زهران ممداني… حين يصبح صوت النقابة وجهاً للعدالة

2025-11-08 18:20:46

في زمنٍ تراجعت فيه الأصوات النقابية، وتحوّل العمل النقابي في كثير من بلداننا إلى مجرد شعاراتٍ خاوية، يظهر زهران ممداني في نيويورك ليعيد للعمال مكانتهم الطبيعية في قلب المشهد السياسي.
هذا الشاب المسلم، المهاجر، الآتي من هامش العالم، لم يكتفِ برفع الشعارات — بل نزل إلى الشارع، وأضرب عن الطعام مع سائقي سيارات الأجرة، ودافع عن حقوقهم، ورفع شعار العدالة الاجتماعية كقضية وجود لا ترف خطاب.

في خطابه قبل الانتخابات وبعدها، لم يتحدث ممداني بلغة السياسيين المألوفة، بل بلغة النقابيّ المؤمن بأن العدالة لا تُمنح، بل تُنتزع.
قالها بصراحة: “لا كرامة لمدينة ينهض فيها الأثرياء على أكتاف المتعبين”.
هو لا يرى في العمال طبقة دنيا، بل العمود الفقري للمجتمع، وصوتهم — في رأيه — يعادل كل الأصوات الأخرى لأنه صوت الحياة الكريمة.

ممداني تحدّث عن النقابة كفكرة قبل أن تكون مؤسسة:
فهي، في رؤيته، بيت للرجال والنساء، للشباب وأصحاب الإعاقة، للمهاجرين والعمال المحليين.
هي الأداة التي تمنح الناس القدرة على أن يقولوا “لا” حين يُسلب حقّهم،
وأن يقولوا “نعم” حين تُطرح مبادرة تنصفهم.

ما يميز ممداني أنه لا يخاف من أحد — لا من الحكومة، ولا من القطاع الخاص، ولا من أصحاب رؤوس الأموال الذين راكموا ثرواتهم على عرق العامل البسيط.
خطابه يذكّرنا بأن النضال النقابي ليس رفاهية، بل شرطٌ أساسي لأي مشروع عدالة حقيقية.
لقد رفع في وجه النظام الأمريكي المترسّخ شعارًا يليق بالعامل الفلسطيني والعربي أيضًا:
“إن كرامة المدينة تُقاس بكرامة عمّالها”.

ما أحوجنا في فلسطين إلى شخصٍ مثل زهران ممداني،
شخصٍ يُعيد للنقابات روحها، وللعمال صوتهم، وللعدالة معناها.
نحتاج إلى من يفهم أن العامل ليس رقمًا في ميزانية، بل قلب الوطن النابض.
إلى من يقول — كما قال ممداني — إن صوت النقابة هو صوت الكرامة الإنسانية نفسها.

إن فلسطين، بتاريخها العمالي الطويل، بحاجة إلى أن تستعيد هذا الخطاب الأخلاقي —
خطاب النقابة المقاومة، لا النقابة الرسمية؛
النقابة التي تصنع التاريخ، لا التي تُصفّق له.

وفي زهران ممداني، نجد النموذج:
رجلٌ شجاعٌ لا يخاف من السلطة ولا من رأس المال،
بل يخاف فقط أن يسكت حين يجب أن يتكلم.