مبادرة ترمب.. وعامل الوقت.. وتربّص نتنياهو

2025-09-30 13:43:14

 

لم يكن متوقعاً من الرئيس ترمب أن يقول غير ما قاله في عرضه الواسع لأفكاره حول وقف الحرب على غزة، وفتح ملف التسوية الأشمل في الشرق الأوسط، وحل القضية الفلسطينية.

تميز خطاب ترمب المطول، بمحاولة إرضاء جميع الأطراف ولا مانع عنده بقول موقفٍ في السطر الأول ليقول موقفاً مختلفاً عنه في السطر الذي يليه، وهذا هو ترمب، وهذه طريقته في معالجة القضايا.. مثال واحد يدل على ذلك، هو موقفه المتفهم لرفض إسرائيل قيام الدولة الفلسطينية، وموقفه المتفهم كذلك لمواقف الدول التي اعترفت، ولكي يتسيّد أصحاب الموقفين أعلن نفسه رئيساً لمجلس السلام، المقترح من جانبه ليس لإدارة غزة هذه المرة فلديه من يدير، وإنما لإدارة التسوية التي ستدخل الشرق الأوسط في حالةٍ تستحق أن يطلق عليه من خلالها الشرق الأوسط الجديد.

لا يجوز التعامل مع خطاب الرئيس ترمب بصيغة معه أو ضده فقط، فهو خطاب عناوين ذكّرنا بتقويم الرئيس الراحل حافظ الأسد لاتفاقات وتفاهمات أوسلو حين وصفها بأن كل سطرٍ فيها يحتاج إلى مفاوضات، تستغرق وقتاً طويلاً.

ذلك أن دمج التسوية العاجلة بشأن غزة بالتسوية الآجلة للقضية الفلسطينية، وإذا كان في مصلحة الفلسطينيين الذي يضرهم كثيراً فصل غزة عن الضفة في الحلول العاجلة والآجلة، إلا أن الصيغ العامة يمكن أن تكون ضحيةً للتفاصيل التي يُقال إن الشيطان يكمن في داخلها، وشيطان الصيغ العاجلة والآجلة هو نتنياهو، الذي يعرف كيف يهدم أكثر مما يعرف كيف يبني، وهذا يدفع إلى الحذر منه ومضاعفة الجهد لصدّه وليس إلى الهروب منه.

العاجل والملح ليس ما لم يتضمنه خطاب ترمب، حول اعترافه بالدولة الفلسطينية، بل وقف المذبحة في غزة وإدخال المساعدات بما يكفل التخلص من المجاعة ويوقف تصفية المرافق العامة، وخصوصاً الطبية منها، وضمان الانسحاب الإسرائيلي وإن بصورةٍ متدرجة، ثم الذهاب في اليوم التالي إلى فتح المسار السياسي المنشود لحل القضية الفلسطينية.

حكاية رئاسة ترمب لمجلس السلام الذي لم يولد هي من التعبيرات التي تخصص في إطلاقها تعبيراً عن رغبته الدائمة في أن يكون سيد الإنجازات الكبرى حتى قبل أن تتحقق، إذ لا أحد ينكر أهمية أي إدارة أمريكية في أي أمرٍ يتعلق بتسويات الشرق الأوسط ومركزها بالطبع تسوية القضية الفلسطينية، وليسمي نفسه ما يشاء، فالذي يهمنا بالضبط أن يبدأ مسارٌ سياسيٌ يفضي إلى حلٍ جذري للقضية الفلسطينية، شرطه الأول والأخير أن يرضى عنه الفلسطينيون ويتفق مع الرؤية العربية والإسلامية والدولية للسلام، تلك الرؤية التي تجسدت سابقاً بالمبادرة العربية وتجددت حالياً بمؤتمر الدولة الذي عقد في نيويورك.

بشأن غزة التي هي هاجسنا الراهن والملح ننصح حماس بعد أن عرفت خطة ترمب والمواقف العربية والدولية المؤيدة لها، وبعد أن أعلن نتنياهو موافقته المكتظة بالألغام عليها، ننصحها بالإسراع في الموافقة على الخطة رسمياً بالتنسيق التفصيلي مع قطر ومصر، لأن التأخير بسبب التأني والبحث والدراسة والمشاورات، يعني جثثاً تملأ الشوارع في قلب غزة، وأطفالاً وأبرياء إن لم يموتوا بالقصف فبغيره، وإن تعددت الأسباب فالموت واحد.

لو سُئل نتنياهو ما هي أعز أمانيك في هذه اللحظة بالذات لأجاب بلا تردد.. أن ترفض حماس خطة ترمب لأن رفضها سيمحنه ذريعة مواصلة الحرب، وهذه المرة بغطاءٍ أمريكي متجدد وبأقل قدرٍ من الإدانات الدولية.

خطاب ترمب ليس نهايةً لأكثر قضايا العصر تعقيداً من غزة إلى التسوية الشرق أوسطية الشاملة، بقدر ما هو بدايةٌ لجهدٍ ينبغي أن يُبذل عربياً وإسلامياً ودولياً، لإنقاذ غزة راهناً ولإنقاذ الحقوق الفلسطينية التي يسعى نتنياهو لمصادرتها، وهذان أمران لا يتحققان بعطفٍ أمريكي محتمل، ودعمٍ أوروبي ودولي فقط، بل بعملٍ دؤوبٍ لا يفتر ولا يتوقف.

لقد فُتح الملف وسيكون الصراع القادم محتدماً بين استماتة إسرائيل ومن معها لإغلاقه، وبين الجهد الشامل فلسطينياً وإقليمياً ودولياً، الذي تبلور باعترافاتٍ ثمينة بالدولة الفلسطينية، وهذا ما يتطلب مضاعفة الجهد لتحويل الاعترافات من قرارات تضامنيةٍ إلى قيام الدولة فعلاً على الأرض، وهذا هو أصل الحكاية.