الأقصى.. قضية مواجهة جماعية

2025-11-24 21:24:19

مشروع القانون الذي طرح في الكونغرس الأميركي، بدعم من لوبيات صهيونية، والذي ينص على تأكيد السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ويمنح اليهود "حقاً غير قابل للتصرف" بالوصول إليه والصلاة فيه، هو محاولة أخرى لتغيير الوضع القائم فيه، ويجب التصدّي لها فلسطينياً وأردنياً وعربياً وإسلامياً بصورة فورية وعاجلة.

على الصعيد الفلسطيني، على السلطة أن تكثف نشاطها الدبلوماسي، خاصة عبر بعثتها في الأمم المتحدة، للتأكيد على أنّ القدس أرض عربية، وأنها عاصمة الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، وبالتالي أنّ أيّ اعتراف بالسيادة الإسرائيلية يخالف القانون الدولي كما عليها استخدام قرارات الشرعية الدولية ومحكمة العدل الدولية كمرجعية قانونية للطعن بأيّ محاولة لتغيير الوضع القانوني للمسجد الأقصى.

ومن ناحية المجتمع المدني، على السلطة ومؤسساتها المعنية تفعيل تحالفاتها مع المنظمات الحقوقية والدينية، وبناء تحالفات جديدة مع أخرى، لرفض المساس بحرية العبادة الإسلامية المنصوص عليها بالقانون الدولي، كما أنّ هناك دور للإعلام الفلسطيني، بإبراز خطورة المشروع على الوضع القائم في الأقصى، وتوحيد الخطاب الفلسطيني داخلياً وخارجياً.

وبما أنّ هذا المشروع يهدّد السيادة على المقدسات ويمس بالوصاية الهاشمية عليها، إسلامية كانت ومسيحية، المطلوب أن يصعّد الأردن خطابه المتعلق بتأكيد الوصاية التاريخية على المقدسات، وبأنه يمتلك شرعية دولية ودينية بإدارتها، وألّا يتوانى بالتواصل المباشر مع الإدارة الأمريكية والكونغرس، لتوضيح أنّ المشروع يقوّض الدور الأردني ويهدّد الاستقرار الإقليمي، والاعتراض عليه، وعلى الأردن أيضاً أن يستخدم المنابر الدولية للتأكيد على أنّ الوصاية الهاشمية جزء من التوازن الدولي في القدس.

وعلى الجانبين، الفلسطيني والأردني، تشكيل جبهة أردنية- فلسطينية مشتركة فاعلة للدفاع عن الوضع القائم في القدس.

وبما أنّ الأقصى يهم العرب والمسلمين، لا بد من موقف جمعي في جامعة الدول العربية، وذلك بعقد جلسة طارئة، يكون من ضمن مخرجاتها إصدار قرارات ترفض مشروع القانون، وتعتبره انتهاكاً للسيادة العربية والإسلامية على القدس، وعلى الدول العربية، خاصة تلك الوازنة اقتصادياً، استخدام علاقاتها مع الولايات المتحدة للضغط على الكونغرس.

ولا بد أيضاً من توحيد الخطاب العربي الإعلامي حول الموضوع، والتركيز على أنّ المشروع يهدّد الأمن والسلم في المنطقة، وبأنه يتعدّى كونه موضوعاً دينياً.

كما لا بد للدول العربية مجتمعة، ممثلة بجامعة الدول العربية، أن تقوم بدعم الموقفين الفلسطيني والأردني، باعتبارهما الطرفين المتأثرين مباشرة من هذا المشروع، مع توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي لهما.

وعلى الدول الإسلامية أن تقوم بدور التعبئة الدينية والإعلامية، من خلال المؤسسات الإسلامية الكبرى، مثل (المجمعات الفقهية، الأزهر، رابطة العالم الإسلامي)، والتأكيد على أنّ الأقصى قضية جامعة للمسلمين في شتّى بقاع الأرض.

كما لا بد من تحريك الشارع في الدول الإسلامية بالقيام بالضغط الشعبي من خلال حملات تضامن واسعة لرفض أيّ تغيير في هوية المسجد الأقصى.

على الصعيد الرسمي، يجب التحرك عبر منظمة التعاون الإسلامي، باعتبارها المظلة الرسمية التي تمثل المسلمين في المحافل الدولية. كما أنه لا بد للعرب والمسلمين الانفتاح على الآخرين، وذلك ببناء تحالفات مع المسيحيين واليهود الرافضين للمشروع، لإظهار أنّ القضية ليست ضد ديانة بعينها، بل ضد فرض سيادة سياسية على مكان مقدس متعدد الأبعاد.

على الصعيد الأميركي الداخلي، يجب تفعيل دور الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة للضغط المباشر على أعضاء الكونغرس عبر الحملات الشعبية واللقاءات الميدانية. كما ينبغي الاستفادة من جماعات الضغط الحقوقية والدينية الأميركية الرافضة للمساس بحرية العبادة، لتوسيع دائرة الاعتراض على المشروع داخل النظام السياسي الأميركي.

كما ينبغي استكشاف الشق القانوني داخل الولايات المتحدة، عبر تحريك دعاوى دستورية أو الاستعانة بخبراء القانون الأميركي للطعن بمشروعية أيّ تشريع يتعارض مع مبادئ الحرية الدينية وحقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور الأميركي.

كما يجب توظيف الأدوات الإعلامية الحديثة، من خلال الحملات الرقمية العالمية ومنصات التواصل الاجتماعي، لتوسيع دائرة الرفض والتأثير على الرأي العام الأميركي والدولي والعربي والأردني والفلسطيني بصورة مباشرة وسريعة.

وفي الختام، فإنّ مواجهة مشروع القانون لا يمكن أن تكون مجتزأة أو متفرقة، بل يجب أن تقوم على تنسيق مشترك ومنظّم بين الفلسطينيين والأردنيين والعرب والمسلمين، إضافة إلى الداخل الأميركي، بحيث تتكامل الأدوات الدبلوماسية والقانونية والإعلامية والشعبية في إطار واحد. ولتحقيق ذلك، من الضروري إنشاء لجنة متابعة دائمة تضم ممثلين عن هذه الدوائر، تكون مهمتها وضع خطة عمل متدرجة زمنياً، ومتابعة التنفيذ بشكل مستمر، لضمان أن تتحول المواجهة إلى مواجهة وجهد جماعي مؤسسي قادر على التصدي الفعّال لأي محاولة لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى.