تقسيم الشرق الأوسط وسيلة لتحقيق الحلم الصهيوني

2025-10-11 16:56:35

رغم التفاؤل الذي حصل بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار بين حماس واسرائيل برعاية ترامب ومباركة الدول العربية والاسلامية،العرب والمسلمين يريدون من الاتفاق وقف شلال الدم اولا وفرصة استثمارية في اعادة الاعمار ثانيا ولضمان موقع مقبول ضمن خريطة الشرق الاوسط الجديد،اما ما يريده ترامب ونتنياهو فهو استكمال المشروع ربما من بوابة توسيع انصار الديانة الابراهيمية مما سيؤدي في المحصلة الى هيمنة اسرائيلية امريكية استعمارية.

مديح ترامب لقيادة حماس وارسال قوات امريكية،التهديد الدائم لايران وان بوتيرة تختلف من يوم لاخرتجعل الرؤيا اكثر وضوحا ، فالشرق الأوسط اليوم يبدو وكأنه على حافة إعادة ترتيب كبرى. المشاريع القديمة تتلاشى، والمخططات الجديدة تحاول فرض واقع مختلف، واقع قد يعيد رسم حياة الناس على الأرض بطريقة لم يعرفها أحد من قبل، من أبرز هذه المشاريع ما يُعرف بـ"مشروع التقسيم"، الذي يسعى لإعادة رسم الحدود وتقسيم المنطقة إلى دويلات أو مناطق نفوذ محددة، مما سيمكن الحركة الصهيونية من إنجاز مشروع إسرائيل الكبرى على طريق الهيمنة على العالم كله. الحديث هنا عن فلسطين، سوريا، العراق، وربما أجزاء من لبنان وليبيا، مع محاولات لإعادة ترتيب النفوذ في السعودية واليمن. يحاول أصحاب الفكرة إظهارها على أنها منطقية، وأنها تهدف إلى حماية الأقليات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: من هو الذي منح الدولة العميقة، وفي المقدمة الماسونية والحركة الصهيونية، الوصاية على الأقليات والادعاء بأن التقسيم لحمايتها، في الوقت الذي تعاني فيه الأقلية الفلسطينية داخل الكيان أبشع أنواع التمييز والاضطهاد والفصل العنصري؟ سؤال برسم الإجابة، رغم أن حقيقة التقسيم تحمل تبعات هائلة تؤثر على حياة الناس، على تماسك المجتمعات، وعلى كل توازن في المنطقة.

تُشكل فلسطين المثال الأكثر وضوحًا، فمشروع التقسيم يهدف إلى تقليص مساحة أي كيان فلسطيني مستقل، بما يضمن لإسرائيل سيطرتها الكاملة على الأمن والموارد. غزة والضفة الغربية قد تتحولان إلى إمارات مفصولة ومعزولة، والقدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، مما يعني نزوحًا وفقدان بيوت، فقدان هوية، وتوزيع الشعب مؤقتًا على بقع جغرافية تسمى إمبراطوريات كخطوة ستسهل التهجير الكلي عندما تسمح الظروف. عندها ستجد العائلات نفسها أمام خيار صعب: البقاء تحت قيود الاحتلال، أو الرحيل نحو المجهول.

سوريا، التي مزقتها الحروب الأهلية والصراعات الإقليمية، قد تُقسم على أسس طائفية وإثنية لتسهيل السيطرة الخارجية. الشمال الكردي، الساحل العلوي، دمشق وحلب، كل منطقة قد تتحول إلى دويلة أو منطقة نفوذ، ودولة الدروز في الجنوب؛ هذا سينتج نزاعات على أسس عرقية، طائفية، مذهبية، وأخيرًا حدودية. الشعب السوري، الذي تحمل الحرب السابقة، سيجد نفسه أمام واقع جديد من الانقسام الداخلي والتدخل الخارجي، حيث يصبح القرار الوطني أداة للتوازنات الدولية لا أكثر.

العراق يواجه تحديًا مشابهًا، إذ يُنظر إلى تقسيمه على أساس طائفي أو عرقي كوسيلة لإضعاف الدولة المركزية. الأكراد في الشمال، الشيعة في الجنوب، السنة في الغرب… كلها مناطق قد تتحول إلى كيانات شبه مستقلة، مع مخاطر صراع مستمر على الموارد والمياه والحدود، ما سيؤدي إلى ضرب وحدة الدولة واستقرارها.

لبنان، ذو المساحة الصغيرة والتركيبة الطائفية المعقدة والمتشابكة، قد يشهد تقسيمًا غير رسمي على أساس طائفي ومذهبي. كل طائفة ستزداد قوتها على حساب الدولة المركزية، والفساد السياسي سيزداد، فيما يظل المواطن اللبناني يدفع الثمن الأكبر من خلال الفقر والبطالة ونقص الخدمات الأساسية.

أما اليمن، الذي أنهكته الحرب التي فُرضت عليه من التحالف بقيادة السعودية في العقد الماضي والتي تركت شعبًا فقيرًا محاصرًا، فقد ازداد حصاره بعد دخول الحوثيون على خط المواجهة مع إسرائيل. ورغم كل ذلك، فإنه يواجه إعادة رسم جغرافية النزاع بين الشمال والجنوب. مناطق النفوذ المختلفة المدعومة من الخارج قد تزيد الانقسام، تطيل أمد الحرب، وتجعل الوصول إلى أي استقرار أكثر صعوبة.

ليبيا، التي مزقتها النزاعات بين الشرق والغرب، قد تشهد استمرار تقسيم غير رسمي بين الميليشيات والقبائل، ما يجعل العودة إلى دولة مركزية قوية أمرًا صعبًا للغاية. يهدف المخطط إلى إبقاء الشعب الليبي أسير الصراعات المحلية المدعومة من الخارج، وكل ذلك سيحول دون السيطرة الحقيقية على مستقبله.

ورغم كل هذه المخططات، يبقى الإنسان هو الأكثر تأثرًا. كل تقسيم يترك أثره على حياة الناس اليومية: من سيبقى على أرضه ومن سيُجبر على الهجرة، من سيملك الموارد ومن سيحرم منها، ومن سيعيش في استقرار ومن سيعيش في خوف دائم. هذه الدويلات المقترحة لن تكون مجرد حدود، بل تتعدى ذلك لتصبح قصصًا إنسانية متشابكة، لها جذور عميقة وذكريات مرتبطة بالأرض والهوية.

التقسيم، مهما صُوِّر على أنه حل استراتيجي وجُمِّلت صورته، فإنه لن يخلق استقرارًا دائمًا. كل خط أو حرف على الخريطة سيفتح الباب أمام ردود الفعل، ويعيد تشكيل التحالفات القديمة، ويولد أخرى جديدة. بعض القوى ترى في هذا المشروع فرصة لتحقيق مصالحها، بينما تعتبره قوى أخرى تهديدًا مباشرًا لأمنها واستقرارها. وفي خضم كل هذه الحسابات، يظل الإنسان الحلقة الأضعف، والذي يدفع الثمن الأكبر.

في الختام، يمكن أن نخلص إلى نتيجة ملموسة وهي أن هذا المشروع ليس مجرد خريطة جديدة، بل انعكاسات عميقة على حياة الشعوب والمجتمعات. كل تقسيم سيواجه مقاومة طبيعية من الشعوب، وستظل الروابط التاريخية والاجتماعية والثقافية عاملاً لا يمكن تجاوزه. وفي قلب هذا كله يبقى السؤال الأهم: من سيعيش؟ ومن سيُجبر على الهجرة؟ ومن سيقرر مصير شعوب هذه الدويلات؟

المشهد الذي يُرسم اليوم على خريطة الشرق الأوسط ليس مجرد حدود، بل صراع مستمر على الهوية، على الأرض، وعلى الحق في البقاء. ومن يظن أن الخريطة الجديدة ستخلق استقرارًا دائمًا، عليه أن يتذكر أن كل خطة تقسيم تترك وراءها قصصًا إنسانية لا تُمحى، وأن القوة وحدها لا تصنع السلام.

من أجل مواجهة كل هذه الخطط، لا بد من إعادة تشكيل العالم على أساس تعدد الأقطاب ليصبح أكثر عدلاً وإنصافًا، وفوق كل ما سلف أكثر إنسانية. لنبنِ عالمًا يترك الخيار للأمم لتقرر مصيرها بنفسها، دون تدخل من أحدوفي مقدمتها الشعب العربي الفلسطيني.