بلدية رام الله.. نموذج الإدارة المحلية

2025-11-23 18:01:19

هذه رسالة تقدير إلى بلدية رام الله؛ إلى كل عامل/ة كل موظف/ة وإلى الطاقم المهني والإداري، وإلى أعضاء المجلس البلدي الغيورين على مصلحة المدينة والى مدير البلدية من رسخ أساسات هذه الثقافة العادلة والحالمة، وإلى رئيس البلدية الذي يمثل نموذجاً قيادياً نشهد أثره من خلال الإنجازات التي تعتبر نادرة في الإدارة المحلية الفلسطينية، ولهذا يستحق كل من ينتمي لهذه المؤسسة أن نوجه له تحية تقدير وشكر، ليس بالسر، وليس عبر منشور عادي، ولكن من الفضاء العام ومن جريدة القدس لأسباب التوثيق والنشر الذي تستحقه هذه المؤسسة.  

ما يميّز بلدية رام الله ليس فقط حجم الإنجازات، بل طريقة إنتاجها؛ العمل الذي يتحول إلى ثقافة، والانضباط الذي يتحول إلى هوية. لم تعد البلدية مجرّد مؤسسة تُقدّم خدمات يومية، بل أصبحت منظومة متكاملة تقوم على التخطيط، والمأسسة، وقياس الأداء. فالمدينة تُدار وفق رؤية واضحة، وخطط قابلة للقياس، ومؤشرات دقيقة تتابع التنفيذ، وتفتح المجال لتصويب الأخطاء والتطوير. هذه التفاصيل الصغيرة التي قد لا يلاحظها الكثيرون هي ما يصنع الفرق بين إدارة تحافظ على الحد الأدنى، وإدارة تصنع التغيير، إدارة طموحة وحالمة تجسد مثالاً للمدينة المستدامة الخضراء والذكية وما تستحقه فلسطين.

رام الله مدينة يشعر مواطنوها بأنهم في صلب العمل البلدي، لا على هامشه. احترام المواطن، الاستماع لاحتياجاته، التفاعل مع ملاحظاته وشكاواه، التعامل معه كشريك في القرار لا كمتلقٍ صامت- مشاريع البلدية تحاكي الواقع والعصرنة، تجمع ما بين الأصالة والحداثة، وأهم من ذلك أنها للاستخدام العام وليس للعلاقات العامة. كل ذلك يعكس روحًا جديدة تقوم على الشفافية والثقة المتبادلة وخدمة الجمهور التي ترعى الصحة النفسية للمواطن، ولا تكتفي بالجباية بطرق تكنولوجية. ففتح المجال أمام الجمهور، وخلق قنوات حوار دائمة، وتبنّي مبدأ التغذية الراجعة، أسهم في بناء علاقة صحية تُسهم في تحسين الخدمات وصياغة سياسات أكثر واقعية وقربًا من نبض الناس.

هذا التفوق المؤسسي يظهر في تفاصيل تكاد تكون بديهية: شوارع نظيفة ومنظمة، مشاريع لا تقتصر على الشباب لا تقتصر على الشعارات من الريادة والاستدامة، ولكنها تحاكي الحاجات: من منتدى الخبرات إلى المدينة الرياضية والفضاءات الطبيعية إلى الحاضنات التكنولوجية، والمشاريع الثقافية والمسابقات المدرسية، فعاليات تُقام بانتظام، مشاريع تُنفذ ضمن جداول زمنية، وإدارة حازمة تحرص على الجودة في كل خطوة. ورغم أن بعض البلديات تواجه صعوبات في تنظيم العمل أو تقديم خدمات أساسية، تستمر بلدية رام الله مع مراعاة الظروف الوطنية في الإتقان والإنجاز بثقة وهدوء، مستندة إلى إرث مؤسسي تراكم عبر السنوات.

لكنّ المدينة، مهما تقدّمت، لا تخلو من تحديات مثل الأزمة المرورية وهي مشكلة لا يمكن اختزالها في شوارع مزدحمة أو عجز عن استيعاب السيارات فحسب. إنّها قضية وطنية ترتبط بثقافة امتلاك أكثر من سيارة في كل بيت، وبغياب بدائل فعّالة تُشجع الناس على ترك مركباتهم الخاصة. ومن هنا تبرز الحاجة إلى تفكير خلاق يتجاوز الحلول التقليدية، وتعاون عبر قطاعي يجمع بين بلدية رام الله ووزارة الحكم المحلي ووزارة النقل والمواصلات والبلديات المجاورة وصولًا إلى القطاع الخاص. فكرة مشروع "ترام" يربط بيتونيا بسردا مرورًا بقلب رام الله، وآخر من الطيرة إلى الحسبة، هذا ليس ترفًا عمرانيًا، بل رؤية واقعية لمدينة تطمح إلى حلول مستدامة، وتبحث عن بدائل حديثة تُعيد تعريف مفهوم النقل العام، وتخفف الضغط، وتنظيم الحركة بما يليق بمدينة ريادية وانسانية.

من المهم أن تتوقف وزارة الحكم المحلي أمام هذا النموذج، وأن تُقدمه للبلديات الأخرى في الوطن. فبلدية رام الله مثال حي على أن النجاح لا يصنعه فرد، ولا يرتبط باسم رئيس بلدية، بل هو نتيجة ثقافة مؤسسية تضع النظام فوق الارتجال، وتؤمن أن الخدمة العامة مسؤولية جماعية تتجاوز الأشخاص والمناصب. تجسد بلدية رام الله حقيقة ان قائد المؤسسة هو مواطن بالدرجة الأولى.

رام الله وكل مدينة فلسطينية تستحق هذا الإخلاص الذي يلمسه الناس في حياتهم اليومية. تستحق أن تُدار بالعقل، بالقلب، وبروح الفريق الذي يدرك أن المدينة ليست مباني وشوارع فقط، بل مكان يعيش فيه الناس ويتشكل فيه المستقبل. مع تزايد الحديث عن عقد الانتخابات المحلية، فلنتوقف جميعاً عند مثال بلدية رام الله، ولنجعل من هذه المؤسسة نموذجاً للوطن، هذه رسالة تقدير، ليس إطراء ولا مديحاً، ولكن كلمة حق لكل من يمثل بلدية رام الله، شكرًا لأنكم تجعلون المدينة مكانًا أجمل، وأقرب للناس، وأكثر قدرة على أن تكون وطنًا صغيرًا يُشبه أحلام أبنائنا وطموحاتنا الوطنية.