من يقول لا

2010-08-17 08:16:00

رايه نيوز: من غير المرجح أن يكون رفض الرباعي الحكومي الإسرائيلي لبيان الرباعية الدولية حول إطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيلين سبباً في عدم إصدار البيان ــ مثلا ــ وان كان يهدف إلى عرقلته والتأثير عليه، لجهة صدوره بصورة ضعيفة مثلا، لا تلبي طموح الفلسطينيين في تحديد مسألتي المرجعية ووقف الاستيطان، أو لاحقا في إضعاف دوره كمرجعية للمفاوضات، على قاعدة أن إسرائيل رفضته، ورغم ذلك جرت المفاوضات .
ولأن الأطراف الدولية بما فيها واشنطن ـ تورطت ـ وأعلنت عن أن الرباعية الدولية ستعلن بيانا، سيكون بمثابة حفظ ماء الوجه للفلسطينيين، متوازن يأخذ بعين الاعتبار المواقف السابقة للمجموعة الدولية، أي لا يستند فقط، كما عول على ذلك الفلسطينيون، على بيان الرباعية في آذار الماضي، فان المعركة دارت خلال الأيام الأخيرة حول مضمون هذا البيان، وما تأكيد الجانب الفلسطيني لمساعد المبعوث الأميركي جورج ميتشيل، ديفيد هيل، إلا دليل على ذلك، حيث تباينت المواقف الفلسطينية، الأميركية والإسرائيلية حول أهمية وطبيعة ومن ثم دور هذا البيان.
الجانب الفلسطيني يريده واضحاً وقوياً، يحدد مرجعية المفاوضات، وسقفها الزمني، وما ستؤول إليه ( دولة فلسطينية على حدود 67 ) ووقف للاستيطان، فيما أعلن الأميركيون أن البيان متوازن، أي انه سيدعو الطرفين إلى بدء مفاوضات تؤدي إلى دولة على حدود 67، دون إشارة للسقف الزمني، والى تجديد القرار الإسرائيلي بتجميد الاستيطان، فيما الإسرائيليون يردون مجرد توجيه دعوة لإجراء المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة، وهذا ما أكده موقف السباعي الحكومي برفضه لبيان الرباعية قبل أن يصدر.
الموقف الإسرائيلي يريح الفلسطينيين قليلاً من الضغط الذي مورس عليهم لقبول إجراء المفاوضات المباشرة دون وقف صريح وتام للاستيطان، ويوجه الضغط على الجانب الأميركي، ولكن إلى حين، ذلك أن الخشية أن تتابع إدارة الرئيس أوباما سياستها تجاه الجانبين، حيث مارست ضغوطا على نتنياهو، وحين صمد في وجهها، مستندا إلى جبهة داخلية متماسكة، حيث فشلت محاولات التأثير على ائتلافه الحكومي، وجهت الضغوط للجانب الفلسطيني، الذي ما زال يؤثر عليه سلبا الانقسام الداخلي، ورغم ما أبداه أبو مازن من شجاعة، إلا أن الموقف العربي خذله، حيث لم يجرؤ العرب بمن فيهم ـ سورية وقطر ـ على قول " لا " للأميركيين، ثم خذله الوضع الداخلي، الذي عجز حتى عن إطلاق مظاهرات تأييد له، ترفض الضغط الأميركي.
على الطريق ـ رغم كل ذلك ـ أنجز الجانب الفلسطيني تقدماً أو انه اظهر تماسكاً ما، ذلك أن صدور البيان بحد ذاته يعتبر انجازاً، رغم أن البيان لا يرتقي إلى مستوى قرارات الأمم المتحدة، ورغم أن ثمنه باهظ، التراجع عن التوجه لمجلس الأمن وتقديم مشروع قرار يعلن حدود الدولة الفلسطينية، وبعد أن كان الحديث يجري عن تزامن في إطلاق المفاوضات وإصدار البيان، اتضح بان البيان سيصدر أولاً، وان وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين اشتون، أعلنت أن الشروط التي تضمنها بيان الرباعية في موسكو في آذار الماضي ستكون محور رسالة الرباعية، وان البيان سيتضمن وقف الاستيطان بما في ذلك القدس، التوصل إلى اتفاق شامل في غضون 24 شهراً، يسفر عن إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 .
الرفض الإسرائيلي لبيان الرباعية الدولية، يمنح الجانب الفلسطيني هامشا من المراوغة، ذلك انه أعلن انه سيعود للجامعة العربية، لأخذ رأيها، وكما هو معروف فان قرار الحكومة الإسرائيلية بتجميد البناء في المستوطنات ينتهي في 26 من أيلول القادم، ولا احد يضمن ما لم يكن هناك مرجع دولي، أو موقف لراعي المفاوضات، يضمن أن تجدد الحكومة الإسرائيلية هذا القرار بعد إطلاق المفاوضات المباشرة، وما يؤكد ذلك أن كلا من الشريك الثاني في الائتلاف الحكومي ( إسرائيل بيتنا ) بزعامة افيغدور ليبرمان، وحتى نتنياهو نفسه أكدا انه لن يكون هناك قرار بتجديد التجميد، طبعاً ربما كانت تلك التصريحات في حينها تكتيكا سياسيا، لكن في حال تحرر الإسرائيليون من الضغط، فلا احد يمكنه أن يضمن أن لا يتعلل المفاوض الإسرائيلي بتلك التصريحات، خاصة وانه حينها لا يمكن إجبارهم على ذلك، فيما لن يحتمل المفاوض الفلسطيني تبعات الإعلان عن وقف المفاوضات مثلاً .
كان يمكن لموقف فلسطيني داخلي مسؤول يعلن إنهاء حالة الانقسام ـ لو بالشكل ـ من خلال تمرير مثلا الورقة المصرية كإطار عام للمصالحة، وفتح معبر رفح بوجود حرس الرئيس الفلسطيني، أن يعزز من صلابة الموقف الفلسطيني، وكان يمكن لموقف عربي مسؤول، تكون رافعته دول الممانعة ( سورية بالأساس وقطر ) أن تقول لا للضغط الأميركي، لكن رغبة خصوم أبو مازن في جره للوحل، أو رؤيته ( يسقط تحت الضغط الإسرائيلي والاستجابة الأميركية له ) يعتبر تخاذلاً وخذلاناً للشعب الفلسطيني، ذلك أن الخصومة السياسية داخل الإطار الفلسطيني لها خطوط حمراء، عند مواجهة العدو الإسرائيلي، وفي داخل الإطار العربي أيضا، حيث يعتبر " سقوط " السلطة الفلسطينية في معركة المفاوضات نكسة للعرب وكارثة على الفلسطينيين، تماما كما تعتبر هزيمة سورية أو حزب الله أو "حماس" لحرب محتملة مع إسرائيل نكسة وكارثة على العرب وعلى الفلسطينيين جميعا .
مع ذلك، فانه يمكن الضغط على الجانب الإسرائيلي، وقد اتضح انه بتماسك الموقف الفلسطيني وقدرته على المبادرة بتقديم الاقتراحات، استطاع أن يفرض واحداً من ثلاثة اقتراحات ـ بيان الرباعية الدولية ـ والرفض الإسرائيلي للبيان يجيء كتعبير عن وجود ثقوب في الموقف الإسرائيلي يمكن استثمارها، وفي هذا السياق لا بد من لحظ الحراك الداخلي في إسرائيل، وفي معسكر اليمين بالتحديد، حيث ازداد التأييد لحل الدولتين، بعد ان بات تعذر هذا الحل، يفتح الباب واسعا على حل الدولة الواحدة، ثنائية القومية، وهذا ظهر في اقتراحات وزير الدفاع الليكودي الأسبق موشية أرينز .
لا بد من النظر في الوقت ذاته إلى حالة التسخين التي تقوم بها إسرائيل على جبهاتها في الشمال والجنوب، حيث ربما يغريها الانحناء الأميركي لشروطها ومواقفها إلى شن حروب وبغض النظر أن كانت واسعة أو خاطفة على غير طرف، وذلك لجر أميركا والغرب إلى حرب إقليمية، لا تبقي على من يقف في وجه " إقامة إسرائيل الكبرى" على حدود فلسطين التاريخية، على اقل تقدير، حيث يفكر الإسرائيليون في اليمين، بان الدولة الواحدة ممكنة، دون أن يعني ذلك أن تكون ثنائية القومية بالضرورة .