الأردني جهاد شعراوي: موزّع العلكة الإصلاحي قتيلاً في سورية

2014-10-25 01:34:00

رام الله - رايــة:

غالباً، يموت المقاتلون الأردنيون، الذين التحقوا بصفوف الجماعات الإسلامية المتشددة في سورية بصمت، وهم الذين زاد عددهم على المئتين وخمسين قتيلاً. تصل، في العادة، رسالة نصية من أحد قيادات "التيار السلفي الجهادي" إلى هواتف الصحافيين "تزفّ شهيداً"، وتتحوّل إلى خبر يتكرر مراراً وتكراراً حتى لم يعد مقروءاً، ومن ثم يقام تأبين يسيطر عليه حضور أتباع التيار وقلّة من المعارف والأصدقاء، وينتهي الأمر. لكن مقتل جهاد غبن، كان حدثاً مختلفاً.

جهاد شاب أردني يبلغ من العمر عشرين عاماً، فاجأ عائلته وأصدقائه منتصف العام 2013 عندما ترك دراسته بعد فصل واحد من التحاقه بتخصص اللغة العربية في الجامعة الأردنية، مغادراً المملكة إلى سورية، ليلتحق بصوف "جبهة النصرة". هم أنفسهم فوجئوا ليلة الجمعة ـ السبت بمقتله على أيدي قوات النظام خلال عملية كان يشارك في تنفيذها، حسب ما نشر أحد رفاقه على صفحته الشخصية على "فيسبوك".

خلافاً للمئات الذين غادروا الأردن للقتال ضد النظام السوري، لم تنقطع أخبار جهاد، الذي بقي على تواصل عبر صفحته على "فيسبوك"، محرّضاً على الالتحاق بالقتال، وناشراً لأخبار المقاتلين الأردنيين، ليبقى حاضراً رغم الغياب.

ينتمي الشاب العشريني إلى عائلة متوسطة الحال، تسكن أحد أحياء عمّان الشرقية الفقيرة، وبرز مطلع عام 2011، كأحد الناشطين في "الحراك الإصلاحي" الذي عمّ المملكة في غمرة الربيع العربي، فهو نادراً ما كان يتغيّب عن فعالية أو نشاط مطالب بالإصلاح، بغضّ النظر عن الجهة المنظِّمة يسارية كانت أم قومية أم إسلامية أم ليبرالية، متجاهلاً تنشئته الإسلامية التي تبلورت في جماعة "الإخوان المسلمين".

مطلع العام 2013، ظهر الشاب الذي تقرّب حينها من أحد الأحزاب اليسارية، في مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي يعلن عن مقاطعته للانتخابات النيابية التي أجريت في 23 يناير/ كانون الثاني من ذلك العام، ويدعو لمقاطعتها على اعتبارها انتخابات مزورة.

كان يطمح ليكون صحافياً، والتحق بدورات تدريبية في إحدى الإذاعات المحلية، وتطوّع فيها مراراً في تغطية الفعاليات، وعندما التحق بـ"جبهة النصرة"، عمل في المكتب الإعلامي في الجبهة، كما يقول في إحدى كتاباته في "فيسبوك"، معبّراً عن إعجابه بأن الجبهة وفّرت له معدات للعمل الصحافي كان يحلم بامتلاكها خلال وجوده في الأردن.

من أكثر الألقاب التي رافقته خلال وجودة في الأردن "جهاد شعراوي"، نسبة إلى مصنع للعلكة عمل فيه، حيث غالباً ما كان يحتفظ بكميات من العلكة في جيوبه يقدمها لكل مَن يقابله.

صداقاته مع الناشطين، باختلاف توجهاتهم، قبل مغادرته الأردن، بدت واضحة على ما كتبوه على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، فور ورود خبر مقتله المدعوم بصورة للجثمان. الأصدقاء المقربون منه، من غير المؤدلجين، وصفوه بـ"الشهيد"، مبدين حزناً عميقاً على فقدان صديق، فيما نعاه منتمون لجماعة "الإخوان المسلمين"، محمّلين النظام السوري المسؤولية عن قتله وقتل الشعب السوري الذي دفع جهاد للمغادرة لقتاله.

أما المنتمون للأحزاب القومية واليسارية التي تؤيد النظام السوري وتنخرط في حملة "الدفاع عن سورية في وجه المؤامرة"، فلم يوجهوا كلاماً جارحاً كعادتهم في التعليق على خبر مقتل جهادي أردني في سورية، فمعظمهم يعرفون الشاب من خلال حراكه الإصلاحي الذي كانوا هم أنفسهم منخرطين فيه، فتمنوا له الرحمة، معتبرين أنه ذهب ضحية للفقر والتجهيل.

غير أن صديقاً مقرّباً منه كتب قائلاً: "كان يسأل كثيراً عن طريق الحق، وكان يرتدي ثوب اليسار تارة وثوب (الإخوان) تارة أخرى، وآخرها الثوب السلفي الذي قتل فيه". ويزيد أنه "لن أنسى مصطلح (المراهقة السياسية) الذي ابتكره ليعبّر فيه عن سخطه من الاستقطابات والصراعات الفكرية التي كانت تأخذه لليمين الفاسد مرات ولليسار الفاسد مرات عديدة". وختم بأن حمّل دمه للجميع وللنظام الذي لم يستوعب طاقة الشباب وعنفوانه وحماسه.

أثار مقتل جهاد جدلاً استثنائياً، لم يثره مقتل أحد آخر من الأردنيين الذين التحقوا بالجماعات المسلحة المقاتلة ضد النظام السوري على اختلاف مشاربها، فهو شخصية اجتماعية ونشيط مفعم بالحماسة، وصاحب ملامح وادعة لم تفارقه حتى عندما كان ينشر صوره حاملاً السلاح، فكيف انتهى إلى ما انتهى إليه؟.

المصدر: العربي الجديد