سليم سعادة .. الطفل النائم
رام الله- شبكة راية الإعلامية:
نهيل أبو غيث..
بعد عشرين عاما من الزواج يوم الحادي عشر من آيار عام 2004م وهبهم الله سليم، الطفل الذكي الجميل، الذي باغته الموت مرات عدة، محاولا أن يأسره في فوهة الفقدان، فتمتد يد الله لإنقاذه، أولها لحظة الولادة عندما التف الحبل السري حوله لتجري عملية عاجلة لوالدته، ثانيها عندما بلغ أسبوعه الثاني فأجري له الطهور على أيدي أمهر الأطباء، فكانت النتيجة نزيف حاد بعد ساعات أودى به إلى غرفة العمليات لإنقاذه، وحينما وصل للشهور الستة الأولى من عمره إذ بكتلة غريبة تجتاح بطنه؛ فأجريت له عملية لاستئصالها.
في الأول من آب عام 2007م، وببلوغ (سليم جمال) سعادة من نابلس عامه الثالث، سُمعت آخر ضحكاته وصدى همساته التي كانت تدوي في أرجاء بيته وفي قلوب أحبائه حين فوجئوا به في بركة الماء ملقى على وجهه، ومن هول الصدمة تاهت بهم ردود الفعل؛ فمنهم من حاول إخراج الماء من جسده، ومنهم من حاول إعادة التنفس له بعد أن توقف قلبه عن الخفقان واختفت شهقاته.
وفي أقرب مشفى وصلوا به إليه، المشفى العربي التخصصي، الذي تعاضدت جميع طواقمه معلنة حالة الطوارىء لتعيد النبض لقلب سليم، ولم يتركوا جهدا إلا وبذلوه، وبعد محاولات عديدة مستمرة ملؤها الأمل المصاحب بدعاء الأهل؛ عاد قلبه إلى العمل من جديد، إلا أن تأخر الأكسجين عن الدماغ تسبب بتلف كبير تزايد مع الأيام في خلاياه.
كيف غرق سليم؟
عائلة سليم تتعامل بحرص؛ فمنذ أن اشترت البيت الذي وقعت به الحادثة، رفضت أم سليم أن تسكنه قبل أن يبنى سياج حول بركة السباحة خوفا على ابنها وبناتها الخمس، ولحب العائلة لسليم قرروا بناء بركة صغيرة الحجم، ولم تكن بعد قد اكتملت ولا امتلأت بكثير من الماء حينما وقع فيها سليم لمدة لم تتجاوز الدقائق التي على قصرها غيرت مجرى حياة، وأخذت فرح عائلة بأكملها.
رحلة علاج مصحوبة بالأمل:
حياة سليم قصة أدمت قلبي والديه اللذين لم يتركا سبيلا للعلاج إلا وخاضا فيه يحذوهما الأمل.
تقول أم سليم لـ "نوى": لجأنا لكل المشافي في العالم طلبا للعلاج، منها مشافي الاحتلال الإسرائيلي التي كانت ترفض بشكل متكرر استقباله، وبعد محاولات عدة وافقت إدارة إحدى مشافي الاحتلال الاسرائيلي استقباله لتلقي العلاج، بشرط حصولهم على أعضائه إن حصلت الوفاة، ولقسوة قلوبهم وتفكيرهم بأمر وفاته مسبقا لاستغلال أعضاءه فيما بعد؛ رفضنا شرطهم. وبالتواصل وطبيبة أطفال فلسطينية في أمريكا حصلنا منها على وعد بإبلاغنا فورا إذا ما تم اكتشاف طريقة للحل مشكلته، وبعثنا للمشافي في ألمانيا والأردن إلا أن ردودهم كانت سلبية ومفادها أن لا إضافي يمكن تقديمه لحالته أكثر مما يقدم مستشفى الإنجيلي في نابلس.
وتضيف قائلة: قمت بمراسلة مركز أبحاث لزراعة الخلايا الجذعية في ألمانيا بمساعدة بعض أطباء الأعصاب في فلسطين، واستجابوا لرسائلي وتواصلوا معي، وكانوا على أتم الاستعداد لدخول فسطين لأخذ عينة من نخاع عظم سليم وتحسينه بمختبراتهم ومن ثم زراعته فيه من جديد، ولكن العملية كانت محفوفة بالكثير من المخاطر، فنسبة نجاح العملية لن تتجاوز 10 – 15 %، ولربما أدت إلى نزيف في الدماغ، ومن الممكن أيضا أن تتحول الخلايا الجذعية بعد زراعتها إلى خلايا سرطانية.
يوميات أم سليم مع ابنها:
أم سليم التي فُطر قلبها بما حل بابنها قوية بإيمانها بالله، وتدعوه دائما بالشفاء العاجل له، ومنذ الحادث لم تتركه بالرغم من فقدانه الوعي، فتزوره بشكل يومي، وتلقي عليه التحية، وتطبع على جبينه قبلة ملؤها الأمل والمحبة.
وترتب سريره إن احتاج الأمر، وتتفقد أجهزته وتتبادل الحديث مع طبيبه وممرضته، ومن ثم تجلس بجواره محتضنة إياه ومتحدثة إليه عن أخبارها وأخبار أخواته وأقربائه وآخر المستجدات في حياتهم.
جمال سليم سعادة والد سليم يروي بعضا من التفاصيل:
"سليم ابني الوحيد ولقد أعطيته اسم جده، فأنا الابن الأكبر لعائلتي، هي فرحة عارمة عندما وهبني الله إياه، ولن أفقد الأمل يوما باستعادته ليكبر ويكون بيننا".
ويضيف سعادة: نقوم بشكل مستمر – أنا وأخواته وأقربائنا وأصدقائنا - بزيارة سليم لنطمئن عليه وكي لا يشعر بأنه بعيد عنا، نحادثه فنجلب له الهدايا من ألعاب وقصص أطفال وغيرها، وغرفته في المشفى دائما مليئة بالزائرين المحبين له".
ويوضح جمال سعادة لـ "نوى" بأن وزارة الصحة الفلسطينية قامت منذ لحظة الإصابة بتغطية 95% من تكاليف علاج سليم، وهي ما زالت تقوم بذلك حتى اللحظة.
وبالرغم من الحزن الشديد الذي ألم بسعادة ومصابه الجلل، إلا أنه أصر على شكر كل من وقف بجانبهم وساندهم من جهات رسمية أو عائلية ومعرفية، حيث يقول: لقد بذل الجميع وسعهم للمساندة، سليم ليس ابني وحدي وإنما ابن كل من عرفه فأحبه.
ماذا يقول الطب عن حالة سليم:
يقول الدكتور أسامة ناصر المدير الطبي في المستشفى الإنجيلي والطبيب المشرف على حالة سليم: لقد كان سليم طفلا طبيعا كأي طفل إلى أن تعرض لحادثة الغرق، وتم نقله مباشرة إلى أقرب مشفى وتم تقديم الإسعاف المناسب له، ولكن للأسف كان متأخرا، فالغرق أدى إلى توقف القلب والتنفس، وحاليا يتنفس عن طريق جهاز تنفس اصطناعي، ويتغذى عن طريق خلطة غذاء تدخل لجسده عبر أنبوب موصول بالمعدة.
ويضيف ناصر لـ "نوى": لا أعلم كم ستطول حالة سليم؛ فوضعه ليس سهلا، ولا توجد أي مؤشرات تدل على تحسنه، إذ بلغت نسبة الضرر والعطب الذي حصل في الدماغ 90% بسبب قطع الأكسجين عنه لحظة الحادث، ولكن نأمل الخير بوجه الله الكريم.
ماذا بعد:
الآن وبعد مرور خمس سنوات على الغيبوبة، أصاب سليم ضمور في العضلات، ما أدى إلى قصر الأوتار وأضرار في العظام وشكلها الذي أصابته انحناءات وتشوهات، وحالة نمو غير طبيعي تتزايد مضاعفاته بمرور عمره.
إلا أن عائلة سليم لم تفقد الأمل بعد؛ فحبها لطفلها جعلها تأمل الخير دائما، وتجعل التفاؤل أمامها مهما حدث من تغييرات أو انتكاسات، وتأمل أن يكون علاج ما، في مكان ما، يعيد سليم للحياة مرة أخرى.
المصدر: شبكة نوى