شاهد: الأمطار تتحول لمعاناة كارثية في قطاع غزة
تحت خيام قماشية ممزقة لا تقي بردا ولا مطرا، أمضى النازحون بقطاع غزة ليلتهم الثانية محاصرين بمياه الأمطار التي غمرت أماكن إيوائهم، لتكشف المنخفضات الجوية المتتالية هشاشة الظروف التي يعيشها الناجون من حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت لعامين.
ومع كل موجة طقس عاصف، تتجدد معاناة عشرات آلاف المدنيين الذين يقطنون خياما لا توفر أدنى درجات الحماية، إذ تتحول مواقع الإيواء إلى برك من الطين والمياه الراكدة، ويتحول المطر زائرا ثقيلا يُرجى عدم حضوره.
وفي مأساة مضاعفة، فارقت رضيعة في خيمة عائلتها البالية الحياة، جراء تعرضها لبرد لا طاقة لجسدها الطري على احتماله، وسط عجز عائلتها عن تأمين مأوى كريم بسبب المنع الإسرائيلي لإدخال لوازم الإيواء المكدسة خارج القطاع.
وعلى مدار يومي الأربعاء والخميس، أغرقت الأمطار الغزيرة مئات الخيام في مناطق متفرقة من القطاع، ما أدى إلى تفاقم معاناة العائلات التي باتت تكافح للبقاء وسط ظروف شديدة القسوة.
وبدل أن تكون الخيام ملاذا مؤقتا يعوّض فقدان المنازل المدمرة خلال حرب الإبادة، أصبحت مصدر خطر إضافي، بعدما تجمعت المياه داخلها وتسرب البرد إلى أجساد النازحين، فيما عجز الأهالي عن إنقاذ ما تبقى من مقتنياتهم البسيطة.
واجتاحت المياه مناطق واسعة من مخيمات النزوح، ما تسبب بانهيار عدد من الخيام وتلف مواد الإيواء الأساسية، في وقت يعيش فيه نحو 250 ألف أسرة داخل خيام مهترئة معرّضة للسيول والبرد القارس؛ وفق الدفاع المدني بغزة.
"أطفالنا يموتون"
تحولت نعمة الأمطار إلى عبء إضافي على الفلسطينيين في غزة، انتشرت على مواقع التواصل مشاهد توثّق حجم الكارثة.
وتحدث مدير عام وزارة الصحة في غزة، منير البرش، الخميس عن "وفاة الرضيعة رهف أبو جزر بخانيونس جنوبي القطاع جراء البرد وغرق خيمتها بمياه الأمطار"؛ بحسب ما نقلت عنه وكالة الأناضول.
في الأثناء، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر حالة وفاة لرضيعة في خانيونس، قالوا إنها "توفيت بسبب البرد".
وظهر أحد أفراد عائلتها في مقطع مصور وهو يقول: "قتلها البرد، يا عالم، ما حد مدوّر عليهم (لا أحد يهتم لأمرهم)، الأطفال يموتون واحدا واحدا".
وفي مشهد آخر، ظهر رجل يقف وسط الظلام والمطر ينهمر فوق الخيام خلفه وهو يصرخ: "يا الله ارحمنا.. غرِقنا في الخيام"، ثم يضيف "أطفالنا تموت.. ملابسنا كلها مبللة، أغثنا يا الله".
وتابع وصف وضعهم اللاإنساني مخاطبا العرب والمسلمين "بردانين.. لا أكل ولا شرب".
أطفال بخيام ممزقة
الخيام التي كان يُرتجى منها حفظ كرامة الفلسطينيين في غزة الذين تركتهم الحرب الشرسة للعراء، تحولت بفعل الاهتراء والسيول إلى بؤر معاناة إضافية.
فهنا طفل ينام داخل خيمة ممزقة، فيما تحاول شقيقته حماية جسده الصغير من تسرب المياه، مستخدمة قطعة قماش لرفع المياه المتجمعة حوله.
وهناك طفلة تقول إن خيمتهم ممزقة وإن العائلة تعرضت للغرق.
وتتحدث الطفلة عن عجزها عن فعل شيء فيما تبلل إخوتها بمياه الأمطار، ليصبح أملها بألا تتساقط الأمطار مجددا بسبب أوضاعهم داخل الخيام التالفة.
ومنذ الأربعاء، تحولت آلاف الخيام التي تؤوي الناجين من حرب الإبادة الإسرائيلية على مدى عامين في غزة إلى برك مياه غمرت الفراش والملابس والطعام، تاركة مئات العائلات في عراء قاس بلا دفء أو مأوى، وسط واقع مأساوي تفاقم بفعل انعدام مقومات الحياة.
ويتخذ معظم هؤلاء النازحين من الخيام التالفة مأوى لهم، فيما قدر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، أن نسبة الخيام التي لم تعد صالحة للإقامة في القطاع بلغت نحو 93%، بواقع 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفا.
ورغم انتهاء حرب الإبادة بسريان وقف إطلاق النار في 11 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لم يشهد واقع المعيشة لفلسطينيي غزة تحسنا جراء القيود المشددة التي تفرضها إسرائيل على دخول شاحنات المساعدات، منتهكة بذلك البروتوكول الإنساني للاتفاق.
وعلى مدى نحو عامين من الإبادة تضررت عشرات آلاف الخيام بفعل القصف الإسرائيلي الذي أصابها بشكل مباشر أو استهدف محيطها، فيما اهترأ بعضها بسبب عوامل الطبيعة من حرارة الشمس المرتفعة صيفا والرياح شتاء.
وأنهى اتفاق وقف إطلاق النار، حرب إبادة جماعية بدأتها إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، واستمرت عامين، مخلفة أكثر من 70 ألف شهيد فلسطيني وما يزيد على 171 ألف جريح، ودمارا هائلا طال 90% من البنى التحتية المدنية، بخسائر أولية قدرت بـ70 مليار دولار.