غزة تحتاج تعليم الجيد أكثر من "الزي الشرعي"
خاص – مكتب غزة – (شبكة راية الإعلامية)
كتب عامر أبو شباب:
عندما اتصل بي مدير التحرير في شبكة راية الإعلامية لإعداد تقرير حول قرار جامعة الأقصى في قطاع غزة بإلزام الطالبات بـ"الزي الشرعي"، طافت بذهني كثير من القضايا الوطنية والمحلية التي تدمر واقعنا الفلسطيني من مشاكل الانقسام، والفقر والبطالة ورداءة التعليم وتدهوره وإعادة الاعمار، والكذب السياسي الصريح، ومشاكل كل الأطفال النفسية وتلوث المياه (..) كثير من القضايا الحساسة والخطيرة التي تحتاج أن نشر في حلها الآن وبكل الإمكانيات دون كلل أو ملل، ويبقى التساؤل هل موضوع "اللباس الشرعي" هو الأولوية الراهنة، وهل بالفعل غزة المحافظة تحتاج هذا القرار، وهل مجتمعنا وصل مرحلة السفور والعري تتطلب قرار من هذا القبيل، هل جامعة الأقصى في حد ذاتها انتهت من كل مشاكلها ولم يبقى إلا اللباس الشرعي.
وللبحث في الموضوع أكثر وجدت ديننا الإسلامي الحنيف وكل الرسالات السماوية، تهتم بـ "لباس التقوى" بما يعني من صدق، ومكارم أخلاق، والقيم أكثر من المظاهر الخارجية التي قد تكون وسيلة لغش الناس وخداعهم، فيما يبقى جوهر الروح عاري وقبيح.
بداية هذا الموضوع الحقيقية هي سياسية من الصراع بين الحكومة المقالة والحكومة في رام الله حول إدارة جامعة الأقصى الحكومية، والوصول قبل فترة وجيزة إلى اتفاق تقاسم الجامعة بين فتح وحماس.
وفي تفاصيل الموضوع قررت إدارة جامعة الأقصى الحكومية في غزة منع طالبات الجامعة من ارتداء أية ملابس غير الزي الشرعي المتمثل في "الجلباب وغطاء الرأس".
ويبدأ تطبيق القرار بشكل عملي من الفصل الدراسي الثاني المرتقب بالجامعة، ومنع الفتيات من ارتداء، زى "يظهر مفاتن الجسد" .
وأكد نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية الدكتور فائق الناعوق أن القرار اتخذ منذ نحو شهرين داخل إطار مجلس إدارة الجامعة .
الناعوق قال أن الجامعة ستعمل على تطبيق القرار بشكل تدريجي وبالحسنى والنصيحة قبل الوصول إلى مرحلة الإلزام، مشيرا إلى تشكيل لجنة خاصة باسم "أمن الجامعة من النساء" بهدف لاستدعاء كل طالبة ترتدي زيا غير شرعي وتقديم النصيحة لها بفوائد ارتداء الزي الشرعي المحتشم، وإذا ما رفضت بالحسنى سيتم إجبارها على لبس الزي الشرعي لاحقاً، منوها إلى أن إدارة الجامعة ستوزع "بروشور" لتوضيح أهمية ارتداء الزي الشرعي وأسباب لجوء الجامعة لتطبيق هذا القرار.
في المقابل اعتبر وزير التعليم العالي د.علي الجرباوي قرار جامعة الأقصى في غزة إلزام الطالبات بـ"الزي الشرعي" قرارا لاغيا.
و أصدر د.الجرباوي الأحد (27-1) كتاباً للقائم بأعمال رئيس جامعة الأقصى اعتبر فيه قرار التدخل بلباس الطالبات داخل حرم الجامعة غير مكتمل الإجراء القانوني، وبناء عليه لا يجوز العمل به، ويعتبر بالتالي لاغياً حكماً وغير قابل للنفاذ.
وأكد الجرباوي "إن جامعة الأقصى حكومية، وعليه فإن الوزير هو من يصدر التعليمات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا النظام"، مضيفا أن القانون الأساسي يكفل الحرية الشخصية وبالتالي لا يجوز فرض مواصفات موحدة للباس جميع طالبات الجامعة.
وفي ردود الأفعال اعتبر رئيس المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية، فتحي صباح أن هذا القرار أحد أوجه "أسلمة المجتمع بغزة" من قبل حركة حماس وأنه تدخل سافر في حقوق الطلبة ويحاول أن يظهر وكأنه يوجد سفور وتبرج في الجامعات، وأن هذا الشعب ليس مسلما بفطرته وطبيعته وبالتالي سيتم إدخاله الإسلام وهذا كلام منافي للدين وحقوق الإنسان وأعراف شعبنا السمحة.
وطالما التزم الطلبة بزي مقبول وغير متبرج ولا يكشف عن أعضاء حساسة في الجسم، فمن حق الناس أن تلبس ما تشاء، ويُحظر على أي جهة أن تتدخل في حريات الناس.
ووصف صباح قرار إدارة الجامعة بالمعيب، داعيا إلى الدفاع عن الطلبة والاهتمام بجودة التعليم الذي تعاني منه الجامعات ومن بينها جامعة الأقصى، لأن الاهتمام بجودة التعليم وتثقيف الطلاب وحرياتهم السياسية أولى من الاهتمام باللباس.
ورأى صباح أن إثارة هذه القضية هو لفت الأنظار بعيدا عن قضايا جوهرية في المجتمع الفلسطيني.
ودعا الحكومة في غزة للاهتمام للحد من انتشار الفقر وإيجاد فرص عمل، وحل مشاكل المياه والقمامة والصرف الصحي والاهتمام بجودة التعليم .
بدوره اعتبر مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان القرار ليس له علاقة بالقانون وينتهك الحرية الشخصية للمواطنين، وهو تدخل سافر في حرياتهم، لأن الطالبة بأي لباس تخرج من بيت أسرتها وبموافقة منهم.
وقال أبو شمالة أن جامعة الأقصى اهتمت بقضايا ثانوية أكثر من الاهتمام بالمسألة الأكاديمية وتطويرها.
وأضاف "نحن لسنا حديثي عهد بالعادات والتقاليد الفلسطينية الراسخة في المجتمع ، كما أننا لا نلاحظ أي مظاهر تسيء للمظاهر العامة لدفع أي طرف لاتخاذ أي قرار من هذا النوع".
وأوضح أبو شمالة أن القانون الفلسطيني هو من يحدد الأخلاق العامة بشكل واضح، وكيفية تحديدها، إلا أن الانقسام عطل القانون والمجلس التشريعي مما يجعل مثل هذه القرارات ناتجة عن اجتهادات فردية أو جماعية.
وبين أبو شمالة أن النساء في قطاع غزة لا يثرن الفتنة بل يثرن الشفقة خاصة طالبات جامعة الأقصى اللواتي هن بالمجمل بنات عائلات محترمة.
بدورها أصدرت دائرة الإعلام والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية، بيانًا استنكرت فيه الإجراءات التي اتخذتها إدارة جامعة الأقصى بغزة حول فرض الزي الشرعي على طالباتها.
ووصفت منظمة التحرير القرار بـ الطالباني – نسبة إلى جماعة طالبان الدينية في أفغانستان- موضحة ان القرار يحمل مدلولات اجتماعية وسياسية خطيرة على مكونات المجتمع الفلسطيني كافة، وعلى منظومة حقوق الإنسان خاصة، يستدعي الوقوف أمامه بصلابة، ومواجهته من منظور قيمي وحضاري وقانوني، لا سيّما وأنه يتناقض مع سماحة الدين الإسلامي، وقيمه الاجتماعية والحقوقية للإنسان باعتباره دينًا مبنيًا على الدعوة الحسنة وعدم الإكراه، كما يتناقض كليا مع رسالة الجامعة ذاتها التي تدعو إلى توظيف التعليم في تنمية وخدمة المجتمع، والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، وحكم القانون والاحترام والتسامح، والمساواة.
واعتبرت المنظمة أن قرار الجامعة الجديد جاء متناغما ومكرّسا للحملات التي شنتها الحكومة المقالة ومن ضمنها تأنيث المدارس، وفرض الحجاب على المحاميات في المحاكم، ومنع النساء من تناول النرجيلة في المقاهي، ومنع إظهار مجسمات العارضات في المحلات التجارية.
ويأتي إعلان جامعة الأقصى بغزة، تطبيق قرارها الجديد بعد أيام على إعلان مديرية الأوقاف التابعة للحكومة المقالة، بالمنطقة الوسطى لقطاع غزة، عن إطلاقها حملة "ترسيخ القيم والفضيلة" التي تهدف لمكافحة الزي الغربي غير الملتزم من "البنطلونات" التي تظهر الملابس الداخلية وعباءات السيدات الضيقة وقصات الشعر الأجنبية الغربية، معتبرةً تلك الظاهرة بأن لها انعكاسات سلبية على المجتمع.