نقابة الصحفيين: قتل 706 من عائلات الصحفيين الفلسطينيين سياسة ممنهجة لإسكات الحقيقة

2025-12-27 19:52:02

رام الله – شبكة راية

كشف تقرير صادر عن نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن استهداف الحالة الصحفية الفلسطينية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يقتصر على القتل المباشر أو الإصابة أو الاعتقال أو منع التغطية، بل تطوّر إلى مستوى أكثر خطورة ووحشية، تمثّل في استهداف عائلات الصحفيين وأقاربهم، في محاولة واضحة لتحويل العمل الصحفي إلى عبء وجودي يدفع ثمنه الأبناء والزوجات والآباء والأمهات.

706 شهداء من عائلات الصحفيين

وبحسب رصد وتوثيق لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، بات استهداف عائلات الصحفيين نمطًا ممنهجًا ومتكررًا خلال الأعوام 2023 و2024 و2025، حيث بلغ عدد الشهداء من عائلات الصحفيين في قطاع غزة نحو 706 شهداء، في مؤشرات تؤكد أن ما جرى لا يمكن اعتباره حوادث عرضية فرضتها ظروف الحرب.

ووفق التقرير، توزعت أعداد الشهداء على النحو الآتي:

• عام 2023: نحو 436 شهيدًا

• عام 2024: نحو 203 شهداء

• عام 2025: 67 شهيدًا، رغم النزوح القسري والعيش في الخيام ومراكز الإيواء

وقائع دامغة

وأشار التقرير إلى أن آخر الوقائع الموثقة في هذا السياق كانت قبل أيام، حيث جرى انتشال جثمان الصحفية الشهيدة هبة العبادلة ووالدتها، إلى جانب نحو 15 شهيدًا من عائلة الأسطل، وذلك بعد مرور قرابة عامين على قصف الطيران الإسرائيلي لمنزلهم غرب مدينة خانيونس.

وتعني هذه الأرقام، وفق النقابة، أن مئات الأطفال والنساء وكبار السن قتلوا بسبب الصلة المهنية لأحد أفراد الأسرة بالعمل الصحفي، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الإنسانية والقانونية.

أشكال الاستهداف

وبيّنت الوقائع الموثقة أن استهداف عائلات الصحفيين اتخذ أشكالًا متعددة، أبرزها:

• القصف المباشر لمنازل الصحفيين، ما أدى إلى استشهاد عدد كبير من أفراد أسرهم

• قتل العائلة بالكامل في بعض الحالات، وتحويل الصحفي إلى شاهد حي على فناء أسرته

• استهداف أماكن النزوح والخيام التي لجأت إليها عائلات الصحفيين بعد تدمير منازلهم

• تكرار القصف لمناطق معروفة بسكن الصحفيين وعائلاتهم دون إنذارات فعّالة

تحوّل نوعي في سلوك الاحتلال

وأكدت النقابة أن استهداف عائلات الصحفيين يمثل تحولًا نوعيًا في سلوك الاحتلال، ضمن ثلاثة مستويات رئيسية:

• من الاستهداف الفردي إلى الجماعي: لم يعد الصحفي وحده هدفًا، بل تحولت العائلة إلى أداة ضغط وعقاب جماعي، في مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني.

• تحويل الصحافة إلى خطر على الحياة الخاصة: يسعى الاحتلال لإيصال رسالة مفادها أن العمل الصحفي لا يهدد صاحبه فقط، بل محيطه الأسري والاجتماعي.

• تجفيف البيئة الحاضنة للإعلام: استهداف العائلة يؤدي إلى تخويف المجتمع من احتضان الصحفي أو دعمه، ما يضعف الحماية الاجتماعية للإعلاميين.

آثار نفسية واجتماعية عميقة

وأوضحت لجنة الحريات أن آثار هذه الجرائم لا تقتصر على الخسائر البشرية، بل تمتد إلى:

• صدمات نفسية عميقة لدى الصحفيين الذين فقدوا أبناءهم أو زوجاتهم أو والديهم

• تفكك أسري وفقدان الإحساس بالأمان

• إرغام صحفيين على النزوح أو التوقف المؤقت عن العمل

• تحميل الصحفي شعورًا قاسيًا بالذنب، في إطار حرب نفسية منظمة

وأكدت اللجنة أن هذا البعد النفسي يشكل جزءًا لا يتجزأ من منظومة القمع التي يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون.

لماذا انخفض العدد عام 2025؟

وأشار التقرير إلى أن الانخفاض النسبي في عدد الشهداء من عائلات الصحفيين خلال عام 2025 يعود إلى عوامل قسرية، أبرزها:

• النزوح الجماعي وتدمير معظم المنازل

• لجوء العائلات إلى الخيام ومراكز الإيواء المكتظة

• تشتت العائلات وعدم وجود عناوين ثابتة للاستهداف

ورغم ذلك، فإن استشهاد 67 فردًا من عائلات الصحفيين في ظروف النزوح يؤكد أن الاستهداف لم يتوقف، بل تكيّف مع الواقع الجديد.

جريمة مكتملة الأركان

وأكدت النقابة أن استهداف عائلات الصحفيين يشكل جريمة مكتملة الأركان من الناحية القانونية، كونه خرقًا واضحًا لاتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المدنيين، وانتهاكًا لمبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وانتهاكًا لمبدأ التناسب في استخدام القوة، وشكلًا من أشكال العقاب الجماعي المحظور دوليًا.

وبيّن التقرير أن هذه السياسة أدت إلى: تقويض حرية العمل الإعلامي، وخلق بيئة عمل عدائية وخطيرة للصحفيين، وعزل التغطية الفلسطينية إعلاميًا، دفع صحفيين للعمل تحت تهديد دائم. وهو ما يشكل، بحسب النقابة، اعتداءً مباشرًا على حق المجتمع الفلسطيني والعالمي في المعرفة.

وأكدت لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن استهداف عائلات الصحفيين جريمة لن تسقط بالتقادم، وأن الاحتلال يتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عنها، مشيرة إلى أن الصمت الدولي شجّع على استمرار هذه الانتهاكات.

وطالبت النقابة بـفتح تحقيق دولي مستقل، وتحرك عاجل من الجهات الحقوقية والنقابية محليًا وعربيًا ودوليًا، وتوفير حماية دولية للصحفيين الفلسطينيين وعائلاتهم، وإدراج هذه الجرائم ضمن ملفات الملاحقة القانونية الدولية.

اللحام: حرب على الحقيقة

من جهته، أكد رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، محمد اللحام، أن استهداف عائلات الصحفيين الفلسطينيين خلال الأعوام 2023–2025 يكشف بوضوح أن الاحتلال الإسرائيلي يخوض حربًا شاملة على الحقيقة، لا تفرّق بين الكاميرا والطفل، ولا بين القلم والبيت.

وشدد على أن دماء عائلات الصحفيين ستبقى شاهدًا حيًا على جريمة محاولة إسكات الصوت الفلسطيني، وأن الحقيقة ستظل أقوى من القتل.