طوباس: حكايات مُخضرمة لسائق وبائع ونجّار وقارئ صحف!

2013-10-02 11:39:00

رام الله- شبكة راية الإعلامية:

أعاد أربعة مواطنين عجلة التاريخ إلى الوراء عدة عقود، وعرضوا حكاياتهم العتيقة لمهن السياقة، وطقوس النجارة، وبيع الأدوات الزراعية القديمة، ومتابعة الجرائد اليومية،  ونثروا خلال الحلقة الثانية من سلسلة "أصوات من طوباس"، التي تنفذها وزارة الإعلام، ذكريات قديمة لمهن انقرضت، أو تغيرّت، ولحرف تعاني الكساد، وأغرقتها البضائع الصينية، ولعادة قراءة الصحف.

واسترد سليمان داود العمري الملقب بـ"عبد الله" والشهير بـ"أبو عصام"، علاقتة بالمركبات ومهنة السياقة، التي بدأت منذ عام 1945، حين انتقل مع عائلته من صندلة ( التي كانت تتبع لجنين قبل النكبة) إلى حيفا، وبدأ يعمل بالبناشر وميكانيك السيارات نهارأً، ويتعلم الإنجليزية ليلاً، ثم انتقل للسياقة في شركة (ستيل) البريطانية، وليشتري مركبة (شفروليه) مصنوعة عام 1935، وتتسع لسبع ركاب.
ستة عقود وراء المقود!

يقول وكله حنين للماضي: ولدت في 19 نيسان 1925، وحصلت على رخصة سياقة بريطانية عام 1945، ولا زلت أحتفظ بها إلى اليوم، وبعد سنتين من العمل في الشركة الإنجليزية للسيارات، اشتريت وأخي عبد الرحمن سيارة خاصة بنا، وكنا نشتغل على خط حيفا – بلد الشيخ( حواسة)، وهي القرية التي حدثت فيها مذبحة على يد العصابات الصهيوينة.

يتابع: كنا ننقل العمال من المدينة إلى حواسة، وكانت الأجرة 20 ملاً( المل أصغر وحدة في الجنيه الفلسطيني)، ولم تكن هناك سيارات كثيرة، وكانت غالية الثمن، واذكر أننا اشتريناها بـ (800 جنيه)، فيما كان مهر العروس بخمسين جنيها، ودونم الأرض بخمسة جنيهات.

والمصادفة، أن سيارة أبو عصام وشقيقه كانت قبل سقوط حيفا متجهة في طلب خاص لنابلس، قبل أن تعود بصعوبة للمدينة وينجو سائقها عبد الرحمن من موت محقق على يد العصابات الصهيونية، التي كانت تقطع الطرق.

يزيد: هجرنا حيفا، وجئت لطوباس، عند أخوالي، وبدأت بالعمل على سيارتنا، ثم سائق باص على خط نابلس، كان نوعه "دوتش"، ويتسع لـ27 راكباً، ولم يكن في طوباس غير باصين وسيارة واحدة. وفي عام 1952 اشتريت سيارة جديدة( تكسي عمومي)، ثم سقت شاحنة، ونقلت الفحم والقمح من طوباس لنابلس وعمان وبيروت والشام.

ووفق الراوي، فإنه واصل عمله متنقلا بين الشاحنات والسيارات  والحافلات الكبيرة لنقل العمال والقمح والحطب والفحم، حتى عام 1994. وحاز على ثلاث رخص للسياقة: بريطانية وأردنية وأخرى من الاحتلال. ولم تكن المركبات بحاجة إلى تأمين في عهد الانتداب والحكم الأردني، وكانت أقوى، أما إشارات المرور فأقل واسهل، لكن طرقات طوباس كانت وقتها غير معبدة، إلا الشارع الوحيد الواصل لنابلس.

ينهي: اشتريت في حياتي 9 سيارات، وعملت سائقاً  أكثر من خمسين سنة، وكنت أحصل في الشهر 15 جنيهاً، وهو مبلغ كبير، ونقلت مهنتي إلى خمسة من أولادي.

نجًارة عتيقة
يقارن خالد قصراوي، المولود في طوباس عام 1945، والذي ورث مهنة النجارة عن والده، بين أحوال طوباس الماضية والآنية، فيقول: كان في البلد كلها نجار واحد، وكان الخشب أجود، والأسعار أرخص، فمثلاً كنا نشتري كوب خشب الزان بـ(21) ديناراً، أما اليوم فهو بـ1200 دينار، وكنا ننتظر الليل لنعمل، فلا كهرباء في النهار، أما العدة فهي أبسط قديماً، واشتريت أحدثها عام 1965، واسمها( مجموعة خماسية) وفيها( فأرة، ورابوخ، ومقدح، ومنشار، وفريزة)، لكن اليوم كل شيء في طوباس تغير، فصرنا أكثر من 12 نجاراً، ولم نعد نعمل، وغزت البضاعة الصينة السوق، وصارت مثل الكرتون، وأرخص، وزادت الضرائب وانعدم الدخل.

يقول: كنا زمان نُفصّل غرفة نوم بــ200 دينار، وكانت تعيش العمري، أما اليوم فهي مستوردة وأغلى واقل جودة. والباب الأصلي كنا نُجهزه بتسعة دنانير، أما اليوم فيحتاج إلى 2000 شيقل. والحركة راكدة.

ووفق قصراوي، فإن النقود اليوم، أصبحت بلا قيمة، فقديما كان يحصل في الشهر على خمسة دنانير، لكنها الآن لا تُعيّش عائلة لساعة.
مهنة مُهددة!

أبصر راضي عبد الله أبو خضر النور عام 1924 بطوباس، ولم يكمل تعليمه إلا إلى الصف الثالث، وبدأ يعمل في سن مبكرة في بناء مخفر الفارعة( مركز الشهيد صلاح خلف اليوم والسجن قديما)، وكان يصل إلى عمله ويعود منه مشياً، ثم انتقل للعمل معاوناً لسائق الباص حافظ المحمود، وعمل فترة مع الجيش العراقي بطوباس، وبدأ منذ عام 1950 بالعمل في بيع الأدوات الخاصة بالزراعة والخيول.

يقول: كل شيء اختلف، وتغيرت طوباس وكبرت كثيراً، وانقرضت أدوات عديدة مثل( البريموس) و فوانيس الكاز، والأحذية الجلدية( البوبلينية)، ولوح الدراس، وقل طلب أدوات الحصاد مثل المنجل والكالوشة، والغربال،، والناطح، والمذراة، والكربالة، والمنساس، واللجام، ومستلزمات البريموس( أبرة الوابور).

يضيف بابتسامة: أحفادي اليوم لا يعرفون معظم ما أعرضه في محلي، فلو قلت لهم ساعدوني في إحضار( رشمة حمارية) لن يعرفوا. وأكثر شيء رائج اليوم، الليف والمكانس، أما الأشياء التي لا تباع فهي عدة الحراثين والحصادين. واحتفظ بالكثير من الأشياء القديمة في محلي.

ينهي: لم نعد نجد البذور البلدية مثل البطيخ الجدوعي، والذرة البيضاء، والكوسا البلدي، والخيار، وكل حياتنا تغيرت.

38 سنة جرائد!
يحرص فايز صالح أبو ناصرية"أبو العلاء" على عادة قراءة الصحف الفلسطينية منذ العام 1975 بشكل يومي. يقول: الجرائد التي أقرأها منذ 36 سنة تغذي العقل، أما التلفزيون فسريع وتنسى ما يقوله لك المذيع بسرعة، كما أن الجريدة تطويها أو تضعها في جيبك، وتقرأها على دفعات، لكن الشاشة لا تنتظرك، ولا يُمكنك تحليل ما تسمعه بسرعة.

يضيف: بدأت بهذه العادة منذ أن عملت موظفًا في مصلحة البريد، بنابلس، وبحكم مهمتي في تحويل المكالمات الهاتفية، التي كانت تتم بصورة يدوية من مقسم إلى مقسم، تعرفت إلى أصوات العاملين في الجرائد، وكنت أهتم بمعرفة الأخبار التي يرسلونها ويستقبلونها.

ومن الأسماء التي لا زال أبو ناصرية يحتفظ بها والتي عملت في دنيا الصحافة، ريموندا الطويل وجاك خزمو وندى خزمو. وكانت تربطه علاقات قوية مع الكتّاب والصحافيين، وكان يعرف أول بأول الأخبار التي تحصل، وأهم شيء عنده هو تواصله مع الكتاب بعد قراءة مقالاتهم. ومتابعته اليومية لكل ما يُكتب عن طوباس.

يهتم أبو العلاء الذي تنقل بين بريدي طوباس ونابلس من العام 1969 وحتى وصوله إلى التقاعد سنة 1994، بالشأن الثقافي والمقالات الافتتاحية، وأضاف إلى هذا الشغف عادة يومية بعد التقاعد، تمثلت في حرصه على اقتناء الصحف اليومية الثلاث: الحياة الجديدة والقدس والأيام.

يتابع: أيام زمان كنت أقرأ الشعب والفجر والقدس والنهار. وبعد العام 1994 فتحت بسطة لبيع الخضار، وصرت أحرص على شراء الجرائد وقراءاتها حتى في أيام الجمع والعطل الرسمية.

يبدأ أبو العلاء نهاره في وقت مبكر جد، إذ يستيقظ يومياً في الثانية والنصف قبل الفجر، ويستعد للصلاة، ثم يجهز دكانه الصغير بما يلزم من خضار. بعدها يستثمر فترات انقطاع الزبائن في تصفح  جرائده، فيفتش أولاً عن أخبار بلدته وشؤونها، ويقرأ الشؤون الثقافية، ويحرص على متابعة حديث جريدة "القدس"، ويتابع  نصوص "الحياة الجديدة"، ويقرأ دفاتر "الأيام". لكنه يتمتع بعين نقدية، فلا تعجبه صفحات الجرائد  الكثيرة في إعلاناتها التجارية، ويتمنى أن تخفف منها بعض الشيء، ويحب أن يرى في الجرائد الأخبار المحلية، وخصوصًا عن مدينته ومحافظته طوباس.

يقول: اتصل  دائماً بالكتُاب الذين أقرأ لهم، وتحدثت مع رئيس تحرير جريدة الحياة الجديدة واشتكيت له من تأخر وصول  الصحيفة إلى مدينتنا وبخاصة في أيام الجُمع، وأطالع ما يكتبه  مدير وزارة الثقافة بالمحافظة عبد السلام العابد, كما أعيد نشر ما يعجبني عن  طوباس في مجلات مساجدها الحائطية.

يضيف: حينما استمع إلى متحدث أو اقرأ لكاتب، فإنني أعرف صدقه وحرارة حديثه، وإذا وجدت هذا فيه فأصبح صديقاً له، وأعيش مع كلماته.  فيما يُقفل أبو ناصرية، الذي رأى الحياة في العشرين من آب 1946 بطوباس حانوته الصغير، ويشارك في النشاطات الثقافة في المدينة واجتماعاتها العامة، ولا يزال يتذكر تفاصيل قصته مع امتحان شهادة "التوجيهي"، حينما كان يتقدم له في نابلس في اليوم نفسه الذي سقطت في الضفة الغربية وغزة بيد الاحتلال الإسرائيلي يوم الخامس من حزيران 1967.

يفيد:" هربنا يومها، ولم يكمل جميعنا الامتحانات، وعدت للتوجيهي في السنة التالية، وبعدها احتفظت بذكرياتي مع المُوجّه في وزارة التربية والتعليم بنابلس عبد اللطيف أبو مطاوع."

ينهي: أحب أن اقرأ أيضاً الصحف العربية اليومية، لكنها لا تصل إلينا بسبب الاحتلال والحصار، وصرت أسمع عنها عن بعد، وأتمنى أن تصلنا في المستقبل بورقها، ولا أجيد استخدام الكمبيوتر والانترنت لأرها.

بدوره، قال منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف، إن" أصوات من طوباس" تهدف إلى جمع قصص طوباس ويومياتها وسيرتها المحكية، وستوثق كل ما يتصل بالمحافظة، واستطاعت الوصول إليه من إبداعات ونجاحات، ومعاناة، وحلم، وأمل، وغرابة، وكفاح، وذكريات عتيقة وراهنة للمدينة وغورها الذي يواجه التهويد والسلب في كل شيء.