إمكانات استثمار قرار مجلس الأمن 2803 في تعزيز الحوكمة الفلسطينية* وإعادة بناء النظام السياسي وصولاً لتجسيد الدولة

2025-11-24 12:59:44

1. مقدمة

صدر قرار مجلس الأمن رقم 2803 في سياق دولي معقد يتسم بتبدّل أولويات القوى الكبرى، وارتفاع منسوب الاهتمام الدولي بإرساء ترتيبات مستقرة في الأراضي الفلسطينية بعد الحرب. ورغم أن القرار جاء بصيغة توافقية تتجنب التحديدات السياسية الحادة، إلا أنّه يشكّل إطاراً دولياً يمكن استثماره لتعزيز موقع السلطة الوطنية الفلسطينية، وإعادة ترتيب بنية النظام السياسي الفلسطيني، وتهيئة بيئة تُمكّن من إعادة إعمار غزة وتوحيد الحوكمة بين الضفة والقطاع.

تهدف هذه الورقة إلى تحليل سبل استثمار السلطة الوطنية الفلسطينية للقرار بما يخدم المصلحة الوطنية، وتحديد التزامات الأطراف الفلسطينية، ورصد آليات تحييد السلوك الإسرائيلي الذي يسعى عادة لإفراغ القرارات الدولية من مضمونها. كما تتناول الورقة موقع برنامج الإصلاح الحكومي الفلسطيني كشرط لازم لاستعادة الثقة الداخلية والدولية.

2. الإطار التحليلي للقرار 2803

2.1. طبيعة القرار ووظيفته الدولية

يُعد القرار 2803 من قرارات “الإدارة الانتقالية للأزمات” Transitional Crisis Management، التي لا تحسم قضايا الوضع النهائي، لكنها تخلق:

قواعد سلوك للطرفين.
- بنية تدخل دولي في الحوكمة وإعادة الإعمار.
- متطلبات أمنية وسياسية على الأطراف المحلية.

القرار يربط بين التهدئة الميدانية و الحوكمة الموحدة، ويشير ضمنياً إلى دور مركزي للسلطة الوطنية الفلسطينية بوصفها الجهة القادرة على الانخراط في ترتيبات الأمن وإدارة الخدمات المدنية.

2.2. أهم بنود القرار ذات الصلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية

يمكن تلخيص البنود الأكثر أهمية في أربعة اتجاهات:

- مركزية دور السلطة الوطنية الفلسطينية في إدارة المرحلة الانتقالية.
- اشتراط إعادة الإعمار بوجود سلطة حكومية موحدة ومسؤولة.
- الإشارة إلى ترتيبات DDR (نزع السلاح، التسريح، إعادة الدمج) كجزء من الأمن الانتقالي.
- التحذير من الأعمال الأحادية التي تعيق وحدة الأراضي الفلسطينية.

3. دور السلطة الوطنية الفلسطينية: فرص ومسؤوليات

3.1. تثبيت الشرعية السياسية والإدارية

يمنح القرار السلطة موقعاً دبلوماسياً متقدماً يمكن استخدامه في:

- استعادة مكانتها كفاعل مركزي في الحوكمة.
- إنهاء حالة التهميش التي روج لها الاحتلال.
- حشد الدعم المالي والسياسي لإعادة الإعمار.

3.2. استثمار القرار لتعزيز الإصلاح

إن برنامج الإصلاح الحكومي الفلسطيني يمثل حجر الزاوية في المرحلة المقبلة، ويتطلب ترجمة فورية عبر:

- تحسين نظم الرقابة والمساءلة.
- تحديث الإدارة العامة وتبسيط الإجراءات.
- تعزيز استقلال القضاء.
- إعادة هيكلة قطاع الأمن وفق معايير المهنية والشفافية.
- ضبط المالية العامة وزيادة الإيرادات المحلية.

يُنظر إلى هذا البرنامج دولياً باعتباره المعيار الحقيقي لجدارة السلطة، وبالتالي يصبح تطبيقه شرطاً جوهرياً للاستفادة من القرار.

3.3. بناء شراكات دولية جديدة

يوفر القرار فرصة لتفعيل:

- الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في الحوكمة وإعادة بناء المؤسسات.
- التعاون مع الأمم المتحدة في ترتيبات الأمن الانتقالي.
آليات الدعم العربي لإعادة الإعمار.
- خلق تحالف دبلوماسي لدفع ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

4. دور حماس: متطلبات الاندماج الوطني ومسؤولية تغليب المصلحة العامة

لا يمكن تنفيذ أي ترتيبات انتقالية دون دور لحماس، لكن هذا الدور يجب أن يكون:

- سياسياً غير عسكري.
- تحت مظلة النظام السياسي الفلسطيني الشرعي.

4.1. التزامات ضرورية لنجاح المرحلة

- القبول بتوحيد نظام الحكم وإنهاء الانقسام المؤسسي.
الانخراط في ترتيبات DDR، بضمانات وطنية وإقليمية ودولية.
- تحويل القوة العسكرية إلى قوة سياسية-مجتمعية داخل النظام الوطني.
- وقف منطق الحزبية الضيقة بما يتيح حماية مصالح أهل غزة ومجمل الشعب الفلسطيني وفتح أبواب الإعمار.

4.2. المكاسب لحماس إذا اختارت الاندماج

- حماية غزة من جولات الحرب المتكررة.
- شرعنة دورها السياسي ضمن منظمة التحرير.
- دعم عربي ودولي مشروط بالوحدة.
- الحفاظ على شبكة الخدمات والمجتمع الأهلي.

5. السلوك الإسرائيلي: أدوات التوظيف وسبل التحصّن

تسعى إسرائيل عادة لتقويض أي قرار دولي عبر:

- تصوير السلطة كعاجزة لإضعاف شرعيتها.
- الربط بين الأمن وإجراءات أحادية (الاستيطان، السيطرة على المعابر، احتجاز الأموال الفلسطينية وغير ذلك).
- التذرع بوجود سلاح في غزة لتعطيل إعادة الإعمار.

5.1. أساليب تحييد السلوك الإسرائيلي

- توحيد النظام السياسي الفلسطيني لتجريد إسرائيل من ذريعة “لا يوجد شريك”.
-التوثيق المنهجي للانتهاكات ورفعها لمجلس الأمن وللجنائية الدولية.
- خلق تحالف دولي دافع للقرار عبر الدول الراعية والمانحة.
- التفوق في الأداء الإداري الفلسطيني لتثبيت الحوكمة  كمرجعية ثابتة  لا يمكن تجاوزها.

6. تحليل عام: القرار كإطار لإعادة بناء النظام السياسي

يتيح القرار فرصة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وفق ثلاثة محاور:

6.1. محور الحوكمة

توحيد المؤسسات، تحديث الإدارة، وتطبيق الإصلاح الحكومي.

6.2. محور الأمن الانتقالي

دمج وترتيب القوى الأمنية ضمن معايير مهنية، وإنجاز ترتيبات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج DDR  للمقاتلين في المجتمع ضمن إجراءات نزيهة وآمنة وعادلة والانتقال من نهج الصراع الداخلي إلى نهج الأمن المجتمعي.

6.3. محور الشرعية السياسية

تنظيم انتخابات عامة بعد توحيد المؤسسات، وإعادة تفعيل منظمة التحرير، وتعزيز الشراكات الدولية.

7. التوصيات

أولاً: للسلطة الوطنية الفلسطينية

- إطلاق خطة تنفيذية للإصلاح الحكومي خلال 12 شهراً.
- تشكيل خلية تنسيق دولية مع الأمم المتحدة والدول المانحة.
- إعداد رؤية فلسطينية موحدة لإعادة الإعمار والانتقال الأمني.
- تعزيز الشفافية والإفصاح المالي.
- تطوير استراتيجية تواصل دولي منسقة مع العواصم المؤثرة.

ثانياً: لحركة حماس

- القبول بمبدأ وحدة النظام السياسي.
- الانخراط في ترتيبات DDR بضمانات وطنية واقليمية ودولية.
- وقف الأعمال العسكرية التي تمنح إسرائيل ذرائع لتعطيل القرار.
- الانفتاح على منظمة التحرير باعتبارها البيت السياسي الجامع.

ثالثاً: للمجتمع الدولي

- الالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن بناءً على الحوكمة الفلسطينية وليس على الشروط السياسية التعجيزية.
- دعم ترتيبات الأمن الانتقالي بمهنية واستقلالية.
- منع إسرائيل من اتخاذ إجراءات أحادية تُقوّض القرار.

8. خاتمة

يمثل قرار مجلس الأمن 2803 لحظة سياسية نادرة يمكن أن تشكّل منعطفاً إيجابياً نحو استعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني وبناء حوكمة فعالة في الضفة وغزة. غير أن استثمار القرار يتطلب إرادة فلسطينية موحدة، وقدرة السلطة على تنفيذ برنامج إصلاح حكومي جدّي يعيد ثقة المجتمع الفلسطيني والمجتمع الدولي معاً. كما يتطلب من حركة حماس الارتقاء إلى مستوى المصلحة الوطنية العليا، ومن المجتمع الدولي التزاماً حقيقياً بمنع إسرائيل من تعطيل مسار الاستقرار.

القرار ليس نهاية الطريق، بل فرصة يمكن أن تفتح الباب أمام مرحلة أكثر توازناً وفعالية في النضال الوطني لإنفاذ حق تقرير المصير وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية إذا أحسن الفلسطينيون التعامل معها.

______________

* الحوكمة الفلسطينية تعني فيما تعنيه "مجموع القواعد والإجراءات والمؤسسات التي تُنظِّم كيفية إدارة الشأن العام الفلسطيني، وكيف تتخذ السلطة (بمستوياتها المختلفة) القرارات وتنفذها وتخضع للمساءلة.

بمعنى آخر: هي طريقة إدارة الدولة والمجتمع بشكل يجعل المؤسسات تعمل بفعالية ونزاهة وشفافية، وفي خدمة المواطن".