لماذا كل هذا الهجوم على السلطة الوطنية؟
عندما تتصفح العديد من وسائل التواصل الاجتماعي. يصدمك حجم الهجوم على السلطة الوطنية الفلسطينية، وبينما انت تتابع توشك على الاقتناع ان هذه السلطة "الملعون ابوها" هي المسؤولة عن ضياع فلسطين وخراب الأمتين العربية والإسلامية، وانه إذا ما تم التخلص منها كل شيء سيكون جميلا وفلسطين ستتحرر، والامة العربية سيصلح حالها وتتوحد وتهب لتحرير فلسطين.
والمشكلة في المهاجمين على مختلف انواعهم انهم يتناسون او حتى لم يقرأوا ليعرفوا أن فلسطين ضاعت بحكم التواطؤ والمؤامرة الكونية
هذا المقال ليس الهدف منه منع الاختلاف السياسي ولا كبت الأصوات الناقدة، خصوصا اذا جاء نقدها بهدف النصح والاصلاح وليس الهدم، وليس،هدفه الدفاع عن أخطاء السلطة، والآن نعود للهجوم المكثف. فإذا استثنينا مئات المواقع والصفحات االتابعة بشكل مباشر او غير مباشر لحماس وجماعة الاخوان المسلمين وتنظيمها الدولي، والذين يتصرفون وكأن السلطة الوطنية الفلسطينية عدوهم الأول والاستراتيجي، والسبب معروف فكريا وإيديولوجيا، فهم اعداء الوطنية، وبالتحديد الوطنية الفلسطينية التي تمتلك تأثيرا كبيرا على الرأي العام العربي والإسلامي، وبالتالي من وجهة نظر الجماعة لابد من كسرها وتشويهها وإزاحتهم من المشهد. المقال لا يتناول هجوم حماس والجماعة وداعيميهم، وانما يستهدف بعض النخب الفلسطينية والعربية وبعض المثقفين الفلسطينيين والعرب، الذين يشيطنون السلطة، او يحملونها مسؤولية كل التقصير العربي، ويصورونها وكأنها المرض الزكام، وان الشعب الفلسطيني إذا ما نجح في التخلص منها فإن كل شيء سيصبح رائعا والطريق لتحرير فلسطين سالكا.
هناك نخب من دول عربية لا تتوقف عن مهاجمة السلطة الفلسطينية، ويحرضون عليها بشكل وقح وفيه نوع من التدخل في الشؤون الداخلية للشعب الفلسطيني، هناك فارق بين انتقاد بعض ممارسات السلطة والتحريض عليها، ولا يمكن تفسير اهداف هؤلاء المحرضين سوى اما انهم جزء من اجندة أميركية او اخوانية، او ان لها اهدافا شخصية تسعى عبر الخطاب الشعبوي لمهاجمة السلطة.
اما بعض النخب وبعض المثقفين الفلسطينيين على امتداد العالم فهم ينقسمون لعدة اطياف وانواع، اغلب من ياهجمون إما انهم جزء من اجندة الاخوان المسلمين، حتى وإن كانوا ينحدرون من تنظيمات يسارية او قوميون، او انهم حزء من اجندة داعمي جماعة الاخوان من الدول. وهناك مجموعة ثالثة هم من ابناء العائلات الإقطاعية التي كانت تسيطرة قبل نكبة العام 1948. وكانوا يتولون قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية طوال فترة الانتداب البريطاني. فبعض النخب والمثقفين هم من سلالة هذه العائلات ويتجاهلون ان اجدادهم في قيادة الحركة الوطنية يتحملون جزءا من المسؤولية في ضياع فلسطين بسبب التنافس والانقسام بين هذه العائلات.
من حق الجميع ان ينتقد السلطة الوطنية، فهي هيئة عامة تصيب وتخطئ، ولكن ان تتهم انها عميلة او مرتزقة لإسرائيل فهذا يعني التخوين، ويعني انه عملية هدم وتقويض وليس نقد وبناء، وإنهم بذلك يلتقون بالهدف مع نتنياهو وسموتريش وبن غفير.
اغلب المنتقدين هم ممن يعيشون برفاهية كبيرة، ولا يدفعون ثمنا لمزايدتهم، كما لا يبدون انهم يكترثون لمقتل عشرات الآلاف من ابناء الشعب الفلسطيني، وعشرات الاف الجرحى، والمشكلة ان هذه التضحيات انها لم تحقق أي انجاز وطني، بل العكس خلفت كارثة وطنية على الصعيدين الانساني والسياسي، بعد دمار قطاع غزة، واحتلال إسرائيل لأكثر من نصفه. فالمزايدات تمثل نمط تفكير انتشر منذ نشأت القضية الفلسطينية، كما انهم ليس معنيين حتى في وجود دولة فلسطينية، فهم رعايا دول وفيها صاغوا حياتهم، وفلسطين هي المجال الحيوي لمزيادتهم وترفهم السياسي ليناموا اخر الليل مرتاحي الضمير ويستمرون في حياتهم.
هناك ملاحظة غريبة بعض الشيء ان البرجوازية الفلسطينية، التي تعيش خارج فلسطين تميل للتطرف والمزايدات، والسبب على ما يبدوا انها لا تدفع اي ثمن، وبالتالي لماذا لا تتطرف وتزايد.
السلطة الوطنية هي امتداد للثورة الفلسطينية التي انتفضت على الواقع العربي الذي أضاع فلسطين، الثورة التي إعادة الحياة للقضية الفلسطينية واعادت توحيد الشعب الفلسطيني، وصاغت لهم هويتهم الوطنية، وهي من وضعت فلسطين وقضيتها مجددا على جدول الأعمال الدولي، فهي المعبر عن الإرادة الوطنية المستقلة. لذلك هي محاصرة والمشاركون في حصارها اطراف يصعب تخيل عددهم وانواعهم. السلطة الفلسطينية قد يكون فيها ثقوب كثيرة وهي تخطئ وتصيب ولكن يبقى السؤال: لماذا كل هذا الهجوم عليها؟ السؤال موجه للقارئ الفلسطيني اولا ومن ثم للقارئ العربي الذي ينساق خلف نخب ليس من اهتماماتها تضحيات الفلسطينيين على أرض الواقع