التغريبة العربيّة.."طوبى للغرباء" في غزّة

2014-10-15 22:49:00

رام الله - رايــة:

منذ انتهاء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، يبحث أبو محمود (56 عاماً)، عن منزل - لم تطله الصواريخ الإسرائيلية - حتى يستأجره،أبو محمود قاسى تجربة النزوح مرتين، الأولى عام 2008 بعد تدمير بيته الذي بناه "بعرقه ووضع فيه كل ماله (65 ألف دولار)"، والثانية في حرب 2014 بعد تدمير بيته المؤجر بمساعدة الأونروا - وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

يقول أبو محمود:"منذ نهاية الحرب، أبحث عن غرفة تأويني وأبنائي الثلاثة، ولم أجد"، يهزّ كتفيه بيأس ويتابع: "كل الشقق السكنية تم تأجيرها، رغم ارتفاع أسعارها بشكل مضاعف.

تطلب الأونروا من المهجرين إيجاد شقق سكنية تدفع لهم إيجارها بسبب الفقر الشديد وخسارة النازحين كل ما يملكون، "لكن الغلاء يضاعف معاناة أبناء القطاع"، يقول أبو محمود، موضحاً أن "مكتب العقارات طلب 2135 شيكلاً ( 700 دولار)، إيجاراً شهرياً لشقة صغيرة"، وهو ما ليس في مقدوره، الأمر الذي دفعه للطلب من العاملين بالمكتب إيجاد شقة أصغر له، "لكنهم اعتذروا لعدم وجود شقق فارغة بسبب نفاد مواد البناء في القطاع". لحل المشكلة، لجأ أبو محمود إلى ابنته المتزوجة في حي التفاح. أما أبناؤه الثلاثة، فبقي أحدهم معه فيما هاجر اثنان إلى إيطاليا عن طريق مصر.

حال أبو محمود يشبه حال الكثيرين، منهم حليمة أبو جزر (35 عاماً)، نازحة من الشجاعية، وأم لستة أطفال من بينهم ثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة، فقدت حليمة منزلها الذي كلفها قرابة 70 ألف دولار بسبب عدوان 2008، وفي العدوان الأخير، 2014، فقدت منزلها المؤجر في بيت حانون، شمال قطاع غزة.

تعيش حليمة اليوم مع عدد من عائلات بيت حانون، داخل مركز إيواء افتتحته وزارة التربية والتعليم في غزة، داخل صفوف مدرسة حسن البصري الأساسية للبنين، تقول حليمة، لـ"العربي الجديد"، موضحة "فرشتان وغطاء خفيف كل ما أمتلكه أنا وأبنائي، ننام وزوجي على الأرض بجوار فرشة أولادي التي استقرت بإحدى زوايا الغرفة الدراسية".

حياة النزوح أصابت حليمة بآلام حادة في العظام بسبب النوم على الأرض فيما أصيب أبناؤها بأمراض متنوعة (النزلة المعوية والإسهال والفطريات)، بسبب معلبات الطعام التي يعيشون عليها، وتبقى "المشكلة الأكبر في توفير دواء الأبناء المعاقين" الذي أصبح ترفاً لا تقدر عليه.

بمقارنة الحالات السابقة، فإن مأساة إيمان حمدية (48 عاماً)، وأبنائها الخمسة، تعدّ أشدّ قسوة، إذ فقدت منزلها الذي كلّفها 75ألف دولار في الحرب الأولى، فيما فقدت منزلين آخرين في آخر حربين، تقول إيمان: "نعيش حياة الترحال، في البدء كنا نسكن في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، دمرت إسرائيل منزلنا في حرب 2008، استأجرنا منزلاً في عوجان، شرق حي الشجاعية، بأجرة 1400 شيكل للشهر الواحد ( 400 دولار)، دمرته إسرائيل أيضاً في حرب 2012، ذهبنا إلى منطقة تل الهوى، غرب مدينة غزة، ساعدنا شقيق زوجي على أن نجد شقة سكنية فقدناها هي الأخرى في حرب 2014، لنعود إلى حياة النزوح".
خارطة النزوح

بحسب محمد أبو رحمة، الباحث الميداني بمؤسسة "الحق"، فإن حرب إسرائيل على قطاع غزة في عام 2014، اضطرت آلاف العائلات الفلسطينية للنزوح عن منازلهم بسبب القصف الجوي والبري داخل المناطق القريبة من الحدود، وخاصة محافظات جنوب القطاع، رفح وخان يونس وبلدات المغازي والبريج ودير البلح ووادي السلقا في المحافظة الوسطى، ومناطق الزيتون والشجاعية والتفاح في مدينة غزة، ومدن جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون في محافظة شمال غزة.

ويوضح أبو رحمة أن "إحصائيات عمل مشتركة بين مركز الميزان لحقوق الإنسان ومؤسسة الحق، رصدت وصول عدد نازحي الحرب الأخيرة إلى 600 ألف نازح".

تكشف الإحصائيات، توزّع مناطق تصدير النازحين على عموم غزة، النصيب الأكبر منهم كان في حي الشجاعية الذي بلغ عدد نازحيه 100 ألف نازح، يعيش العديدون منهم حتى الآن بمراكز الإيواء، وتليه منطقة بيت لاهيا التي وصل عدد المهجرين منها إلى 40 ألف نازح، وهو عدد النازحين نفسه من شرق جباليا والذي ناهز40 ألف مهجر، ويليهم حي التفاح الذي شهد نزوح أكثر من 30 ألف فلسطيني.

المصدر: العربي الجديد