درس الذين فهموا الصراع مبكرًا

2025-12-26 10:04:21

في اللحظات التي يشتد فيها الضغط السياسي والمالي، يعود الوهم ذاته بثوب جديد:

أن مزيدًا من التنازل قد يخفف القبضة، وأن الانحناء المحسوب قد يشتري وقتًا إضافيًا. تتغير العناوين . رواتب الأسرى، المناهج، التحريض في الاعلام .... الخ ، لكن الجوهر واحد: اقتطاع المعنى قطعةً قطعة، على أمل أن يكتفي الخصم بما أُخذ.

هذا الوهم جُرِّب مرارًا، وكانت كلفته دائمًا أفدح من أي ضغط خارجي. ولهذا، يصبح استحضار درس الذين فهموا الصراع مبكرًا منهم قاده عظام ,  ضرورة سياسية، لا تمرينًا في الحنين.

منذ وقت مبكر، فهم خالد الحسن أن السياسة التي تُدار بخوفٍ دائم تتحول إلى إدارة خسائر بلا أفق. الصلابة، عنده، لم تكن نبرة عالية، بل قدرة على حماية ما لا يجوز المساس به، لأن قضية بلا خطوط حمراء تُستنزف حتى الصمت.

وقال غسان كنفاني ما هو أشد وجعًا: الطريق الأسهل فخ. حين تُقايَض الرواية بالفتات، تُقتل القضية معنويًا قبل أن تُستكمل تصفيتها سياسيًا. التنازل عن المعنى هو الهزيمة الأولى ولا تعويض بعدها.

أما ناجي العلي فكان أكثر قسوة وصدقًا. لم يُنظِّر؛ كشف بريشته حيث  قال إن من يتنازل لا يدفع الثمن بنفسه. الثمن يدفعه الأسير حين يُمسّ راتبه، والطالب حين تُفرَّغ مناهجه، والفقير حين يُطلب منه الصبر إلى ما لا نهاية. التنازل هنا ليس سياسة؛ إنه نقلٌ للألم من الأعلى إلى الأسفل.

ويبلغ هذا الدرس ذروته مع صلاح خلف (أبو إياد)، الذي فرّق بوضوح بين المرونة التكتيكية التي تُدار من موقع قوة، والتفريط الاستراتيجي الذي يفتح شهية الابتزاز. كان يعرف أن القيادة التي تمرّر الضغط إلى شعبها تُضعف الثقة، وحين تُضعف الثقة، تتشقق الأرض تحت الجميع.

من هنا، يتضح أن المساس برواتب الأسرى أو بالمناهج الوطنية لا يخفف الضغط الخارجي، بل ينقله إلى الداخل، ويحوّل واقعنا  إلى ساحة توتر وفقدان يقين. فالخصم لا يقرأ التنازل كحسن نية، بل كإشارة ضعف تُراكم المطالب ولا تُنهيها.

وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى دور جامع للرئيس  يسهم في ردم الفجوة المتسعة  مع الناس . فالمطلوب اليوم ليس فقط إدارة الضغوط من قبل المجتمع الدولي الظالم ، بل إعادة وصل السياسة بنبض الشارع، وترميم الثقة عبر حماية ما يعتبره شعبنا   خطوطًا لا يجوز تجاوزها. إن التعامل مع قضايا كرواتب الأسرى والمناهج الوطنية بوصفها تعبيرًا عن العقد الوطني، لا مجرد ملفات تفاوضية، يبعث برسالة طمأنة ضرورية، ويعيد التأكيد أن  الوحدة الوطنيه و الحركه الوطنية تستمد قوتها من التفاف الناس حولها. حين تُسدّ هذه الفجوة، يتحول الصمود إلى طاقة جماعية، ويصبح القرار السياسي أكثر قدرة على الاحتمال والاستمرار.

درس الذين فهموا الصراع مبكرًا بسيط ومؤلم في آن:
القضايا العادلة لا تُحمى بتخفيف معناها،
ولا تُصان بنقل الألم إلى أهلها،
بل تُحفظ بصلابة واعية وقيادة قادرة على وصل السياسة بالناس.

إما أن نختار الصلابة . فتبقى القضية حيّة
أو نواصل التنازل… حتى لا يبقى ما يُدافع عنه.