حقوق الإنسان والازدواجية الأمريكية!

2010-08-05 09:53:00

رايه نيوز: من الدراسات والتقارير داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها مؤخرا يؤكد نهاية حقبة حقوق الإنسان من حيث أن الإدارة الحالية أخذت تفصل نفسها عن سياسة تشجيع الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط‏.‏

كما تستشهد مقالات في الواشنطن بوست والنيوزويك بالعديد من الأمثلة التي تظهر تحول الإدارة نحو التطبيع في واقعها السياسي‏,‏ بمعنى التركيز على الحفاظ على السلطة بدلا من تشجيع المبادىء‏،‏ مما يشكل حسب الزعم نهاية حقبة حقوق الانسان وحلول حقبة من الواقعية لم يشهد لها مثيل منذ زمن بعيد‏.‏

فهل الإصلاحات الديمقراطية ومبادىء حقوق الإنسان في موقع ثانوي بالنسبة للرئيس الأمريكي وإدارته ؟

مما لاشك فيه أن الرئيس أوباما أحدث تحسنا ملحوظا في الخطاب الرئاسي حول حقوق الإنسان والديمقراطية‏,‏ مقارنة مع سلفه الرئيس بوش‏.‏ ففي سلسلة من الخطابات التي ألقاها حول العالم‏،‏ قدم أوباما رؤية قوية ومقنعة‏,‏ حيث استخدم كل الكلمات المناسبة للتشديد على رأيه بأن مشاغل حقوق الانسان والديمقراطية هما عنصران جوهريان في سياسته الخارجية‏.‏

ففي خطابه في القاهرة في حزيران ‏2009,‏ سلط الضوء على أهمية حرية المعتقد الديني وحقوق المرأة‏،‏ كما غابت مصطلحات الصراع والضغط والثنائيات التقليدية‏(‏ محور الشر والخير‏)‏ لتحل محلها مفردات أخرى من قبيل الشراكة والتكامل والتصالح وتشجيع الديمقراطية‏.‏

لكن يبدو أن عمل إدارة أوباما من أجل حمل بعض الحكومات المتشددة على احترام حقوق الإنسان والديمقراطية متهاون في بعض الحالات‏,‏ مما يثير مخاوف من أن الولايات المتحدة لا تزال تطبق معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بمواجهة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان من جانب حلفائها المهمين‏.‏ ففيما يخص النزاع الفلسطيني‏/‏ الإسرائيلي‏,‏ كان سجل الإدارة متفاوتا‏.‏ فقد أعلن الرئيس أوباما إن الولايات المتحدة لا يمكنها قبول شرعية المستوطنات الاسرائيلية المستمرة‏،‏ لكن الإدارة تراجعت عن إصرارها على وقف اسرائيل كل عمليات البناء الجديدة‏.‏

في الواقع‏،‏ يعتبر هذا النزاع محك الاختبار للسياسة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان‏,‏ خاصة أن لدى إسرائيل مجموعة فريدة من التهديدات الأمنية والطموحات أفرزت سياسات لا تتفق مع أجندة أوباما الأوسع‏,‏ ومن بينها سعيه إلى وقف انتشار الأسلحة النووية‏,‏ وإصلاح العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي‏.‏

وفي خطاب آخر للرئيس الأمريكي في أكرا في تموز ‏2009,‏ قال لابد من الشفافية وحكم القانون وممارسات سليمة للديمقراطية‏،‏ كما أضاف بأن أفريقيا ليست في حاجة إلى رجال أقوياء بل الى مؤسسات قوية‏,‏ مثل قوات شرطة نزيهة‏،‏ وبرلمان قوي‏،‏ وصحافة مستقلة‏.‏ غير أن هذه المقاربة لم تفرز ضغطا مستديما‏،‏ لا على الرئيس الرواندي بول كاجامي ولا على رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي حتى يغيرا الاتجاه‏.‏

وكثيرا ما انتقد أوباما لما اعتبر موقفا متهاونا مع الصين‏,‏ المتهمة بالتضييق على حقوق الأقليات في التبت وكسينكاينج‏،‏ وهذا ما جعله يدعو الصين إلى حماية حقوق الإنسان‏,‏ خاصة لأقلياتها‏,‏ في خطاب شنغهاي‏،‏ وقال في جلسة مع مسؤولين محليين وشباب أن بلاده لا تحاول فرض نظام سياسي على أي بلد‏,‏ لكننا نعتقد أيضا أن المبادىء التي ندافع عنها لا تخص أمتنا فقط‏,‏ وحدد أوباما بعض الحقوق التي يريد أن ترتقي بها الصين ومنها حرية العبادة والمشاركة السياسية والوصول الحر إلى المعلومات‏.‏ ولكنه بالرغم من أنه لامس النقاط الصحيحة حول أهمية احترام حقوق الانسان عند زيارته الصين‏,‏ إلا أنه أضعف رسالته عندما أخطأ الجواب على سؤال حول الرقابة التي تفرضها السلطات الصينية على الإنترنت عبر القول إن الإنترنت يمكن أن يمثل تقليدا مختلفا‏,‏ وليس انتهاكا سافرا لحرية التعبير‏.‏

أما الحدث الجلل الذي وجه من خلاله مراقبون من داخل الولايات المتحدة وخارجها انتقادات واسعة للرئيس أوباما‏,‏ هو تقليص إدارته للدعم المادي المخصص لمجالي الديمقراطية وحقوق الانسان بمنطقة الشرق الأوسط في ميزانية‏2010‏ ـ‏2011.‏

على الرغم من خفض الدعم الأمريكي للديمقراطية في بعض الدول العربية إلا أنني أتصور أن تشجيع الديمقراطية مازال يشكل أولوية لإدارة الرئيس أوباما‏,‏ فتخفيض الدعم لا ينفي القلق الأمريكي الصريح بشأن قضية الإصلاح السياسي‏.‏ كما أزعم أن الإدارة ستعمل على تدعيم الحريات المدنية‏.‏ فالإدارة الأمريكية الحالية رأت أن الإدارة السابقة كانت قد حولت أموالا واسعة من برامج ضرورية جدا‏.‏ فتخفيض أو إلغاء البرامج المكرسة لتنمية البنية الأساسية والرعاية الصحية والزراعة من أجل رعاية مؤتمرات الإصلاح السياسي لا يفعل سوى القليل لدفع عجلة قضية الديمقراطية‏.‏

أضف إلى ذلك‏،‏ إن إدارة الرئيس الأمريكي تفضل استراتيجية لتشجيع الديمقراطية تعتبر التنمية الاقتصادية والإصلاح السياسي أهدافا مكملة‏,‏ والدليل على ذلك هو دعمها لمؤسسة تحدي الألفية‏,‏ وهو صندوق تنموي‏،‏ تعمل الأموال التي تدار من خلاله على ربط مستويات المعونة مع نوعية حاكمية الدول التي تتسلم المعونة ومؤسساتها‏،‏ بمعنى أن تلك المؤسسة تقوم على فرضية أن المساعدات تصبح أكثر فاعلية إذا عززت من الحكم الرشيد‏,‏ والحرية الاقتصادية‏،‏ والاستثمار في البشر‏.‏

وخلاصة القول‏,‏ إن أوباما يؤمن بتوجه أقل قلقا بالشكل وأكثر اهتماما بالمضمون‏,‏ وهذا ما يجعل سياسته مدروسة‏,‏ تعتمد على التنمية الاقتصادية ودعم المؤسسات التي تسمح لمجتمع ديمقراطي بأن يتطور‏.‏ كما أن إدارته تؤمن بأن الحكومات الخارجية أو المجتمع المدني العالمي لا يستطيع فرض التغيير‏،‏ ولكنها في نفس الوقت تشجع وتوفر الدعم والسلامة لحماية الناشطين في حقل حقوق الانسان والديمقراطية عندما يواجهون مشاكل،‏ وهذا ما جعل إدارة أوباما تستعمل أدوات مثل الصندوق العالمي للمدافعين عن حقوق الانسان الذي وفر خلال السنة الماضية مساعدة قانونية هادفة وإعادة توطين إلى‏170‏ مدافعا عن حقوق الإنسان حول العالم‏.‏