المرأة الفلسطينية: نضال مستمر، مشاركة فاعلة، وقوة تصنع المستقبل
مع اقتراب عام 2026، نقف أمام لحظة تأمل ومسؤولية، نستحضر فيها عامًا استثنائيًا من المعاناة والصمود. لقد شكّل عام 2025 أحد أكثر الأعوام قسوة على الشعب الفلسطيني، وبوجه خاص على المرأة الفلسطينية، التي وجدت نفسها في قلب العدوان، تتحمل الأثر الإنساني والاجتماعي والاقتصادي لتداعيات العدوان المستمر، في ظل انتهاكات جسيمة ومتواصلة للقانون الدولي الإنساني.
خلال العام الماضي، واجهت النساء الفلسطينيات القتل والنزوح القسري، وفقدان المأوى والمعيل، وتدمير سبل العيش، إلى جانب التقييد الممنهج للوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية والحماية الاجتماعية. كما أدت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة إلى تعميق فجوات الفقر والبطالة، وزيادة الهشاشة، لا سيما بين النساء المعيلات، والنساء ذوات الإعاقة، والفتيات، والنساء في المناطق الأكثر تضررًا، وعلى رأسها قطاع غزة.
ومع ذلك، لم تكن المرأة الفلسطينية يومًا مجرد ضحية للنزاع، بل كانت فاعلًا رئيسيًا في الاستجابة للأزمات، وحماية الأسرة، والحفاظ على التماسك المجتمعي. فقد أظهرت النساء قدرة استثنائية على القيادة في ظروف الطوارئ، والمبادرة المجتمعية، والعمل الإغاثي، والدفاع عن الحقوق، ونقل الرواية الفلسطينية إلى المحافل الدولية، بما يعكس وعيًا سياسيًا وحقوقيًا متقدمًا بدور المرأة كشريكة أصيلة في النضال والبناء.
إن قوة المرأة الفلسطينية تكمن في قدرتها على الجمع بين الصمود والمشاركة، وبين تحمل الأعباء والمطالبة بالحقوق. فهي اليوم شريكة في صنع القرار، وفي صياغة الأولويات الوطنية، وفي الجهود الرامية إلى التعافي وإعادة الإعمار، انطلاقًا من إيمان راسخ بأن المساواة بين الجنسين ليست ترفًا سياسيًا، بل شرطًا أساسيًا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
وفي هذا الإطار، تواصل الحكومة الفلسطينية التزامها بمسؤولياتها الوطنية والقانونية في حماية حقوق المرأة، رغم القيود الجسيمة التي يفرضها الاحتلال. وقد عملت الحكومة على إدماج المنظور الجندري في خطط الاستجابة الطارئة والتعافي، بما يضمن مراعاة احتياجات النساء والفتيات، انسجامًا مع التزامات دولة فلسطين بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.
وتضطلع وزارة شؤون المرأة بدور محوري في تنسيق الجهود الوطنية لتعزيز حماية النساء من العنف، ورصد الانتهاكات الواقعة بحقهن، والدفع نحو سياسات وتشريعات أكثر إنصافًا، إضافة إلى تعزيز مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار، وفي مسارات التعافي وإعادة الإعمار. كما تعمل الوزارة على توسيع الشراكات مع المؤسسات الحكومية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والشركاء الدوليين، لضمان توجيه الدعم نحو تدخلات مستدامة تعزز التمكين الاقتصادي للمرأة، والشمول المالي، والوصول العادل إلى الخدمات الأساسية.
وفي سياق متصل، تولي وزارة شؤون المرأة أهمية خاصة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المؤسسات النسوية الفلسطينية، بوصفها شريكًا وطنيًا فاعلًا يمتلك خبرة تراكمية ودورًا محوريًا في تمكين النساء، وبناء قدراتهن القيادية، وتعزيز مشاركتهن الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وقد شكّلت هذه الشراكة ركيزة أساسية في الوصول إلى النساء الأكثر تهميشًا، وفي تطوير برامج قائمة على الاحتياجات الفعلية، وفي الدفاع عن حقوق المرأة، وضمان إيصال صوتها إلى دوائر صنع القرار.
ومع دخول عام 2026، لا يفوتني في هذا السياق أن أُشيد بقرار سيادة الرئيس محمود عباس “أبو مازن” بالمضيّ في مسار إعداد الدستور الفلسطيني في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا. إن هذا القرار يحمل دلالات وطنية عميقة، فهو يعكس إصرار القيادة الفلسطينية على تجسيد دولتنا المستقلة على أرض الواقع وتعزيز مؤسساتها رغم التحديات الجسام التي يفرضها الاحتلال. كما يتقاطع هذا التوجّه مع المرحلة التي نشهد فيها خطوات متقدمة على المستوى الدولي نحو الاعتراف بدولة فلسطين، ما يجعل من صياغة دستور عصري ومتقدم ضرورة سياسية وقانونية تعزز مكانتنا الدولية وتؤكد حقوقنا الثابتة وغير القابلة للتصرف.
إن الدستور الذي نسعى إليه ليس مجرد نص قانوني، بل هو العقد الاجتماعي الذي سيحدد شكل دولتنا القادمة، ويجسد قيمنا المشتركة، ويؤسس لنظام سياسي ديمقراطي قائم على سيادة القانون، والمواطنة المتساوية، واحترام حقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق، نؤكد على ضرورة أن يتضمن الدستور مبادئ واضحة وصريحة تضمن المساواة الكاملة بين النساء والرجال دون أي تمييز، وأن يعكس التزام دولة فلسطين بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
إن تضمين مبادئ المساواة بين الجنسين في الدستور ليس مطلبًا نسويًا فحسب، بل هو ركيزة لبناء دولة حديثة وقوية، تعتمد على كامل طاقات أبنائها وبناتها. فالمجتمعات التي تُقصي النساء تُقصي نصف إمكاناتها، والدول التي تحمي حقوق النساء وترسخ الحريات العامة والمواطنة، هي الدول الأكثر قدرة على تحقيق التنمية والاستقرار والازدهار.
ومع دخول عام 2026، الذي سيشهد إجراء الانتخابات المحلية للمجالس البلدية ومجالس القرى في فلسطين، تبرز أهمية مضاعفة لتعزيز المشاركة السياسية للمرأة، ليس فقط بصفتها ناخبة، بل أيضًا كمرشحة وصانعة قرار على المستوى المحلي. وانطلاقًا من نهج قائم على الحقوق والمواطنة المتساوية، تؤكد وزارة شؤون المرأة، بالشراكة مع المؤسسات النسوية والجهات ذات العلاقة، التزامها بدعم النساء المرشحات، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية مشاركتهن في الحياة السياسية، وتهيئة بيئة داعمة وآمنة تضمن مشاركة فاعلة وحرة للنساء في العملية الانتخابية.
إن تعزيز تمثيل المرأة في الحكم المحلي يشكل مدخلًا أساسيًا لتعميق الديمقراطية المحلية، وتحسين الاستجابة لاحتياجات المجتمعات، وضمان إدماج قضايا النساء في السياسات والخطط المحلية. وعليه، فإن تمكين المرأة من ممارسة حقها في الترشح والانتخاب يشكل استثمارًا وطنيًا في الحوكمة الرشيدة، وفي بناء مجتمع أكثر عدالة وشمولًا.
ومع دخول عام 2026، فإن المرحلة المقبلة تتطلب انتقالًا واضحًا من إدارة الأزمات إلى الاستثمار في الصمود طويل الأمد، من خلال حماية النساء والفتيات من جميع أشكال العنف، وضمان المساءلة، وتوسيع فرص العمل اللائق، وتعزيز مشاركة المرأة في عمليات صنع السلام، وفي صياغة السياسات العامة. كما تتطلب دعمًا دوليًا جادًا يحترم الأولويات الوطنية، ويعزز ملكية الفلسطينيين لمسارات التعافي والتنمية.
وانطلاقًا من نهج قائم على الحقوق، نؤكد أن تمكين المرأة الفلسطينية ليس قضية إنسانية فحسب، بل التزام قانوني وأخلاقي، وعنصر جوهري لتحقيق السلام العادل والدائم. وعليه، فإننا ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية، وضمان حماية المدنيين، خاصة النساء والفتيات، ومساءلة دولة الاحتلال عن انتهاكاتها الجسيمة، بما ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية، وأجندة المرأة والسلام والأمن.
إن الأمل الذي نحمله ونحن نستقبل عام 2026 ليس شعارًا، بل فعلًا سياسيًا وحقوقيًا، يستند إلى إرادة نساء فلسطينيات أثبتن، مرة بعد مرة، أنهن قادرات على تحويل الألم إلى قوة، والتحديات إلى مسار نضالي منظم، من أجل الحرية والكرامة والمساواة، وصولًا إلى إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، على أساس العدالة واحترام حقوق الإنسان.