نتنياهو واللقاء السادس مع ترمب

2025-12-24 09:25:10

انتقلت غرفةُ عمليات الرئيس ترمب إلى ولاية فلوريدا، حيث الرئيسُ وكبار معاونيه يغادرون البيت الأبيض إلى حيث الاحتفالات بأعيادِ الميلاد ورأس السنة الجديدة.

الأزمات لا إجازة لها، ولكنَّها تنتقل مع انتقالات أقطابها، ففي ميامي حدث اجتماعٌ رباعيٌّ ضمّ الوسطاء الثلاثة مع شريكهم الأميركي. ومن أجل الاحتفاظ بزخم العمل السياسي الذي يقوده الرئيس ترمب، أصدر المجتمعون بياناً أكَّدوا فيه تواصل السعي للانتقال إلى المرحلة الثانية من الحل في غزة، ولكنَّهم دون إعلانٍ مباشر يقيمون وزناً كبيراً للقاء السادس الذي سيجمع «رئيس مجلس السلام» مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، في منتجعِه الخاص في فلوريدا.

نتنياهو ما يزال يتحفّظ على الانتقال إلى المرحلة الثانية قبل تسلم الجثة المتبقية في غزة، هذه الجثة تصرّ إسرائيل على أن «حماس» تعرف مكانها، وتحتفظ بها للمساومة، في حين تؤكد «حماس» عدم معرفتها بمكان وجودها، حتى إنها قلبت أرض غزة بحثاً عنها، بما في ذلك داخل مناطق السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وراء ما يسمى «الخط الأصفر»، وحتى الآن بلا جدوى.

يدرك نتنياهو بفعل خبرته في دهاليز الإدارات الأميركية، وخبرته كذلك بالرئيس ترمب ومزاجه وتقلباته، أن جثةً واحدةً بقيت، بعد مهرجان إعادة المحتجزين الأحياء جميعاً، لا تكفي لإقناع ترمب بالتريث وانتظار حصول نتنياهو عليها، كي يذهب إلى المرحلة الثانية؛ إذ لدى الرئيس ترمب مخرج عملي من هذه الأحجية، وهو أن بالإمكان مواصلة البحث عن الجثة، وتسجيلها على حساب استحقاقات المرحلة الثانية، والشروع في تنفيذ عملية الانتقال، كالإعلان الرسمي ببدئها مع إعلانٍ بتشكيل «مجلس السلام».

خطة نتنياهو في التعامل مع مبادرة ترمب التي قبِل بها مكرهاً، تقوم على أساس مواصلة إعلان الترحيب بها، إرضاءً للرئيس ترمب، مع بث ألغامٍ يمسك بصواعق تفجيرها أو التهديد بها عند الحاجة، وقد تمكّن من بثها على كل طريقٍ تمر عليه مبادرة ترمب، ليس فقط بشأن غزة، بل على كل مكانٍ يعمل الأميركيون فيه كسوريا ولبنان، ثم إيران.

الموقف الإسرائيلي من إيران صار محفوظاً عن ظهر قلب، لكثرة استخدامه في اتجاهاتٍ متعددة، منها مثلاً أن إيران تصلح ساتراً يقف وراءه الرفض الإسرائيلي لقيام دولةٍ فلسطينية، وتصلح كذلك من خلال تسلحها التقليدي قبل النووي كتهديدٍ وجوديٍّ للدولة العبرية، وأدبيات القيادة الإيرانية تصب في هذا الاتجاه، ثم إن الحالة الإيرانية فيها إغراءاتٌ متجددةٌ لضربها، تحت ذريعة التهديد المباشر - كما يقول نتنياهو - للاستقرار الإقليمي والدولي.

قبل توجهه إلى فلوريدا أعدّ نتنياهو ملفاً قديماً جديداً حول جدية التهديد الإيراني بما يحتم معالجةً فوريةً له، فإمّا تدعم أميركا ضرباتٍ توجهها إسرائيل بمفردها لأهدافٍ أساسيةٍ في إيران، أو تشاركها في عملٍ عسكري يحاكي ما حدث في الصيف الماضي. وفي كل الحالات، تطالب إسرائيل بغطاءٍ سياسيٍّ أميركي وإغداقٍ إضافيٍّ في السلاح والمعدات اللازمة لعمليةٍ عسكريةٍ على هذا المستوى.

في إسرائيل من يرى أن التركيز على الملف الإيراني في محادثات فلوريدا الوشيكة له مغزًى إضافي، يتصل بملف غزة. وأستعين هنا بتحليلٍ نُشر في «معاريف» تحت عنوان «قنبلة إيرانية في لقاء نتنياهو - ترمب»: «حتى وقتٍ مضى كان يُخيّل أن لقاء نتنياهو - ترمب في فلوريدا سيتركز على المرحلة الثانية في غزة، غير أنه كلما اقترب موعد اللقاء يتبيّن أن موضوعاً آخر يدحر غزة إلى الوراء، على الأقل من ناحية نتنياهو، ويحتل من جديد مركز الساحة؛ أي إيران، وأساساً تسليحها المتجدد، والتصميم الإسرائيلي على عدم السماح لها باستكمال هذه الخطوة».

من الخطأ افتراض أن نتنياهو من يقرّر جدول أعمال ترمب في الشرق الأوسط، ومن الخطأ كذلك منح نتنياهو ميزة القدرة على تغيير الأولويات الأميركية التي تحدد خطواتها السياسة والعسكرية، في مثلث الاشتعال المباشر: غزة وسوريا ولبنان، خصوصاً بعد تقلّص النفوذ الإيراني عليها جميعاً، لكن ما ينبغي الاهتمام به ووضعه كأولويةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ في التعامل مع شراكة ترمب بشأن غزة، والتي لم تتوقف عند مبادرة العشرين بنداً، التي استُخلص منها قرار مجلس الأمن الذي يصح اعتباره تاريخياً؛ ما ينبغي الاهتمام به حقاً هو عامل الوقت وكيفية استغلال نتنياهو له في تعامله مع الملفات الساخنة، وتحديداً ملف غزة الذي تحوّل العرب والمسلمون فيه إلى شركاء، ليس فقط في إحراز وقف إطلاق النار والحفاظ عليه، وإنما في ما هو أكثر أساسيةً من ذلك، وهو إغلاق ملف غزة على حلٍّ حقيقي، يوفّر صدقيَّةً لفتح ملف القضية الفلسطينية على حلٍّ جدّيٍّ وجذري، يُرضي الفلسطينيين والعرب والمسلمين والعالم، وهذا ما يقاتل نتنياهو على كل الجبهات لمنع الذهاب إليه.