر شعوب اخرى كثيرة، حيث لم يكن النصر ممكنا دون وحدة الصف أو على الاقل بالتوافق المرحلي بين القوى المختلفة على قاعدة المصالح الوطنية ووثيقة اعلان الاستقلال الوطني.

غير أن أزمتنا الداخلية اليوم من ترهل النظام السياسي الفلسطيني، وغياب خيار الانتخابات العامة، وتراجع دور الحركة الوطنية ومحاولات مصادرة القرار الوطني او التوافق مع اشتراطات مختلفة، إلى الانقسام الذي أعقب انقلاب غزة، جميعها أضعفت قدرتنا على صياغة رؤية تحررية جامعة ومواجهة التحديات متحدين دون إملاءات خارجية. كل ذلك ساهم وتزامن مع تمكين نتنياهو في شن حرب الإبادة والتدمير والتهجير والتجويع والتوسع الكولنيالي بما يسمى بالضم، وهي سياسات لا تختلف عن نهج كل الحكومات الإسرائيلية منذ نشأة الكيان الاستعماري على حساب حقوق ووجود شعبنا لتنفيذ الفكرة الصهيونية التي ما زال يجمع عليها كل أقطاب الحراك السياسي في اسرائيل بمن فيهم من تُسمى بالمعارضة الصهيونية، دون الرغبة في إدراك ان شعباً يضطهد شعباً آخر لا يمكن ان يكون هو نفسه حراً.. 

في ظل هذا الواقع، تصبح طروحات ترامب بلا جدوى حقيقية لشعبنا، بل خطِرة لأنها قد تفتح الباب لمرحلة انتقالية تتحول إلى وصاية ممتدة تُشرعن إقصاء الفلسطينيين، وتُكمل ما بدأه الاحتلال من محاولات محو للهوية والسيادة والسيطرة على الموارد والحدود بشراكة أمريكية لاستدامة الاحتلال في مضمونه القائم على سياسات الإحلال والتهجير والإبادة التي لم تتشكل صدفة بالعقلية الصهيونية ولم تنتظر مبرراً لتنفيذها.

الأمر ليس معزولاً عن مخطط أشمل تسعى من خلاله واشنطن وتل أبيب لإعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحهما، مستخدمتين غزة كساحة اختبار لإعادة إنتاج أنماط استعمارية بوجوه جديدة في خدمة مشروع الشرق الأوسط الجديد. ما يزيد وضوح الصورة هو خطاب نتنياهو الفاشي الأخير أمام قاعة فارغة بالجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، حيث أعاد التأكيد على شروعه باحتلال غزة مجددا واقامة إدارة مدنية ومنع قيام دولة فلسطينية اضافة الى ما تضمنه خطابه من تأكيدات على تنفيذ المشروع الصهيوني الاستعماري.

إن الطريق إلى إعادة الإعمار والاستقرار لا يمر عبر طوني بلير ولا عبر وصايات مفروضة، بل عبر التمكن من وقف المحرقة فوراً الآن وإنهاء الاحتلال ورفع الحصار، وتمكين شعبنا من بناء مؤسساته على أرضه وبإرادته الحرة الديمقراطية ومراجعة المواقف الفلسطينية لمختلف الاطراف وصولا الى رؤية كفاحية عقلانية. أما ما عدا ذلك، فهو مجرد تدوير للأزمة بأسماء جديدة، يطيل الظلم التاريخي الواقع على شعبنا، ويُبقي المنطقة رهينة عدم الاستقرار.

وفي هذا السياق، يكتسب خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠١٤ قبل ١١ عاماً بعداً مهماً منذ ذلك الوقت حين قال:

 "شعبنا الفلسطيني ، الذي صان تقاليد الفدائيين ونضاله الوطني منذ انطلاقة الثورة عام ١٩٦٥، متمسك بحقه في الدفاع عن نفسه ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي العنصري الاستيطاني، ولن يتنازل عن حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال..."

هذا الصوت الفلسطيني يجد صداه اليوم في الأمم المتحدة، حيث وصف الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في كلمته بالأمم المتحدة قبل ايام، "ان ما يجري في غزة هو إبادة جماعية، مؤكداً أن ما يحدث ما كان ليحدث لولا تواطؤ من يملكون القدرة على منعه، وأن للشعب الفلسطيني الحق في استمرار كفاحه الوطني العادل نحو الحرية والدولة المستقلة كي لا يُمحى من "الوجود. 

أما الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو الذي أوقفت الولايات المتحدة تأشيرة دخوله، فقال في كلمته، "على أن الإنسانية جمعاء يجب أن توقف الإبادة فوراً، معتبراً أن الكلام لم يعد كافياً، داعيا الى تحالف دولي من اجل حرية "فلسطين ودحر الاحتلال.

 إن تلاقي هذه الأصوات الحرة مع نضال شعبنا التحرري ومع ما يجري بالعالم من تصاعد لانتفاضة فلسطين، يعيد التأكيد على مكانة فلسطين كقضية وطنية وإنسانية أممية تعود بصمود شعبنا ونهوض الشعوب إلى صدارة الأجندات الدولية مع تصاعد عزلة دولة الاحتلال وتعمق أزمتها، وأن معركتنا التحررية هي معركة أحرار العالم ضد الظلم والاستعمار. 

هذا المنهج المتكامل منذ ان خاطب الزعيم الخالد ياسر عرفات الأسرة الدولية عام ١٩٧٤ بقوله "جئتكم احمل غصن الزيتون في يد والبندقية في يدي الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي “، هو ما يتوجب الاستفادة منه والبناء عليه وصولاً الى حقوقنا الغير قابلة للتصرف.