ليلُ اللّيالي !

2010-07-20 11:38:00

راية نيوز: أسعدني أن أرى المسرح الوطني الفلسطيني وهو يتقدم خطوة أخرى في عمله، وذلك بعد مشاهدتي لأحد عروض عمله الفني الاستعراضي المسرحي الحكواتي الموسيقي في مدينة القدس، وبالذات في بقعة جميلة من مدينتنا المقدسة، يجهلها معظم سكان المدينة، ألا وهي حرش بيت أبينا ابراهيم في رأس العامود ، والذي يطل على منظر بانورامي جميل لمدينتنا المقدسة.كم طالبت في السابق، أن يبذل المال والجهد كي تتمكن القدس من انتاج عرض استعراضي فني جميل، يظهر حضارتنا ، يحكي بالفن الجيد ، واللحن الجميل، والملابس التقليدية الأخّاذة، والموسيقى الأصيلة قصة مدينتنا عبر العصور، ويكون مثل هذا العرض مفخرة لنا ، نتباهى به ونحن نقدمه في مسرح مقدسي كبير للسائح الأجنبي، والجيل الجديد من أبنائنا، لنقص عليهم حكاية حضارة وتاريخ وأصالة لأربعة قرون من الزمن .. لكن مثل هذا يتكلف الكثير من المال الذي لن تجد ممولا اجنبيا يموله، ولا ممولا عربيا يعي أهميته، ولا سلطة فلسطينية قادرة على التمويل ، أو تشعر بأن الثقافة هي أولى الأولويات التي يجب أن تسبق ألأمن !استمتعت بليل الليالي ، الذي قدمه المسرح الوطني وفرقة لاباركا الفرنسية، بمشاركة فرقة أكوزال الفرنسية وهي فرقة استعراضية تقوم بحركات بهلوانية جميلة ايضا، وفرقة ليالي زمان وهي فرقة موسيقية من الناصرة تتخصص بفن الطرب الأصيل ، والتأليف الموسيقي لملحنين لبنانيين، وممثلة امريكية، ومخرج مبدع فرنسي لبناني الأصل هو نبيل الأظن، الذي تمكن بهذة التشكيلة المتباعدة الأماكن والجذور من أن يقدم لنا عملا شيقا أصوله في قصص ألف ليلة وليلة ، وقدمه في مواقع مكشوفة في الهواء الطلق، سواء في جامعة النجاح بنابلس، أو في حرش دير ابونا ابراهيم براس العامود في القدس، أو سيقدم بعد أيام قليلة في ساحات البلدة القديمة في بيرزيت . وبالتأكيد فإن هذا المخرج، والذي سبق أن أخرج عرضا أو أكثر لمهرجانات بعلبك اللبنانية، قد قدم لنا توليفة جميلة متنوعة من الفنون في عمل واحد متناسق مترابط.قص علينا فنانون كبار مثل كامل الباشا وجمال سعيدة ونسرين فاعور والممثلة الامريكية اللبنانية الاصل تاريزا عمون بطريقة حكواتية مبسطة قصة من قصص ألف ليلة وليلة، وأدخلوا بها بعضا من خفة الظل الى الرواية، أو حتى الخروج عن نص القصة القديم، لينتقدوا الروتين الحكومي لسلطتنا الفلسطينية، وخاصة فيما يتعلق بوزارة المالية وموظفيها، أو عدم وجود مرجعية واحدة صاحبة قرار، كما كان في عهد هارون الرشيد وأيام عز بغداد .. وبدا لنا أن مؤامرات قصور الخلفاء والوزراء والولاة والامراء أيام زمان، لم تتغير حتى يومنا هذا. وقدمت لنا فرقة ليالي زمان، عزفا وغناء جميلا، يتناسب مع الحدوتة ، لملحنين لبنانيين عادا بنا الى فن الاصالة ، وأبعدانا عن موسيقى هذه الايام الهابطة، وأعطوا فرصة للراقصين كي يقدموا رقصا استعراضيا غير مبتذل ، يذكرنا بأصولنا العربية وانتمائنا لها، واستمتعنا مع لاعبة أكروبات فرنسية ، عبرت لنا بفنها، عن الغولة التي تتلوى بحركات تظهر ما يمكن أن يكون عليه جسدنا من ليونة، بدل تهدل كروشنا .. وقدمت لنا أداء متميزا يتناسب مع النص، وشاركها أعضاء فرقتها الآخرين بتقديم استعراضات تلفت الانتباه ، وشاركهم مجموعة من خريجي مدرسة المسرح الذين تعلموا الفن المسرحي في الحكواتي بالقدس.جميل أن نرى المسرح الوطني الفلسطيني يتطور خطوة بعد أخرى في السنوات السابقة، ويقدم لنا أعمالا فنية قيمة عالية التكاليف، وهو بالتأكيد ما لا تستطيع تقديمه فرق أخرى في وطننا الحبيب، وأستطيع تقدير الجهد الاداري الكبير المبذول من قبل مدير المسرح وطاقم الفنيين لديه، ومع تقديري لهذا الجهد أشعر بأسى ولوعة ، وأنا أرى أن مثل هذا العمل الكبير يقدم في خمسة عروض فقط، اثنان منا في مدينة نابلس واثنان في القدس وواحد في بيرزيت ، وكم كنت أتمنى أن تكون العروض أكثر ، وفي أماكن أخرى من وطننا الحبيب، حتى يتمكن أكبر عدد من أبناء هذا البلد من مشاهدة وتذوق فن يعيدنا الى جذورنا وأصولنا. كم أتمنى أن نتمكن فلسطينيا من انتاج أعمال كبيرة جميع أبطالها فلسطينيون ، حتى يتم عرضها عروضا أكثر، حتى تتنقل من مدينة الى أخرى، وتصل كل تجمع سكاني فلسطيني ، فأهل فلسطين يستحقون أن نعتني بهم أكثر، ونرفه عنهم أكثر ونقدم لهم أينما كانوا نموذجا لفن تراه شعوب العالم الراقية ، وتحرمنا منه الحواجز والجدر والاحتلال والسجون .وأعود مرة أخرى لأتمنى أن نتمكن يوما ما من تقديم تراث القدس وحضارتها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها في عمل فني استعراضي، يستحق الدوام والاستمرار عرضا بعد عرض، واسبوعا بعد اسبوع وسنة بعد سنه ، أتمنى أن يكتب قصة هذا الاستعراض ويقوم بتلحينه وغنائه وتقديمه وتمثيله أبناء هذا البلد، الذين يعرفون حكايتها كما يقول المثل الشعبي المقدسي القديم :" من طقطق لسلام عليكم!"