غزة: أسرة تصرخ من بيت الصدأ والخوف، تشكو قهر الفقر (صور)

خاص – مكتب غزة –( شبكة راية الاعلامية)
عامر أبو شباب، يوسف حماد
بعزيمة الجبال تتحدث "أم هيثم" ولا تفارقها كلمة "الحمد لله" رغم الحزين العميق من ضنك الحياة، والحصرة التي تعصر القلب كليمونة فتسقي اسرتها حنان لذيذ.
أم هيثم (44 خريف) أم لـ 8 أطفال قاصرين، وشباب يافعين وزوج مريض، هم حولها كالفراش يدور حول الضوء.
باحة المنزل وجدرانه غير المكتملة أغنى عن 100 وصف، بيت يسمح بدخول الحيوانات الضالة من بابه.. فعلا عائلة "أبو ربيع" مثال خاص للفقر الشديد، فالبيت الصغير المتهالك نصفه حجارة والنصف الاخر صفيح وقماش بالي، فاذا كان الكتاب يعرف من عنوانه ففقر هذه الأسرة يعرف من بيتها الذي لايقي حر الصيف ولا برد الشتاء بدون باب محكم ولا جدران كاملة.
صحيح العائلات الفقيرة جدا كثيرة في محافظات قطاع غزة، لكن عائلة "أم هيثم" لا تشكو الفقر فقط، بل والخوف بما أنها تسكن المناطق الحدودية حيث جور العدو والصديق.. هنا تزيد صعوبة الحياة أثناء العدوان الاسرائيلي، لتصبح حياة الرعب والخطر وربما أكثر .
السيدة "رجاء" تسكن في بلدة بيت لاهيا أقصى شمال قطاع غزة قرب الحدود الاسرائيلية بمنزل يستره القماش وبعض الصفيح، وكأنه خيمة في عمق التاريخ والصحراء الا أنها تقول بثقة: " الحمد لله احنا احسن من غيرنا بكفي انوا احنا مستورين في ناس يمكن ما في عندهم خيش وقماش يغطوا دارهم فيه، وربنا كبير ان شاء الله بنصير احسن في المستقبل".. أنه الامل الذي يطيل العمل ويزيد من عمر المعركة مع الحياة.
واثناء الحديث الأقرب لموال وجع يتفحص نجلها الصغير وجه أمه الحزين، لتواصل هي "لا يوجد لنا دخل نجري ترميمات في منزلنا نحن نفكر في قوت اليوم فقط".
وتتحدث عن زوجها "أبو هيثم" المريض بالغضروف وغيره من الاوجاع التي منعته من العمل منذ 15 سنة ، تتحدث وتبتسم والقلب يخفي الدمع والغصة.
دخلنا شبه المنزل فوجدنا سطح المنزل المهترئ من الصدأ، ويظهر من بقايا بيت آثار القصف الاسرائيلي خلال جولات العدوان المتلاحقة، وليس الاحتلال الوحيد الذي يصيبهم بالخوف الشديد ويهدد المنزل البسيط، بل أن بعض الصواريخ محلية الصنع هي الاخرى مرعبة عندما تخطئ طريقها للعدو فتصيب الصديق، و يظهر جليا فجوات صغيرة خلفتها شظايا بعض القذائف المحلية.
وعن المدخول المالي والمساعدات، تقول السيدة الصابرة " 100 دولار كل 3 شهور"، فضلا عن المواد التموينية من وكالة الغوث " كابونات الأونروا" فقط.
وعن المساعدات الحكومية ردت، لا نتقاضى مساعدة الفقراء من وزارة الشؤون الاجتماعية التي تحتج لمنع المساعدات بوجود شباب في المنزل، حيث أصبح وجود شباب بدون عمل سبب لقطع المساعدات، تقول أم هيثم وتتنهد.
وفي تفاصيل الحاجة، و قبل أن تزور " شبكة راية الاعلامية" هذه الأسرة بأيام زارها بقسوة صاحب الدكان المجاور الذي يطالبهم بمبلغ 1200 شيكل منذ 6 شهور.
كما أن الأبناء لم يتمكنوا من دخول الجامعات المحلية بسبب الرسوم والمواصلات، أما الابنة المجتهدة فالتحقت بكلية دينية مجانية ولكن المواصلات كانت ثقيلة عليها مما دفعها الى أن تنسحب من الجامعة في الفصل الأول.
وعندما فتحت " ام هيثم" خزانة الملابس -وليتها لم تفعل- لم نجد بها سوى بعض الملابس القديمة جدا... من يرى تلك الملابس تتسارع الى مخيلته بدل المسؤولين التي يبدلونها صباح مساء وتشترى من أفخم العواصم بأموال الغلابى.
أبو هيثم (50 عام) لم يقدر على الانصات لأنين زوجته، وتحدث بألم "انا مخنوق كل يوم اكثر واكثر، وخاصة لمن يجيك صاحب الدكان ويقولك وين الدين، وعندما يطالبك ابنك بأي شيء .. فلا تستطيع، كل يوم الطلبات بتزيد".
الرجل اشتكى من عدم توفر فرص العمل لأن أرباب العمل لا يحبذون أن يعمل معهم رجل كبير ومريض، ويفضلون الشباب، كما اشتكى الرجل من ظلم المشرفين على بعض المساجد، الذين يوزعون المساعدات بدون انصاف، ويقول: "القريب من الطنجرة يأكل .. واحنا بعاد والله".
درجة الحرارة في المنزل لا تطاق كما يقول أصغرهم محمد ( 9 سنوات)، متمنيا أن يكون لديه مروحة، فضلا عن الحرارة ينتشر في البيت الحشرات بأنواعها خصوصا بعوض الليل".
ومع شكوى الأم ودموعها خلف العين.. قام الابن الأكبر "هيثم" هربا من أنين القهر و دوي الشكوى الموجعة، لكن أمه واصلت تشرح وتصف الحال تصر على مقاومة الفقر، وتحاول الصمود أمام معركة الحاجة.
هذا واقع أسرة غزية تمكنا من معرفة حالها الصعب .. فقر وهم تتعثر فيه الحياة بلا عون، و يوم بعد يوم يكبر همهم ويصغر ساسة الوطن أصحاب الحسابات الضيقة .. في معادلة يحاول فيها غربال الشعارات الزائفة أن يغطي شمس معانة الواقع، ويبقى الفقراء ينتظرون كرامة الرغيف أو مزيد من الجوع والألم.