اختلاس الفرح من أعماق القهر
في الدوحة الشقيقة، فاز الفريق الفلسطيني لكرة القدم على شقيقه القطري، في بطولة كأس العرب.
ابتهجت غزة بصمت، ولم تحتفل.
ومن يحتفل والعدوان الثلاثي يجثم على من بقوا على قيد الحياة فيها.
العدوان الثلاثي هذه المرة ليس بريطانيّاً وفرنسياً وإسرائيلياً، كما حدث في العام 1956، بل هو إسرائيل أولاً التي لا يستطيع رئيس وزرائها النوم قبل الاطمئنان على عددٍ مرتفعٍ من القتلى الفلسطينيين، ثم الطقس ثانياً الذي يمزق الخيام ويغرق مطره العاصف النيام، ثم الخذلان ثالثاً الذي تتواصل بسببه مقتلةٌ تدخل عامها الثالث، بينما العالم يعجز عن وقفها ويتباهى بخفض عدد من كانوا يقتلون كل يوم، وبالزيادة الطفيفة للمساعدات بعد أن وصلت غزة إلى قلب مجاعة.
في بلادنا يتآخى العرس مع الجنازة، ويقترن الفرح المختلس مع حزن فقد الأحبة، ويفرح الأولاد حين يتوقف القصف ولو لساعاتٍ ليتمكنوا من اللعب بين أنقاض بيوتهم المدمرة.
الخيام القليلة التي وجدت بعض كهرباء، تابعت المباراة على الشاشات، وكذلك البيوت الآيلة للسقوط، تجمّع الناس في ما أُتيح منها لمشاهدة الأبناء الذين يرتدون الحلم الفلسطيني على هيئة علم رباعي الألوان، فالمشهد سواءٌ تكلل بالفوز أو التعادل أو الهزيمة، يظل بالمرتبة الثانية بعد رؤية فلسطين بكل ما يعنيه وجود أبناءها على أرض الملعب، وحضور أهلهم على المدرجات، ومعهم أشقائهم القطريون المضيافون، تشجيعاً لفريقهم العنابي، واحتفاءً بفريق فلسطين الفدائي.
اختلست غزة ساعات فرحٍ نادرةٍ عميقةٍ وممتعة، وكذلك الضفة التي ما تزال قادرةً على مشاهدة المباراة بفعل تيّارٍ كهربائي ما زال يصل منتظماً إلى كل البيوت مع غصّةٍ في القلب، ينتجها استشهاد فتىً في مقتبل العمر اصطاده قنّاصٌ من الجيش أو المستوطنين، وإخلاء بيتٍ وطرد ساكنيه، ليحوّله الجيش إلى غرفة عمليات، ونشر آلاف الحواجز بين المدن والقرى والمخيمات، لجعل حياة الناس اليومية جحيماً لا يُطاق، ورغم ذلك فرح الناس دون أن يتمكنوا من الاحتفال، ذلك أن للتلفزيون في الضفة وظيفةً واحدة وهي التخصص في نقل المشاهد من غزة بكل ما تحمله من صور دمارٍ وقتلٍ وجوع.
الفلسطينيون الذين يتحّلقون دائماً حول أجهزة التلفزيون، امتهنوا ذرف الدموع على مشهد القتل الجماعي اليومي، مشهد الشهداء الذين بلا جنازةٍ ولا قبور، وأحياناً بلا صلاة.
فرحنا مرتين لمشاركتنا في البطولة العربية، ولفوزنا الذي لم يكن متوقعاً غير أن المحتلين يواصلون اصرارهم على محو هذه الفرحة من نفوسنا وذلك بزرع حزنٍ جديد وعميق، في روح كل فلسطيني يواصل العيش على أرض الوطن أو يتطلع إليه من المنافي القريبة والبعيدة.
شكراً مستحقاً لقطر الشقيقة على توفيرها ضيافةً أنتجت بهجةً في قلوبنا، وشكراً لفريقنا الفدائي الذي أهدانا فرحاً نستمتع به ولو إلى حين، وشكراً لجهاز الرياضة في بلادنا الذي أعدّ لهذا الفرح ما يلزم للظفر به.