مركز "شمس": حين يُستثنى الفلسطيني من الحماية: فهذا يعني انهيار النظام الدولي لحقوق الإنسان

2025-12-10 10:06:12

دعا مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"، في اليوم العالمي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلى التوقف أمام حقيقة مؤلمة يعرفها الفلسطينيون جيداً، بينما تجافي الحقيقة بعض دول العالم ذات التاريخ الاستعماري ، أن انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني مستمر منذ اللحظة الأولى التي وُقّع فيها الإعلان نفسه قبل 77 عاماً. فمنذ ولادة الوثيقة التي أرادها العالم مرجعاً أخلاقياً وإنسانياً، كان الفلسطيني يعيش نقيضها بالكامل، احتلال لأراضيه، مذابح ومجازر، تهجير قسري، مصادرة أراضٍ، قتل خارج القانون، اعتداءات على الحياة والكرامة، ومحو يومي للحقوق الأساسية التي يفترض أن تكون بديهية وغير قابلة للمساومة ، وقد تجسد ذلك في النكبة التي ما زالت فصولها مستمرة. كما وأكد المركز أن هذه المفارقة التاريخية ليست مجرد أزمة سياسية، بل جرح مفتوح في قلب النظام الدولي الذي سمح باستثناء الفلسطيني من الحماية التي وعد بها الإعلان العالمي كل البشر "دون تمييز".

وشدد مركز "شمس" على أن أهمية هذا اليوم لا تكمن في الاحتفال بالنصوص، بل في تذكير العالم بأن قيمة الإعلان العالمي تقاس بأضعف الفئات وأكثرها تعرضاً للظلم. وفي السياق الفلسطيني، يصبح هذا اليوم اختباراً لمصداقية الخطاب العالمي حول الكرامة والحقوق والعدالة. فاليوم العالمي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس مناسبة رمزية ولا ترفاً خطابياً، بل هو مساحة لمساءلة الدول والهيئات الدولية عن المسؤولية الأخلاقية والقانونية تجاه من تنتهك حقوقهم بصورة منهجية وعلى مرأى من العالم. مطالباً المركز بأن يتحول هذا اليوم إلى التزام ملموس، لا إلى بيانات عامة تنسى مع نهاية المناسبة.

وأكد مركز "شمس" أن واقع المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطيني يشكل اختباراً صارخاً لقدرة العالم على تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ يواجه هؤلاء المدافعون واحدة من أكثر البيئات قمعاً وانتهاكاً للمبادئ التي نص عليها الإعلان بوضوح، وعلى رأسها الحق في الحرية، وفي الأمن الشخصي، وفي عدم التعرض للاعتقال التعسفي، وفي حرية الرأي والتعبير، وفي العمل دون خوف. فإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، تمارس بحق المدافعين سلسلة من الانتهاكات التي تنسف جوهر العمل الحقوقي من أساسه، بدءاً بالاعتقالات التي تطال المحامين والباحثين والناشطين لمجرد أدائهم واجبهم، مروراً بالقتل المباشر في الميدان، وصولاً إلى هدم المنازل كأداة لإسكات الأصوات أو لمعاقبة العائلات، وفرض قيود مشددة على الحركة والتنقل عبر الحواجز والحدود الداخلية، والتحكم الكامل بالحيز المدني باستخدام أدوات ممنهجة للتخويف والردع.

وقال مركز "شمس" إن خطورة المشهد تتصاعد مع توجه الاحتلال نحو تجريم المؤسسات الحقوقية نفسها، عبر وسمها بصفات مثل "الكيانات الإرهابية"، وإغلاق مكاتبها ومصادرة أجهزتها ووثائقها، في خطوة لا تستهدف العاملين وحدهم بل تستهدف الحق في الدفاع عن الحقوق ذاته، وتضرب المادة (19) والمادة (20) من الإعلان العالمي، اللتين تكفلان حرية الرأي والتجمع، في الصميم.

وقال مركز "شمس" أن أوضاع حقوق الإنسان في قطاع غزة اليوم تمثل واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث. فالعدوان على قطاع غزة وارتداداته ،والحصار الممتد، والدمار الواسع، ونقص الغذاء والدواء، وانهيار النظام الصحي، وفقدان المأوى، وتقييد حركة العاملين في المجال الإنساني، كلها تجعل حياة الفلسطينيين في غزة خارج الحد الأدنى لأي معيار إنساني أو قانوني. وأكد المركز أن ما يجري في القطاع ليس مجرد "تدهور" لحقوق الإنسان، بل انهيار شامل لها في ظل غياب الإرادة السياسية الدولية لوقف الجرائم أو مساءلة مرتكبيها. طالب المركز بأن يكون هذا اليوم مناسبة للتذكير بأن الصمت الدولي شريك في المعاناة اليومية لمليوني إنسان في غزة، وأن استمرار هذا الواقع ينسف الأسس التي قام عليها الإعلان العالمي نفسه.

ودعا مركز "شمس" المجتمع الدولي، بكل دوله ومؤسساته، إلى احترام التزاماتها القانونية والأخلاقية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعدم التعامل مع حقوق الفلسطينيين كاستثناء أو ملف قابل للتأجيل. فالالتزام بهذه الوثيقة لا يتحقق بالخطابات، بل بقرارات واضحة: وقف تزويد الاحتلال بأدوات القتل والقمع، الضغط الجاد لوقف الانتهاكات، حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب. وطالب المركز الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتفعيل مسؤوليتها الجماعية، لأن الإعلان العالمي لا معنى له إذا ترك شعب كامل خارج نطاق الحماية، وإذا بقي الاحتلال فوق القانون دون مساءلة. وأكد المركز أن احترام الإعلان العالمي يبدأ من احترام حقوق الفلسطيني في الحياة والحرية والكرامة، وأن العالم اليوم أمام فرصة أخلاقية لإثبات أن مبادئ حقوق الإنسان ليست انتقائية، وأنها قادرة على حماية الفلسطيني كما تحمي غيره.

كما وطالب مركز "شمس" بأن تشكل فلسطين المعيار الأكثر دقة لقياس صدقية التزام المجتمع الدولي بالقيم التي نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مؤكداً أن أي خطاب يدعي احترام حقوق الإنسان يفقد أساسه القانوني والأخلاقي إذا استمر استثناء الفلسطيني من الحماية المتساوية التي كرّسها الإعلان دون تمييز. كما وطالب المركز الدول والهيئات الدولية بأن تتعامل مع الإعلان العالمي بوصفه أداة إلزامية للمساءلة وتفعيل الالتزامات القانونية، لا بوصفه نصاً احتفالياً يستدعى في المناسبات بينما يترك الشعب الفلسطيني يواجه أخطر صور الانتهاكات الممنهجة. وشدد المركز على أن النظام الدولي لحقوق الإنسان لن يستعيد شرعيته ولا فاعليته ما لم يطبق مبادئه على الحالات الأكثر وضوحاً للظلم، وفي مقدمتها الحالة الفلسطينية، مؤكداً أن حماية الفئات الأكثر عرضة للانتهاك ليست ترفاً أخلاقياً بل معياراً جوهرياً لسلامة المنظومة الحقوقية العالمية، وأن عجز المجتمع الدولي عن حماية الفلسطينيين يعني عملياً عجزه عن حماية أي جماعة أخرى. وأكد المركز أن إعادة الاعتبار لقيم الإعلان العالمي تبدأ بالاعتراف القانوني الصريح باستمرار الانتهاكات الجسيمة بحق الفلسطينيين منذ عقود، وأن هذا الشعب ما زال يطالب بأبسط ما نصت عليه الوثيقة، الحق في الكرامة، وفي الحرية الآمنة، وفي المساواة الخالية من التمييز، وفي العدالة التي لا تخضع للازدواجية. وقال المركز إن تجاهل هذه الانتهاكات لا يمثل مجرد إخفاق أخلاقي، بل يرقى إلى تهديد مباشر لمصداقية النظام الدولي ذاته، إذ إن القيم التي لا تطبق تفقد قوتها الإلزامية، والنظام الذي يعجز عن حماية الأضعف يفقد شرعيته أمام الجميع.