حماس والتحوّل إلى حزب

2025-11-26 10:58:52

نشرت صحيفة الشرق الأوسط نقلاً عن مصادر من حركة حماس، رفضت الإفصاح عن اسمها، أنه توجد دعوةٌ للتحوّل إلى حزبٍ سياسيٍ قادرٍ على المشاركة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحياتي بشكلٍ عام.

أصحاب المقترح الجديد ومن خلال الامتناع عن ذكر أسمائهم، يتعاملون مع مقترحهم بحذرٍ شديد، وذلك خشية تعرضهم لانتقادٍ من بعض كوادر وقيادات الحركة، لمجرد التخلي عن اسمها الدارج، وهذا الحذر اتحد عليه كل من كان يطرح فكرة التحول إلى حزب، من مفكرين ومجتهدين من حركة فتح، ومن فصائل أخرى، ذلك بفعل ارتباط مفردة الحركة أو الجبهة بمرحلة الكفاح المسلح والشرعية الوحيدة لها، حتى الفصائل التي كانت تتبع فكرياً وتنظيمياً لأحزابٍ عربيةٍ، كانت تخفي انتماءها الحزبي الأصلي وراء مصطلحاتٍ ذات طابعٍ قتاليٍ فلسطيني، مثل طلائع حرب التحرير الشعبية قوات الصاعقة، المنبثقة عن البعث السوري، وجبهة التحرير العربية المنبثقة عن البعث العراقي، وفي تلك الحقبة كان الحزبان الوحيدان اللذان يمتلكان خاصية الحزب العقائدي فكريا وتنظيميا هما الجزب الشيوعي وحزب التحرير الإسلامي.

الحزب الشيوعي، ومن أجل قبوله عضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة، اضطر لتشكيل منظمة مسلحة أسمها قوات الأنصار، أمّا حزب التحرير فكان ضد الفكرة وأصحابها من أساسها.

التردد بل والامتناع طويل الأمد عن التحول إلى حزب، أو حتى رفض الفكرة من أساسها، له خلفياتٌ ودوافع متعددة أهمها انعدام الخبرة في بناء أحزابٍ تقليدية، إذ كانت الأحزاب زمن ما قبل مرحلة منظمة التحرير، هي جميعاً تابعةً لأحزاب عربيةٍ أو أجنبية، مثل الإخوان المسلمين الذين تجنبوا تسمية الحزب باستبداله إلى جماعة، أمّا الحزب الإسلامي الوحيد "التحرير" الذي نشأ في فلسطين فقد كان كما أسلفنا يرفض فكرة الكفاح المسلح من أساسها.

هذه خلفيةٌ مختصرةٌ توضّح أسباب الحذر من تأسيس أحزابٍ أو التحول إلى أحزاب في الساحة الفلسطينية.

دخل الإخوان المسلمون متأخرين إلى دائرة المقاومة المسلحة عبر حركة حماس التي اجتهد مؤسسوها ورمزهم الشيخ أحمد ياسين، بأن فاعليتهم ستكون أقوى وأوسع تأثيراً إذا ما التحقوا بركب المقاومة، التي احتلت مركز الريادة فيها حركة فتح، التي كان العديد من مؤسسيها ينتمون إلى جماعة الإخوان، إلا أنهم حرروا أنفسهم من التزامهم التنظيمي وحتى السياسي بالجماعة، مؤسسين لانتماءٍ تنظيميٍ وسياسي، اختاروا له عنوان الحركة، وفتحوا الأبواب لكل مجتهدٍ فلسطينيٍ او عربي، للانضمام لحركتهم، فصرت ترى في فتح الشيوعي والبعثي والوطني والإخواني، وكان الشرط الوحيد لعضوية الحركة الوليدة هو التخلي عن الانتماء التنظيمي القديم لمصلحة الانتماء الجديد، مع اعتناق فكرة الكفاح المسلح كوسيلةٍ للتحرير، ومع الزمن الطويل الذي انقضى منذ تأسيس فتح والانبثاق المتأخر للمقاومة الإسلامية بعدها ، دخلت الساحة الفلسطينية مرحلةً جديدة، وبدل أن تكون الحركتان الوطنية والإسلامية نواةً لاستقطابٍ وطنيٍ شامل، زُرعت بذور انقسامٍ وصراعٍ داخلي أنتج ما نحن فيه الآن.

فكرة تحوّل حركة حماس إلى حزب، إن لم تكن نضجت فمن المفترض أن تكون في سبيلها إلى ذلك، بعد أن تحمّلت حركة حماس مسؤولية مواصلة الكفاح المسلح، وبعد أن ذهبت منظمة التحرير بقيادة فتح إلى مشروع تسويةٍ شرطه الأساسي التخلي عن الكفاح المسلح، وحين اضطرت الحركة الرائدة في هذا المجال إلى العودة إليه من خلال الانتفاضة الثانية، سقطت التسوية ولم ينجح بديلها.

فكرة التحوّل إلى حزبٍ سياسي، ربما تكون نتاجاً منطقياً أو حتى تلقائياً لما وصلت إليه حال المقاتلين والمفاوضين، بحيث أصبح مصير الطرفين قيد البحث على مستوى العالم، كما أصبح الطرفان المفاوض والمقاوم ينتظران ماذا يقرر العالم بشأنهما.

غريزة البقاء السياسي تشبه غريزة حب الحياة عند الأفراد والجماعات، وهذه الغريزة دائماً ما تحدد المسارات والمصائر، فلا قبل لفتح صاحبة النفوذ الأوسع في الكيان السياسي الشرعي، منظمة التحرير وصاحبة البرنامج السلمي التفاوضي، فرض برنامجها على إسرائيل وأمريكا والعالم، وبذات القدر لا قبل لحماس التي بترت أذرعتها التحالفية في كل مكانٍ تقريباً، ليس فقط في تحقيق أهدافها التي وعدت شعبها بها، وإنما بالحفاظ على وجودها، ولأن الحاجة هي أم الاختراع فحاجة حماس للبقاء تدفعها للتفكير في بدائل، والتحوّل إلى حزبٍ سياسي ربما يكون هو البديل المتاح.