كائـن على الكائنـات!

2010-08-16 07:52:00

رايه نيوز: تركت الأفعى على الاسفلت زيت قلبها. هكذا قلت في صبيحة اليوم التالي. أو تركت على الاسفلت عسل نابها.. هكذا قلت في عصر اليوم التالي.
في مساء سبق، كانت الأفعى قتيلة أولاد لا يحسنون القتل. ذنبها يتحرك بنشاط؟ هذه سكرات موت الجملة العصبية!. رأسها يتحرك ببطء؟ هذا نزاع الموت.
لو رحمتها لكافأتها بـ "معسة إجهاز" على رأسها.. لولا هذه "الكهرباء" التي تسري في جسمك عندما تهشم عظام كائن حي تحت وطأة حذائك. رحمتي بنفسي قالت لي أن أترك الأفعى الجريحة لموت العذاب البطيء؟!
رقطاء كانت أو لم تكن؟ مجلجلة كانت أو خرساء. لا أدري. كنتُ ولداً وكنت أقتل الأفاعي حتى الموت.. وها أنا أبخل بـ "معسة إجهاز" على أفعى ثخينة الجراح من حجارة ثقيلة التقطها الأولاد من السنسلة.
صباح اليوم التالي، كانت الحجارة أكثر. هناك من أشبع الأفعى موتاً صباحياً، بعد أن قضت ليلة ليلاء من عذاب سكرات الموت.
الجثة اختفت، وأنا أكملت المعروف بإزاحة الحجارة من على الاسفلت الأسود الجديد من "الدول المانحة".
بقيت تلك البقعة. سهل أن تقول: هذا دم القتيلة. سهل أن تظن: هذا سمّها الرعاف.
عادة، أخبط الأرض بقدمي، وأحرك الأعشاب.. ثم التقط حبتي تين "دَفـور". أخاف أفعى ما، منذ تلك "الرعدة" التي شعرت بها، بينهما رأس أفعى "بقرقش" تحت نعلي.
ü ü ü
لسعة سبع "زلاقط" في قوة لسعة الدبّور الأحمر. لسعة سبعة دبابير حُمر في قوة لسعة العقرب.. هكذا كان الأولاد يقولون.
كانت "الزلاقط" أكثر من الذباب عدداً في موسم العنب، أو كان "العنب الدوماني" فائق الحلاوة. وفي موسم العنب الدوماني في غوطة دمشق، كنا نشن حرباً لا هوادة فيها على أعشاش "الزلاقط". دون مبرر أو استفزاز.
"الزلقطة" هي نحلة العنب، كما نحلة الزهر "زلقطة" العسل. إنها نوع من النحل البري مخططة بلونين: الأصفر البراق والأسود الداكن. تغير طفيف في توزيع اللونين يعتبر إشارة الى ذكورة "الزلقطة" أو أنوثتها.
وكر الزلاقط، أو أعشاشها، صورة محاكاة هندسية لعنقود العنب، وتصنعه نحلة "الزلقطة" من الطين.
بالعصي الطويلة نشن "حرب إبادة" على أعشاش النحل البري؛ وبالنار نبيد أسرابها بعد أن "ننعر" أعشاشها فتخرج مذعورة من موت محتمل الى موت شبه مؤكد.
وفي موسم العنب ترى وجوه الأولاد منتفخة بلسعة "زلقطة" أو لسعة "دبور"، وأحياناً جفون العيون مطبقة.
لسعتني الزلاقط كثيراً، والدبابير أقل. نلت جزائي عن جرائم القتل في عمر الطفولة. يبقى ثأر العقرب والأفعى.
üüü
لا يزال النمل هو النمل.. إلا واحداً. أبحث عنه فلا أجده. نوع كبير من النمل، أو النوع الكبير. نوع سريع من النمل، أو أسرع نوع.. حتى أنه يركض مثل العقرب المستثارة.
كنا نسميه "نمل الجمل" ربما لأن له سناماً أو ما يشبه الذيل المرفوع أبداً.
إنه نمل يلسعك إذا ضايقته، دون قصد، وللسعته وقع وخزة خفيفة من إبرة الخياطة.
النمل الصغير يجر حبة القمح وئيداً وفي الاتجاه المعاكس لاتجاه رأسه. وأما هذا "نمل الجمل" فهو يرفع حبة القمح ويركض بها بسهولة، كما تفعل الجرافة الحديدية.
إذا كانت "الزلاقط" نحل العنب فائق الحلاوة، فإن "نمل الجمل" هو نمل موسم حصاد القمح والشعير.
قليلاً ما صرت أرى نحل العنب. قليلاً ما صرت أرى "نمل الجمل".. والفراشات لا تزال الفراشات في كل ربيع. ويخيّل إليّ أن ألوانها أزهى.. وأعدادها أقل.
üüü
بقيت غريزة القتل تلقائية تجاه عنكبوت البيت، الصغير منه والكبير. كل هذا الجسم المديد ينكمش فجأة الى هذا الهشيم الصغير.. دون أن تشعر بتلك "الرعدة"،
عندما تسحق بقدميك رأس أفعى عمداً، أو تدوس عفواً، في الليالي الماطرة على هذا المحار الجبلي الحلزوني. يسمونه "البزّيق" ويأكلونه في بعض البلدان مسلوقاً، أو مشوياً. تذوّقته قاهراً قرفي الطفولي.
.. وعلى الشاطئ الرملي، على عمق ثلاثة أمتار، تراه يسخر من طريقتك في الغوص، ربما كما تسخر الأفعى من طريقتك في المشي. تحرّك ذيلها جرساً لتحذرك، فتظنها تقهقه ضاحكة.. فتقتلها بسبب ودون سبب!