حائرون مترددون ، منقسمون ، عاجزون
رايه نيوز: الفلسطينيون حائرون مترددون ، منقسمون ، عاجزون ، رافضون وموافقون ، مقاومون ومفاوضون ، أشبه بمن فقد القدرة على الرؤية فأحتاج لمن يمسك بيده ويوصله الى بر ألأمان ، والفلسطينيون مستقلون وتابعون ، وتائهون ، ومواطنون ومغتربون ، هذا هو الحال الذى وصلنا فيه بفعل خلافتنا وإنقسامنا ، الكل يتربص بالأخر يريد له الفشل حتى يقول أنها على صح ، فالموقف الصحيح والخيار السليم يقوم على فشل ألأخر الفلسطينى وليس على نجاح الخيار نفسه ، هذا فى الوقت الذى فيه الحقائق على ألأرض واضحه ولا تحتاج الى دليل ، فيكفى أن يكون هناك أحتلال حتى يجعل القرار والموقف والخيار الفلسطينى واضحا ومتحدا ، ألا يكفى أن نقارن حالنا بالوضع فى داخل أسرائيل ، نفس المشاكل والتحديات ، ولكن الموقف السياسى كله متحد داخل الحكومة أو خارجها ، أسرائيل لا تعرف المعارضه فيما يتعلق بقضايا أمنها وبقائها ووجودها وحتى من المفاوضات .اما على الجانب الفلسطينى وهو ليس أى طرف ، بل الطرف الرئيس فى معادلة الصراع ومعادلة المفاوضات ، فالوضع مختلف تماما حالة من التشرذم وألأنقسام والتشتت فى القرار والرأى ، وعندما نعجز نبحث عمن يتخذ القرارعنا . هل نذهب للمفاوضات أم لا ؟ هل نقاوم أم نفاوض ؟ هل نحل السلطة أم نحافظ عليها ؟ هل نريد دولة أم مقاطعات ؟ هل نريد المصلحة الوطنية أم مصلحة التنظيم ؟ وهل وهل وهل لاتنتهى ؟
فى هذه ألأجواء السياسية القاتمه يتجدد الجدل والخلاف حول مستقبل السلطة الفلسطينية ، والتلويح بحلها فى وجه الضغوطات التى تمارس على الرئاسة الفلسطينية للذهاب الى المفاوضات المباشرة ، وكأن حل السلطة هو المخرج لكل مشاكلنا ، وكأن حل السلطة هو العصا السحرية التى قد تجلب لنا كل الحلول للمشاكل السياسية وألقتصادية حتى مشكة الكهرباء العاجزين عن حلها ، فكيف لنا بحل السلطة الفلسطينية .
. من السهل جدا إتخاذ القرارات بحل السلطة ، ولكن المهم من له حق حل السلطة ؟ وهل من بديل لحل السلطة ؟ وما هى إنعكاسات إتخاذ القرار ؟ وهذا يقودنا الى التساؤل المنطقى ما هو أساس هذه السلطة وما هو مصدر شرعيتها ؟ وماذا تشكل بالنسبة للمواطن والقضية الفلسطينية ؟ وهل حل السلطة يعنى العودة للإحتلال ؟ وهل حل السلطة يعنى الذهاب الى ألأمم المتحده وتسليمها القضية المسؤولة عن قيامها ، والمسؤولة أيضا عن تنفيذ قراراتها الخاصة بالقضية الفلسطينية وخصوصا القرار الخاص بالدولة الفلسطينية رقم 181
،
وأعود وأتساءل ثانية هل يشكل خيار حل السلطة الخيار ألأفضل وألأمثل فى ظل المعطيات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية السائده ؟ وهل بمجرد حل السلطة ستحل مشكلة ألأنقسام وكذلك مشكلة الإحتلال ؟ أم أنها ستعيد أسرائيل كسلطة أحتلال مسؤولة عن أدارة كل ألراضى الفلسطينية ؟ ولعل السؤال الأهم الذى ينبغى التذكير فيه فى حال حل السلطة ، ما هو مستقبل قطاع غزة ، ؟ وهل ستتحول السلطة من الضفة الغربية الى غزة ، على أعتبار ان سلطة الضفة غير شرعية ، وبالتالى تعود الشرعية الى مكانها الطبيعى فى غزة ؟ وهذا هو نهايى المطاف للقضية الفلسطينية ، دول أو دويلة صغيرة فى غزه بديلا عن الدولة الفلسطينية ، وأما مصير الضفة الغربية ليس صعبا ، يمكن البحث عن حلول له سواء مع ألأردن أو مع أسرائيل ، أو حتى بمنح السلطة فيها والتي ستتحول الى هيئات ومؤسسات درجة متقدمه من ألادارة الذاتية ؟ أسئلة شرعية تحتاج منا جميعا الى إجابات على الصعيدين الرسمى وغير الرسمى .
فى السابق أدركت إسرائيل كنه ومدلول أن يكون للفلسطينيين سلطة ومؤسسات سياسية ، وكينونة سياسية تخاطب مواطنيها وتتواصل مع العالم ، وتتجسد داخلها الهوية الوطنية والسياسية الفلسطينية ، وتشكل إطارا عاما للحركة السياسية ، ولذلك قامت بحملة تصعيد منتظمه ومتواصله لإجهاض بنية هذه السلطة ومؤسساتها بضرب بنيتها التحتية تارة ، وإتهامها بالعنف تارة أخرى ، وعدم قدرتها على التفاوض تارة ثالثه ، والهدف من وراء كل هذه الإجراءات واضح ومحدد إثبات أن السلطة الفلسطينية غير مؤهله سياسيا ولا يمكن أن تشكل نواة حقيقية لدولة مستقله ، ولذلك سعت على تقزيم السلطة وتجريدها من صلاحياتها السياسية والسيادية ، وسلبها لقدراتها المالية ، وتقييد حركتها على الأرض . ولم تتوقف هذه الحملة بل تصاعدت بشكل ملحوظ مع فوز حماس فى ألإنتخابات وتشكيلها الحكومة الفلسطينية لوحدها الحكومة أولا ولحكومة الوحدة ثانية ، فحجبت عنها الأموال الفلسطينية ، ومارست مع المجتمع الدولى حصارا ماليا وسياسيا ، والهدف من ذلك مزدوج إبعاد حماس عن الحكومة ، وإضعاف الحكومة وجعلها فى حالة من التبعية الدائمة لإسرائيل . ولا ننسى أيضا أنه ليس من مصلحتها نجاح التجربة الديموقراطية الفلسطينية ، كل ما تريده وتأكيده أن الفلسطينيين غير ناضجين سياسيا وغير مؤهلين لإدارة أنفسهم وأنهم مجبولين على العنف وعدم قبول ألأخر . هذا ما ينبغى أن يدركه الفلسطينيون . ويتجدد المشهد نفسه من خلال التهديد بوقف المساعدات عن السلطة ، والتلويح بحق ألأعتراض ألأمريكى فى حال الذهاب الى مجلس ألأمن لأستصدار بقيام الدولة الفلسطينية أستنادا الى القرار
181، إذا لم يذهبوا الى المفاوضات المباشرة . وهنا أسارع وأنبه ألى أن المفاوضات قد تكون حالة زمنية مؤقته ، أم السلطة فحالة بناء وكينونة سياسية ثابته ينبغى الخفاظ عليها.
الفلسطينيون بدورهم دخلوا فى حقبة أو مرحلة صعبة من الصراع والقتال الداخلى ولا أعتقد أنه صراع حول الثوابت الوطنية فالكل متمسك بها ، ولكنه صراع الحكم والسلطة . ولذلك السؤال هل لو فشلنا فى إدارة الحكم أن يتم حل السلطة ؟ ولا شك أن من شأن هذا ألإقتتال أن يعصف بكل الإنجازات السياسية التى حققها الشعب الفلسطينى بفضل مقاومته وتضحياته ، وهنا لماذا التمسك بالسلطة والحفاظ عليها ، وما هى الخيارات ألأخرى المتاحة أمامها ؟
يستوجب الحديث عن السلطة السياسية الفلسطينية أن أشير الى عدد من الملاحظات البديهية التى ينبغى أن نتفق حولها وإلا فقد الحوار مغزاه ، أولى هذه الملاحظات أنه لا خلاف حقيقى حول مفهوم المصلحة الوطنية لدى الجميع ، وقد يكون الخلاف حول الأليات وألأساليب وهذا أمر بديهى . وأما الملاحظة الثانية أن وجود السلطة حتى لو كانت غير كامله أحد أهم أركان الدولة ومن ثم قيام السلطة والحفاظ على بنيتها وتفعيله وتطويرها هو إستمرار فى عملية بناء الكينونة الفلسطينية وتمثيل الشعب الفلسطينى منذ تشكيل اللجنة العربية عام 1936، مرورا بحكومة عموم فلسطين وصولا الى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وإنتزاعها حق التمثيل الشرعى للشعب الفلسطينى عام 1974. وإمتدادا لها قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بمؤسساتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ولذلك الحفاظ على هذه الكينونة جزء من المشروع الوطنى الفلسطينى . والملاحظة الثالثه ، أن السلطة يقصد بها مجموعة من المؤسسات والإجراءات والقوانين ، فهى عملية مأسسة سياسية منتظمه ، ومن ثم ليست مرتبطة بأشخاص أو أفراد بقدر إرتباطها بمؤسسات وأفكار ومن هنا تبرز أهمية المحافظة عليها لأنها تؤصل لممارسة ديموقراطية . هذا وتقاس فعالية هذه المؤسسات بقدرتها على التكيف والبقاء الزمنى وقدرتها على أداء وظائفها بالتماسك بين عناصرها ، ما أريد التأكيد علية أن مؤسساتنا لم تختبر بعد ، وتحتاج الى مزيد من التأصيل والتجذر وهذا لا يتحقق إلا من خلال تعميق الممارسة الديموقراطية ، والملاحظة ألأخرى أن السلطة تستمد شرعيتها من الإنتخابات العامة ، وهنا مصدر السلطة هو الشعب بصرف النظر عن الرأى القائل أن أوسلو هى ألأساس ، أعتقد هذا الرأى لم يعد مجديا أو منطقيا . وهذا يعنى أمران أن الشعب هو من له حق أن يستفتى حول بقاء السلطة من عدمها، وثانيا إقرار وحدانية السلطة بما يعنى ذلك إحتكارها وحدها حق إستخدام أساليب الإكراه الشرعى ، وهو ما يقتضى الإلتفاف حول السلطة وخصوصا فى أوقات ألأزمات والفتن . وضرورة أنهاء ألأنقسام ، واستعادة وحدانية السلطة ، ولذلك بدلا من التفكير فى حل السلطة علينا التفكير فى أستعادة شرعية السلطة وتجديدها وتقويتها بالأنتخابات المتجدهه ، وهذا أحد اهم الخيارات ، وعلى العكس تماما خيار فشل المفاوضات هو خيار الحفاظ على السلطة وليس حلها .
وألأن ماذا بعد ؟ والى أين نحن سائرون ؟ هناك من يرى ضرورة حل السلطة وتحميل إسرائيل مسؤولية الإحتلال وتحميل المجتمع الدولى أيضا مسؤولياته بسبب سياسات الحصار التى مارسها ضد الشعب الفلسطينى وحكومته الديموقراطية . قد يكون لهذا الرأى حجته ومنطقيته ، لكن ألأمر لا يبدو بهذه البساطة ، فمراعاة عامل الزمن والمعطيات الإقليمية والدولية ألأن له تأثيره ، والسؤال ماذالو لم يترتب عل حل السلطة ما نتوقعه منها ؟ هل سنكون أمام حالة من الفوضى الكامله ؟ وهل يمكن أن تبرز خيارات أخرى كالوصاية الدولية مثلا ؟
فى كتاب نحن والتاريخ للمفكر العربى الراحل قسطنطين زريق : أن حكم التاريخ معناه ، حكم ألأجيال القادمة وما ستقوله وما ستكتبه عنا ، عن مدى جدارتنا وصحة أفكارنا ، وأعمالنا ، وقيمة النتائج التى توصلنا اليها ........فالأرض القاحلة لا تنبت شجرا مثمرا ، والشر لا يولد الخير ، والجهل لا يكشف حقيقة ألأشياء ، والظلم لا يبقى ألى ألأمد .
ومن هنا لا بد لنا من أن نضع أيدينا على الحقيقة ونتعمق فى فهم ألأسباب بتعقل وروية واضعين نصب أعيننا المصلحة الوطنية . أما الحديث عن ألأزمة فهذا موضوع آخر يتطلب فهم بيئة ألأزمة ومتغيراتها وعناصرها ، ولا ننسى أن أحد قواعد إدارة ألأزمة الإتفاق حول وحدانية إدارة ألأزمة ,هذا يتطلب الإقرار بوحدانية السلطة وتوسيع دائرة المشاركة والشراكة فى صنع القرار والحوار المجتمعى الفعال وصولا الى رؤية واضحه ومحدده تكون السلطة جزءا منها وليس حلها . فالخيار الفلسطينى الرئيس هو الدولة وخيار الدولة الرئيس هو المحافظة على السلطة .