لأول مرة ليلى الطرابلسي تكشف اسرار مغادرة بن علي تونس ودور الجيش

2012-06-27 05:09:00

رام الله -شبكة راية الإعلامية:

للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي،تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقا ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.

 

تعود ليلى بن علي في كتابها «حقيقتي» الذي صدر قبل أيام في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 يناير 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.

 

 

 

ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوزيد، ومن ثمة تونس إنطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلى غاية التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.

 

وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضا، على كل ما وصفته إدعاءات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة. وان كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام حفيدها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجوه السياسية التونسية والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.

 

تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب الذي تنشر القبس ترجمة حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقا من مقابلات أجريت معها. مع الإشارة الى أن الحقيقة هي غالبا في مكان آخر.

 

كانت حليمة ابنة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي آخر من ركب الطائرة، بعد أن طلبت من أحد أفراد الحرس الشخصي، ان كان بمقدورها تقبيل والدها، ذلك أن الظروف يمكن ألا تسمح بلقائهما قريبا، لكن الرجل اكتفى بالقول «لا أعرف».

 

ما أن صعدت حليمة الى الطائرة، حتى اكتشفت أن والدها سيغادر مثلها... كان الأمر مفاجئا ليس فقط لنا، وانما أيضا لمدبرة بيتنا ايمان، خصوصا حين طلبت منها مضيفة الطيران أدوية الرئيس، حيث سألتها «لماذا تريدين الأدوية؟ هل الرئيس مسافر؟».

 

لم نكن نرى عبر النافذة سوى أربع سيارات كبيرة، كانت تشكل ما يشبه الحاجز. اصطفاف هذه السيارات جعلني أفكر في وجود خطر داهم، يتهدد مدرج الطائرة، خصوصا بعدما حذرنا السرياطي وأخبرنا بسيطرة البعض على برج المراقبة، ما قد يحول دون سفر الرئيس أو ما قد يؤدي الى اغتياله.

 

هل كانت التهديدات حقيقية أم كانت مجرد سيناريو أخرجه السرياطي؟ هل كان هناك خطر يتهدد الرئيس فعلا؟ أم كانوا يريدون رحيله حتى لا يتم توقيفه أو محاكمته؟ هل كانوا يريدون اعتماد فرضية الهروب دون السقوط في أي تناقض؟.

 

السفر:

 

أقلعت الطائرة في حدود الساعة الخامسة والنصف عصرا وكنت على متنها، أنا وزوجي وابني محمد وحليمة وخطيبها، بالاضافة الى طاقم الطائرة.

 

في الواقع، بعد بضع دقائق من الاقلاع،جاء قائد الطائرة واطلع بن علي على أمر تلقاه من الرئيس المدير العام للخطوط الجوية التونسية نبيل شتاوي، لقد طلب منه هذا الأخير العودة فورا الى تونس بعد أن يُنزل جميع الركاب في المملكة العربية السعودية.

 

لم يفهم بن علي ان كان الأمر يتعلق بغلطة أو نكتة، لذلك قام من مقعده واتجه نحو الكابينة، حيث كان الطيار والميكانيكي وقال لهما «أبنائي، اذا ما كنتم في حاجة الى فسحة للراحة أو الى وقت اضافي للتزود بالكيروزين، لا يوجد أي مشكل، سنغادر في وقت متأخر من الصباح».

 

لكن الطائرة غادرت بسرعة، فمن أعطى الأمر؟.

 

اتصل زوجي هاتفيا بالوزير الأول محمد الغنوشي ليخبره بأنه سيغادر ويعود في الغد، وعليه أن يخلفه في ممارسة مهامه، ثم أعاد الاتصال به، لكن العنوشي رد عليه بالقول «نحن في قصر قرطاج سيدي الرئيس» فتساءل الرئيس: ماذا تفعل في القصر في هذه الساعة؟ فرد الوزير الأول «لا أعرف، لقد حضر حرس ملثمون الى بيتي وجاءوا بي بالقوة».

 

حين كان الغنوشي يرد على الرئيس، كان يتوجه بكلامه الى شخص آخر، كان يحاول ابعاده، لقد كان يقول له «اخرج من هنا، اخرج، ألا ترى أني بصدد الحديث مع السيد الرئيس».

 

تساءل بن علي: مع من تتحدث؟ فرد الغنوشي: «انه أحد الحراس ولا يريد الخروج، لقد حبسونا هنا ولا نعرف لمَ؟

 

كان الوزير الأول يشعر بالخوف، وقد شعر الرئيس بذلك من نبرة صوته، واعتقد أن زوجي فهم كل شيء في هذه اللحظة، فحاول الاتصال بالسرياطي، لكنه لم ينجح في ذلك، لان مدير الأمن الرئاسي لم يرد. مباشرة بعد ذلك طلب الرئيس التحدث إلى فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب، الذي كرر له كلام الغنوشي نفسه «لقد اقتيد من قبل رجال ملثمين إلى الصالون الأزرق في قصر قرطاج من دون أي تفسير» والأمر نفسه بالنسبة لرئيس غرفة المستشارين وزير الداخلية السابق عبد الله قلال الذي لم يتوقف عن تكرار «سيدي الرئيس ما يحدث خطير للغاية، عليك أن تبقى حيث أنت».

 

ويبدو أن المحاولة ذاتها استهدفت رئيس المجلس الدستوري فتحي عبد الناظر، لكن هذا الأخير أغلق هاتفه، فلم يتمكن الملثمون من الإمساك به.

 

بدا جليا الآن أن الاشخاص الذين أجبروا أبرز أعضاء الحكومة على التنقل إلى قصر قرطاج، هم أنفسهم الذين حضّروا مقلب الطائرة لإبعادنا من البلد وعدم عودة بن علي.

 

اتصل بن علي هاتفيا بوزير الدفاع رضا قريرة، فوصف هذا الأخير الوضع في قوله «إنها كارثة، وقعت مجزرة هذا المساء والحصيلة ثقيلة جدا، عليك أن تبقى في المملكة العربية السعودية ليومين او ثلاثة ولا تعد أبدا قبل أن نتصل بك».

 

وأخيراً اتصل الرئيس بكمال لطيف، صديقه السابق الذي تحول إلى خصمه، لكن هذا الأخير اكتفى بالتعبير التونسي «لقد تقاسمنا الماء والملح واعتبارا لهذه الصداقة، أنصحك بعدم العودة».

 

أعاد بن علي الاتصال بوزير الدفاع كي يسأله عن الأسباب التي منعته من الحديث إلى السرياطي، لكنه فوجئ برضا قريرة يخبره بتوقيف مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي بسبب تورطه في الأحداث.

 

تحول مكتب الطائرة إلى خلية أزمة، حيث حاولت أنا وزوجي فهم الوضع وكنت أعرف من خلال المعلومات التي كانت ترد إلى بن علي بان أفراد عائلتي وجزءا من أفراد عائلته تم اعتقالهم، شعرت بالقلق وخفت من أن يكون القتل مآلهم فيما كان أبنائي قلقين، لكننا تجنبنا اطلاعهم على حقيقة الوضع.

 

في تلك الأثناء، انشغل خطيب حليمة بشد انتباه محمد بسرد قصص له، واللعب معه، كانا جائعين، ولكن لم يكن هناك أي شيء على متن الطائرة سوى بعض زجاجات المياه المعدنية التي جيء بها في آخر دقيقة.. وهما منهمكان في اللعب خرج زوجي من مكتبه وأعطاهما قطعة شوكولاتة.

 

الوصول:

 

حطت الطائرة في المملكة العربية السعودية بعد خمس ساعات من الطيران من دون توقف. كان مخطط الطيران مباشرا، ولم تكن لنا وجهة أخرى منذ الانطلاق، عكس ما قيل، فلا جربة ولا إيطاليا ولا ليبيا، كانت مبرمجة كمحطات للتزود بالمؤونة أو الكيروسين ولا حتى فرنسا لنستقر فيها.

 

كل الفرضيات التي طرحت، لم تكن سوى إشاعات فقط، استعملت لتكتمل عملية إخراج «فيلم» إبعادنا من تونس.

 

كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل بالتوقيت المحلي والعاشرة والنصف بتوقيت تونس، حين وصلنا. وقد تم استقبالنا مثلما يستقبل أي رئيس دولة، مررنا بالقاعة الشرفية وكان هناك موكب وسيارات رسمية لنقلنا.

 

بعد ساعة ونصف الساعة فقط، غادرت الطائرة من دون أن تنتظر زوجي.. لقد أُبعد الرئيس بن علي من تونس فيما اجتمعت شروط شغور منصب الرئيس، وقد تبين لنا ذلك بعد 24 ساعة من خلال تطبيق المادة 57 من الدستور التونسي، حيث عوض برئيس مجلس النواب فؤاد المبزع.

 

لم نستطع تصديق السيناريو الذي رسم لنا بعناية، فخلال عدة أيام كنّا نعتقد بأن الأمر يتعلق بتضليل من جهة ما، أو بفترة سيئة ستمر، وأننا سنعود من جديد إلى بلدنا.

 

حاول زوجي السيطرة على الأوضاع من جديد، فاتصل بوزرائه، الذين بدا بأن الأحداث قد تجاوزتهم، بما في ذلك الوزير الأول محمد الغنوشي، الذي بقي على اتصال ببن علي طيلة الأسبوع التالي.

 

كان الغنوشي، يكرر الجملة نفسها في الهاتف «لا نعرف من أعطى أمر ترحيلك، ولا نعرف لحد الآن هوية من جاء بنا بالقوة إلى القصر الرئاسي وليس لدينا أي فكرة عما سيحصل في البلاد».

 

بعد التساؤل والشك، دخلنا مرحلة الحزن والألم، لقد بقينا مصدومين طيلة الأيام التالية، كما ابتعدنا عن شاشات التلفزيون حتى لا نصدم أكثر من كم الاتهامات والشهادات المزورة.

 

بن علي يزور البوعزيزي:-

 

اشتدت الإشاعة منذ أكتوبر 2010، لكننا لم نأخذها بجدية، فمنذ تاريخ السابع عشر ديسمبر 2010، التاريخ الذي أقدم فيه محمد البوعزيزي على حرق نفسه، بدأت التظاهرات، لقد انطلقت في سيدي بوزيد وكانت المؤشرات تشير إلى أنها ستمتد إلى مناطق اخرى من البلاد. لم يكن بن علي يغادر مكتبه وكان يقضي أياما في التشاور مع وزيري الدفاع والداخلية، وأما أجزاء من الليل فكان يقضيها في الهاتف معهما أيضا.

 

أصر الرئيس على زيارة البوعزيزي حين أدخل إلى المستشارين عكس ما نصح به مستشاروه. ففي 28 ديسمبر التقط له كاميرات التلفزيون صورا إلى جانب سرير الرجل الشاب، الذي كان على قيد الحياة، عكس الاشاعات التي ترددت، وجاء فيها أن الرئيس كان يقف إلى جانب جثمان البوعزيزي.

 

كان الرجل يعاني كثيرا ولكن كان يعي ما يجري من حوله، حتى أن الرئيس اقترح نقله للعلاج في الخارج ويمكن أن يؤكد الأطباء، الذين كانوا حينها هناك هذا الأمر، لكن وضعيته كانت حرجة.

 

ولكن علينا في المقابل أن نطرح السؤال التالي: لماذا أدت وفاة محمد البوعزيزي نتيجة إحراق نفسه، إلى اشتعال الوضع في تونس وانتشار موجة التظاهرات تلك؟ وليس الشابان اللذان احرقا نفسيهما قبل أسبوعين في الموناستير؟

 

هل كان التوقيت غير مناسب لمن كانوا يدبرون المؤامرة. كانوا ينوون إشعال فتيل التظاهرات في منتصف ديسمبر حتى تستمر شهرا كاملا، كان البرنامج معدا من قبل، وكان تاريخ الرابع عشر من يناير مضبوطا كذلك.

 

أعتقد شخصيا أنه كان ينبغي التحقيق بدقة في قضية البوعزيزي، كان ذلك سيوضح لنا العديد من الحقائق، لكن ما وقع، قد وقع.

 

وُصف تنقل بن علي إلى المستشفى للاطمئنان على صحة البوعزيزي باعتراف بالضعف، فيما استعملت هذه المأساة الإنسانية كفتيل لإشعال تونس، على الرغم من أن الرئيس وبعد الزيارة استقبل والدة وشقيقة محمد البوعزيزي، اللذين سلمهما مبلغا ماليا معتبرا، قبلاه وشكراه عليه.

 

 

 

وهذه الأم نفسها ظهرت على شاشات الفضائيات، زاعمة أنها رمت المال في وجه الرئيس. . . بدون تعليق.

 

 

 

الضوء الأخضر في ديسمبر:

 

في نهاية ديسمبر، بدأت أياد خفية في إثارة الاضطرابات، وقد وصل إلى مسامع الرئيس بأن سيارة مؤجرة وسيارات أجرة وسيارات أجرة جماعية تستعمل في المسافات الطويلة، تجوب المناطق الداخلية وتقوم بتوزيع المال والقنابل المسيلة للدموع وأقراص مضادة للاكتئاب.

 

كانت النية مبيتة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المكالمات الهاتفية التي التقطتها أجهزة الاستخبارات الداخلية وجاء فيها «استمروا في ارتكاب أعمال عنف، ازرعوا الفوضى بمهاجمة أقسام الشرطة، وإحراق المقرات العمومية والبنوك والمحاكم وإطلاق سراح المساجين، الذين غادر البعض منهم إلى لامبيدوزا الايطالية، وقد روت مجموعة منهم كيف أنهم أُجبروا على مغادرة السجون عبر فتحات حُفرت لهم وقال هؤلاء إن العسكر من حرروهم استنادا إلى نوعية الأحذية التي كانوا يرتدونها.

 

امتدت الاحتجاجات إلى العاصمة تونس بتاريخ الحادي عشر من يناير، حيث انتشرت عصابات في الأحياء الحساسة وفي الضواحي الشمالية في الكرم وسلامبو، وبدأت في مهاجمة البيوت الخاصة وفي السيطرة على الطرق الفرعية للمدينة وبخاصة في الأحياء الفقيرة كحي التحرير وابن خلدون، حيث كانوا يشجعون الناس على التظاهر والقتل.

 

لجأ وزير الداخلية إلى نشر قوات كبيرة من الشرطة، لكن من دون فائدة، فيما تم الاعتداء على مقر التجمع الدستوري الديموقراطي، الحزب الحاكم. حينذاك لم يكن محمد الغرياني وكان أمينا عاما للتجمع، يملك ما يرد به الأذى عن نفسه، وقد اتُّهم لاحقا باستعمال مقرات الحزب لتخزين العصي والأسلحة البيضاء الموجهة لضرب المتظاهرين وزرع الذعر بعد مغادرة الرئيس، وألقي به في السجن.

 

وليس الغرياني الوحيد الذي عومل بهذه الطريقة.:

 

استمرت الخطة منذ الرابع عشر من يناير، فكلما تأزم الوضع وتظاهر المواطنون ارتفعت أصوات ضد قرار الفريق الجديد الموجود في السلطة، من خلال الإعلان عن إضرابات وتحطيم مبان والإعلان عن اكتشاف مخابئ للسلاح، وكانوا يرددون «رجال بن علي» و«عصابة الطرابلسية» او «حلفاء التجمع الدستوري».

 

كل هذه الأوضاع غذت الكراهية والشعور بضرورة الانتقام حتى ينعم البلد بالهدوء من جديد.

 

في المناطق الداخلية للبلاد مثل القصرين وتالة، أُعلن عن وجود جماعات غير معروفة في المنطقة، أحيانا كان يرتدي عناصرها زيا موحدا وكانوا يوزعون الأسلحة البيضاء والمال وكانوا يطاردون أفراد الشرطة لسرقة أسلحتهم.

 

في تلك الفترة التي كانت تونس تعيش خلالها الدمار، عيّن كمال لطيف، أحمد الفريعة كرجل للمرحلة.

 

يتبع....