هجوم 7 أكتوبر وأد المقاومة المسلحة
قرار مجلس الأمن الخاص بغزة، القائم على الرؤية الأمريكية لوقف الحرب، وإعادة تأهيل الحياة في القطاع المدمر، وإعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني وفق إصلاحات جوهرها أمني لإرضاء إسرائيل أكثر من إزالة أسباب قلقها الذي لا يتوقف، الأمر الذي يضع الكل الفلسطيني أمام مراجعات يجب أن تكون جذرية وواعية وحكيمة وعملية تضع صوب عينيها المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وهنا أقدم قراءة أولا حول خيار "المقاومة المسلحة"، ثم في مقال آخر "المفاوضات الثنائية".
هجوم السابع من أكتوبر وأد خيار المقاومة المسلحة بشكلها السابق الذي استثمرت فيه حركة حماس وحلفاؤها كل إمكانياتهم المادية والبشرية والمغامرة بها مرة واحدة، وحمل خطاب أهداف الهجوم خطة غير واقعية ودعوات غير مستجابة ومطالب حالمة، وفي الضفة الغربية المحتلة حصرت المعالجة الأمنية والاقتصادية فكرة المقاومة المسلحة المنظمة إلى أضيق الخيارات، في المقابل اعتبرت منظمة التحرير أن هذا الخيار شرعي لكل حركة تحرر في مواجهة الاحتلال، لكنه غير فعال حاليا فيما فشلت فصائل منظمة التحرير وفي مقدمتها حركة فتح في تفعيل خيار المقاومة الشعبية السلمية رغم إلحاح الرئيس الفلسطيني محمود عباس المتكرر على ضرورة تفعيله.
حركة حماس في الضفة بعد حرب غزة، وربما قبلها أخرجت خيار الكفاح المسلح من جدول أعمالها رغم حضورها الشعبي بين الشباب كما أثبت ذلك انتخابات مجالس الطلبة في عدة جامعات، ويبدو أنها قررت الحفاظ على خيار البقاء فقط إلى حين تغير الظروف خاصة وأنها تواجهه ملاحقة أمنية إسرائيلية لا تتوقف، ومراقبة حثيثة من السلطة الفلسطينية التي تخشى من مزاحمة سياسية أو شعبية أو سلطوية في ظل الخيارات المفتوحة لدولة الاحتلال خاصة تجاه الضفة الغربية، وعمل حكومات نتنياهو المكثف على إضعاف السلطة الفلسطينية على كافة المستويات والعمل على الحد من تأثيرها في حياة أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الفلسطينية.
كما أن تحول مجموعات عسكرية صغيرة في مخيمات الضفة الغربية إلى الصدام مع السلطة الفلسطينية، شجع الأجهزة الأمنية الفلسطينية على الاستنفار والدخول في مواجهة مع هذه المجموعات الصغيرة التي لا تحظى باحتضان شعبي، واخضاعها والحد من نشاطها خاصة أنها تعمل دون أفق سياسي واقعي قابل للتحقيق.
فكرة التجييش في العمل المسلح وتحويل المقاومة من مجموعات شعبية أو فصائلية عنقودية، إلى جيش شبه نظامي له مواقع معلومة وأنظمة تشغيلية ومالية وتراتبية عسكرية حقق لدولة الاحتلال فرصة لجر الفلسطينيين إلى الحلبة العسكرية وتصوير المواجهات أمام العالم كأنها قتال بين قوات مسلحة متكافئة خاصة مع تركيز الفصائل على سلاح الصواريخ التقليدية وغير الدقيقة، ذات التأثير الإعلامي الكبير والأثر العسكري الضعيف مما وفر ذرائع لأحد أكبر جيوش المنطقة لاستهداف قطاع غزة بقوة مدمرة وغاشمة.
إذن خيار المقاومة المسلحة المُنظمة خرج من دائرة الفعل على الأقل إلى مدى غير قريب، كما أن هذا الخيار فقد الحلفاء والممولين بعد كسر حزب الله وضرب إيران وإخراج سوريا من المحور السابق.
قد تبقى هناك حالات فردية تقوم بأعمال هجومية، لا يمكن الاستثمار فيها سياسيا وتصبح عبئا على حركة المواطنين في التنقل والسفر والمصالح التجارية والزراعية بين مدن الضفة وتزيد من تغول قوات الاحتلال ووحشية المستوطنين.
كل ما سبق أحدث تغيير في رمزية الكفاح المسلح، وصورة البندقية والملثم في وعي الفلسطينيين وضميرهم الجمعي، لأن مسار الانقسام الداخلي والصدام المسلح، وجلب الحروب المدمرة دفع المجتمع الفلسطيني إلى التفكير في جدوى المقاومة المسلحة التي يبدو أن الفصائل وفي مقدمتها حركة حماس باتت مستعدة على الأقل لإعادة النظر في هذا الخيار الذي "كانت" تعتبره خيار وحيد أوحد للتصدي لمشاريع الاحتلال على طريق الحرية والاستقلال