مع الانفاق .. روايات احياء خرجوا امواتا
مكتب غزة – شبكة راية الاعلامية:
كتب: رمزي ابو جرز ..
الاقتراب من مأساة ضحايا الأنفاق في قطاع غزة وما يكابدونه في سبيل الحصول على لقمة العيش، لا يكشف لك عن بطولة تم الترويج لها باسم الحصار، ولا عن حياة مخبأة تحت الأرض يجري انتزاعها لكي يعيشها من هم فوقها، الموت وحده هو الاحتمال الأكيد الذي يمكن لهؤلاء مواجهته ومعايشته يوميا ، فان أصابهم الموت في احدي ليلي العمل المضي فمصيره التعويض كما يدرك ذلك جيدا، وان عاش فعليه أن ينتظر التعويض، هذه ببساطه قصة الموت التي يمكنك ان تسمعها أو تبصرها في مجتمع الأنفاق في غزة .
فالشريط الحدودي مع مصر هو عبارة عن مقبرة جماعية يجري دفن الأحلام والأعمار بداخلها بعد ان استبد الجوع والمجهول في ضحاياها، فلم يجدوا في القطاع مكان يليق بحياة كريمة فاتجهوا إلى حتفهم بعد شرعنة الموت هنا، فهذه المقابر تحظي بدعم حكومي من قبل حركة حماس التي تسيطر على القطاع وتمنح صكوك الشهادة والغفران والمال على ضحاياها .
الرابحون من هذه المعادلة اقتصاديا يمتلكون تفسيرا وطنياً لهذه المأساة في محاولة لإخفاء بشاعة المجزرة التي ترتكب كل يوم بحق العاملين فيها، فالنجاة من الموت بالنسبة لهم يحيلك الى موت آخر بانتظارهم وهو حجم الإمراض النفسية التي يعيشونها هؤلاء ناهيك عن انتشار المخدرات في أوساطهم خاصة ما يعرف "بالترامدول" وهو عقار مسكن يجري تناوله بكميات كبيرة للقضاء على الخوف والألم والتعب .
شبكة راية الإعلامية اقتربت من هذه المعاناة في محاولة للكشف عما يجري في باطن الارض من جريمة أبطالها أحياء مع وقف التنفيذ .
روايات الناجين من الموت
الشاب محمد عطوه 26 عاما يعمل في احد الأنفاق، فقد قدمه أثناء العمل، يروي لنا معاناته يقول أن ما دفعه للعمل في الأنفاق هو الواقع المعيشي الصعب الذي تحياه أسرته المكونة من 13 فردا بالإضافة الى والده المريض يقول محمد ان عدم وجود فرصة لعمل لائق يكفل له حياة كريمة بعد أن طرق كل الابواب هو ما اضطره إلى العمل داخل الأنفاق لتغطيه نفقات دراسته واحتياجات أسرته .
يؤكد محمد الذي عمل في الأنفاق لمدة سبع سنوات انه تمكن خلال هذه الأعوام من بناء شقة له وادخر بعض المال واكمل تعليمه الجامعي لكنها أرباح لا تعوض الخسارة التي أصابته، وهو اليوم مقعد ويعتاش من هذا المال الذي نجح في توفيره .
الجانب الاخر من المأساة تمثل في تنكر صاحب النفق لمحمد بعد ان وقع الاخير على ورقه تهدر كافة حقوقه المادية أن اصابه أي مكروه أو تعرض للموت وهو شرط للعمل داخل الانفاق يحدثك محمد عن مأساة اخري هي عدم اعتراف المؤسسات الانسانية او الإغاثية التي طرق ابوابها بمعاناته فتنكرت له حيث ان اصابته لا يوجد لها أي تصنيف لديها .
وناشد محمد المسئولين والمعنين بوضع حد لهذه الجريمة التي ترتكب بحق الشباب ووقف هذا الموت الذى يتعرضون له .
ما بعد الموت
احمد فرج عامل انفاق فقد اخيه محمد اثناء العمل في احد الانفاق في مدينة رفح يحدثك بكل مراره عن لحظة فقدانه شقيقه دون ان يتكمن من فعل شى له سوي انتظار جثمانه بعد ان يتم اخراجه من باطن الارض.
يقول احمد وهو ينظر الى صورة شقيقه الضحية ، ان هذه اللحظة شكلت صدمه له مازال يعاني من اثارها حتي هذه اللحظة ولا يمكن التعويض عن عنها بالمال او غيره فهو يقول " بعد ما يروح الغالي ما حدي بدور عالرخيص ".
هذه المأساة كانت درسا قاسيا له كما يروي لكنها كانت متأخرة رغم انه ترك العمل في الانفاق واتجه للعمل في قطاع البناء بعد الحادثة الا انه لازال يعايشها كل يوم وهو يبدي ندما كبيرا ويشعر بالذنب كلما مر امامه شريط الاحداث او شاهد صورة شقيقه الذى فقده وهو في ريعان شبابه .
هنا لا يمكنك ان تسال احد عن الدوافع للعمل في الانفاق هي ذات الروايات مره اخري تقف امامها بتكرار يحيلك الى السؤال الرئيسي حول المسئولية عن هذه المعاناة التي باتت تتكرر بشكل بغيض كل يوم الى حد اصبحت معه مألوفة وطبيعية ولا تعني احد سوي اصاحبها .
فالبطالة وانعدام فرص العمل هو ما ساقه لنا احمد في حديثنا معه كمبررات عن الاسباب والدليل كان ماثل امامه هو شقيقه الذى تخرج من الجامعة ويجلس في المنزل يعمل تارة في مطعم وتارة اخري في البناء .
مقايضة الحياة بالمال
محاولة ربط الحياة في غزة بالأنفاق كحبل سري او شريان رئيسي لا تهدف الا لتغذية الموت الذى يمنح المنتفعين فقط الحياة الذين ارادوا شرعنتها في غزة عبر اضفاء رمزية البطولة عليها ويصوروا معاناة الناس هنا كصمود وانتزاع للبقاء من وسط الحصار الاسرائيلي، لكنها تحولت الى استثمار جديد تجري فيه مقايضة الحياة بالمال عبر استغلال الواقع الاقتصادي والحياة البائسة التي يحياها قطاع عريض من الشباب في غزة بفعل البطالة .