بدائل التدخين وتصحيح المفاهيم

يشهد العالم تغيرات متسارعة في كل المجالات، ولعل مكافحة التدخين من أكثر الأولويات الراهنة التي تبرز بقوة أمام خبراء الصحة العامة وصانعي السياسات الصحية في العالم. وفي هذا الإطار، بدأت في السنوات الأخيرة تجارب لافتة للعديد من الدول تحقق نتائج على مستوى مؤشرات الصحة العامة مثل السويد والمملكة المتحدة، مع تبني -ما بات يُعرف بنهج الحد من مخاطر التدخين- والذي يعتمد على تنظيم قطاع التبغ وإقرار تشريعات ناظمة لتداول منتجات التبغ المبتكرة والبديلة للسجائر التقليدية.
في مقابل هذا التطور في السياسات الصحية وجهود مكافحة التدخين، تطفو إلى السطح ظاهرة المفاهيم الخاطئة التي تعيق وصول المدخنين حول العالم إلى معلومات دقيقة حول البدائل التي تعتبر أقل خطورة مثل السجائر الإلكترونية، والتبغ المسخن، وأكياس النيكوتين. ما يؤدي إلى قرارات صحية قد تكون أكثر خطورة من الاستمرار في التدخين ذاته. ومؤخراً، أظهرت دراسة دولية أن توفير المعلومات العلمية الدقيقة هو عامل حاسم في قرار المدخنين التحول إلى بدائل خالية من الدخان.
وهنا، ينظر الخبراء إلى أهمية صياغة سياسات تمكّن المدخنين من الوصول إلى معلومات دقيقة حول الخيارات التي قد تكون أقل خطورة وتسهيل الوصول إليها للمدخنين البالغين من غير الراغبين بالإقلاع النهائي عن التدخين أو الذين لا يستطيعون ذلك.
وفي الدراسة المشار إليها، والتي استندت إلى بيانات بريطانية، كشفت أن من يدرك الفرق في مستوى الضرر بين التدخين والبدائل، هو من يكون من بين الأشخاص الذين تزيد احتمالية إقلاعهم أو التحول نحو خيارات أكثر أماناً، لكن ولسوء الحظ، تنتشر معلومات مضللة تعيق هذا التحول، وتمنع المستهلكين من اتخاذ قرارات مبنية على المعرفة.
من جانبها، تؤكد الباحثة المشاركة في جامعة بريستول، ياسمين خوجا، أن سوء الفهم بشأن السجائر الإلكترونية يمنع كثيراً من المدخنين من التحول إليها، رغم أن الدراسات تشير إلى أنها أقل خطراً بكثير من التدخين التقليدي. وتقول خوجا: "رغم أن السجائر الإلكترونية ليست خالية من المخاطر، إلا أنها تقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتدخين."
نتائج أخرى في الدراسة أوضحت أن ما نسبته 85% من المدخنين في إنجلترا حسب إحصائيات جرت في عام 2024 يعتقدون خطاً أن التدخين الإلكتروني يساوي أو يتجاوز خطر التدخين، مقارنة بـ59% فقط قبل 10 سنوات. هذه القفزة في سوء الفهم ليست عفوية، بل تعكس فشلاً في التوعية الرسمية، وتشير إلى ضرورة إعادة التفكير في طريقة التواصل مع الجمهور.
وانطلاقا من هذا الواقع، يدعو مختصون ومستهلكون على حد سواء إلى تحوّل جذري في السياسات، من الحظر والتقييد، إلى الاعتراف بالبدائل الخالية من الدخان كوسيلة فاعلة لتقليل الأمراض والوفيات المرتبطة بالتدخين. فمع تنامي الأدلة العلمية، لم يعد من المقبول تجاهل أهمية تمكين المعرفة لاتخاذ قرارات واعية بناء على العلم.