مركز "شمس": الأطفال الفلسطينيون في مواجهة الحرب والاعتقال: مسؤولية دولية للمحاسبة والحماية

2025-11-20 16:23:49

قال مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" أن اليوم العالمي للطفل في فلسطين يأتي محمولاً على أكتاف طفولة منتهَكة، وواقع استثنائي تتقاطع فيه التهديدات والخوف اليومي مع غياب أبسط الحقوق التي التزمت بها الإنسانية جمعاء. ففي الوقت الذي يفترض فيه أن تصان براءة الأطفال كقيمة عليا، يعيش أطفال فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة تحت وطأة احتلال عسكري يحرمهم من الحياة الآمنة والكرامة الإنسانية، ويعرضهم لاعتداءات ممنهجة تمس حقهم في البقاء والنماء والتعليم والحماية من العنف. وبينما يحتفي العالم بحقوق الطفل، يكتب على الأطفال الفلسطينيين مواجهة القصف والاعتقال والملاحقة والحبس المنزلي، وحرمانهم من الوصول إلى مدارسهم ومستشفياتهم بفعل الحواجز والقيود والإغلاقات، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان. وفي ظل هذا المشهد القاتم ومنظومة القمع التي تحاصر أحلامهم وتستهدف حياتهم.

 

وقال مركز "شمس" أن العالم شهد خلال العامين الماضيين حجماً غير مسبوق من الاستهداف الممنهج لأطفال قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، حيث قُتل آلاف الأطفال تحت القصف، ودُمرت منازلهم فوق رؤوسهم، وفقد كثير منهم أسرهم بالكامل، بينما حرم عشرات الآلاف من الرعاية الصحية والغذاء والدواء والمياه. حيث أن هذه الجرائم تشكل انتهاكات صارخة لاتفاقية حقوق الطفل، ولا سيما المادة (6) المتعلقة بالحق في الحياة والبقاء والنماء، والمادة (38) التي تلزم الدول الأطراف باحترام قواعد القانون الإنساني في أوقات النزاع المسلح، والمادة (39) المتعلقة بضرورة حماية الأطفال من الآثار النفسية والاجتماعية للنزاعات المسلحة. ويرى المركز أن استمرار استهداف المدارس والملاجئ والمستشفيات التي تؤوي الأطفال يرقى إلى جرائم حرب تستوجب المساءلة الدولية .

 

وأوضح مركز "شمس" أن جرائم الاحتلال امتدت للضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، حيث تعرض الأطفال الفلسطينيون لانتهاكات يومية من جيش الاحتلال والمستوطنين على حدٍ سواء. فقد تصاعدت في الشهور الماضية حملات الاعتقال التعسفي بحق الأطفال، بما في ذلك اقتحام المنازل ليلاً، وترويع العائلات، وممارسات التفتيش المهينة، والاعتداءات الجسدية أثناء النقل والتحقيق. وأكد مركز شمس أن هذه الإجراءات تشكل خرقاً واضحاً للمادة (37) من اتفاقية حقوق الطفل، التي تمنع تعريض الأطفال للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما ترفض احتجاز الأطفال إلا كإجراء أخير ولأقصر مدة ممكنة. كما وشدد على أن التحقيق مع الأطفال دون حضور محامٍ أو أحد الوالدين، والضغط عليهم لانتزاع اعترافات، يشكل ممارسة غير قانونية وينتهك كل المعايير الدولية للعدالة الخاصة بالأحداث.

 

وقال مركز "شمس" أن أطفال القدس المحتلة ليسوا بعيدين عن انتهاكات الاحتلال لحقوقهم، والتي تشمل الاعتقال المتكرر، وفرض الغرامات الباهظة على الأهالي، والحبس المنزلي الذي بات وسيلة عقابية ممنهجة تستخدم لعزل الأطفال عن مجتمعهم ومدرستهم ومنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية. وشدد مركز "شمس" على أن الحبس المنزلي يشكل شكلاً من أشكال العقوبة دون محاكمة عادلة، ويحرم الأطفال من حقهم في التعليم واللعب والتطور النفسي والاجتماعي، ويسقط مسؤولية الاحتلال القانونية في توفير نظام عدالة يراعي معايير حماية القاصرين. كما طالب المركز بالوقف الفوري لاستخدام هذه الأدوات العقابية التي تترك آثاراً نفسية عميقة على الأطفال وأسرهم.

 

كما وأدان مركز "شمس" الاعتداءات المتكررة التي تستهدف المدارس ورياض الأطفال، سواء عبر إطلاق النار المباشر، أو اقتحام ساحات المدارس، أو الاعتداء على الطلبة والمعلمين، أو عرقلة وصول الأطفال إلى مدارسهم عبر الحواجز والبوابات العسكرية والحواجز العسكرية. فمئات الأطفال في القدس ومحيطها يُجبرون يومياً على سلوك طرق طويلة وخطيرة للوصول إلى مدارسهم، بينما يتعرض البعض للتوقيف والاستجواب خلال الطريق، ما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقهم في التعليم كما تنص عليه المادة (28) من اتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأكد مركز "شمس" أن حرمان الأطفال من الوصول الآمن إلى التعليم هو إجراء عقابي يُستخدم لإضعاف النسيج الاجتماعي الفلسطيني وضرب مستقبل الجيل الناشئ.

وقال مركز "شمس" أن خطورة الانتهاكات تزداد مع تصاعد اعتداءات المستوطنين على الأطفال في مختلف مناطق الضفة الغربية، خاصة في القرى القريبة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية. فقد وثق المركز وشركاؤه حالات عديدة تعرض فيها الأطفال للضرب والطرد من أراضيهم الزراعية، ورشق الحجارة، وملاحقة الطلبة قرب المدارس، إلى جانب الاعتداء على ممتلكات المدارس والحقول التي يلعب فيها الأطفال. ويؤكد مركز شمس أن هذه الاعتداءات تتم في معظم الأحيان تحت حماية جنود الاحتلال، دون اتخاذ أي إجراءات لردع المعتدين، في انتهاك صارخ لواجب القوة القائمة بالاحتلال في حماية السكان المدنيين وفق اتفاقية جنيف الرابعة.

 

كما وأشار مركز "شمس" إلى القيود المفروضة على التنقل داخل الضفة الغربية، التي تحرم آلاف الأطفال من حقهم في الحركة والوصول إلى مستشفياتهم ومدارسهم وأماكن اللعب، حيث تفرض الحواجز المقامة بين المدن والقرى، والإغلاقات المتكررة، وعمليات التفتيش والإيقاف، بيئة خانقة تُهدر طفولة جيل كامل. ويشدد مركز شمس على أن حرية التنقل ليست رفاهية بل حق أساسي للأطفال، وأن حرمانهم من الوصول إلى أماكن العلاج والتعليم والتواصل الاجتماعي يتعارض مع كل المعايير الإنسانية والقانونية.

 

ودعا مركز "شمس" المجتمع الدولي، وهيئات الأمم المتحدة، والمقررين الخاصين، والمؤسسات الحقوقية الدولية، إلى التحرك العاجل لوضع حدّ لهذه الانتهاكات الخطيرة، ويطالب بتفعيل أدوات المساءلة الدولية، بما يشمل دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق بجرائم الحرب المرتكبة بحق الأطفال الفلسطينيين. كما يشدد على ضرورة استخدام الآليات الدبلوماسية والحقوقية لإجبار سلطات الاحتلال على احترام التزاماتها الدولية تجاه الأطفال، ووقف جميع أشكال الاستهداف المباشر وغير المباشر بحقهم، وضمان حمايتهم في جميع الظروف.

وأكد مركز "شمس" أن حماية الأطفال الفلسطينيين ليست مسؤولية محلية فحسب، بل هي التزام دولي قانوني وأخلاقي يقع على عاتق منظومة حقوق الإنسان العالمية، خاصة في ظل توافر الأدلة والشهادات والتوثيقات التي تُثبت حجم الانتهاكات ونسقها المنهجي. كما يطالب المركز الجهات الرسمية الفلسطينية بتعزيز منظومة الحماية الوطنية للأطفال، وتطوير سياسات فاعلة للحد من آثار الانتهاكات عليهم، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الضحايا وأسرهم، إضافة إلى دعم برامج التوعية القانونية والمدرسية حول حقوق الطفل.

 

وطالب مركز "شمس" بوقف فوري وغير مشروط لكل أشكال الاستهداف العسكري للأطفال في قطاع غزة، واعتبار قتلهم وتدمير البيئات التي يعيشون فيها جرائم حرب تستوجب المساءلة المباشرة أمام المحكمة الجنائية الدولية، كما يدعو إلى الإفراج الفوري عن جميع الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال ووقف سياسة الاعتقال التعسفي والتحقيق مع القاصرين دون حضور الأهل أو المحامين، وإنهاء ممارسات التخويف وانتزاع الاعترافات بالقوة. ويشدد المركز على ضرورة وقف جميع أشكال الحبس المنزلي المفروضة على الأطفال المقدسيين باعتبارها عقوبة جماعية تُمارس خارج أي إطار عدالة، ويؤكد حق الأطفال الفلسطينيين في التعليم الآمن من خلال حماية المدارس من الاقتحامات وإطلاق النار ووقف اعتداءات المستوطنين وضمان وصول آمن للطلبة بعيدًا عن الحواجز والقيود. كما يدعو المركز المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عملية لضمان حرية تنقل الأطفال داخل الأراضي المحتلة، وإزالة الحواجز العسكرية التي تقطع أوصال المدن والقرى، ويطالب بفتح تحقيقات دولية مستقلة حول الانتهاكات الممنهجة بحق الأطفال، بما في ذلك القتل والتعذيب والاعتقال والحبس المنزلي، وتقديم المسؤولين عنها للعدالة. وبضرورة توفير حماية دولية عاجلة للأطفال في المناطق الأكثر عرضة للعنف، ولا سيما المحاذية للمستوطنات، عبر آليات مراقبة دولية فعّالة، ودعا الأمم المتحدة والمقرر الخاص إلى إدراج الانتهاكات بحق الأطفال الفلسطينيين في تقارير دورية مُلزمة تراعي تنفيذ القانون الدولي الإنساني واتفاقية حقوق الطفل. وإلى ضرورة الضغط على الاحتلال لوقف سياسة العقاب الجماعي التي تطال الأطفال، مثل هدم المنازل والإغلاقات التي تقيّد حياتهم اليومية، كما وطالب بتوفير برامج دعم نفسي واجتماعي وتأهيل للأطفال المتضررين من العنف والاعتقال والقصف، وتطوير خطط وطنية شاملة لحمايتهم وتعزيز صمودهم. ودعا الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الطفل إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية والضغط السياسي والدبلوماسي لوقف الجرائم المرتكبة بحق الأطفال الفلسطينيين.