نتنياهو لا يريد السلام وعلى العالم أن يتدخل

2014-10-29 06:49:00

ليس العالم بحاجة لتذكيره بسجل الإجراءات والممارسات التي قام بها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال فترتي ولايته أواخر التسعينات ومنذ العام ٢٠٠٩ وحتى الآن على التوالي، والتي تثبت بشكل لا يدع مجالا للشك أن الرجل لا يضع السلام مع الفلسطينيين هدفا أمام عينيه، وأن كل ما يسعى إليه هو تكريس الاحتلال والتوسع الاستيطاني على حساب الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
شعار نتنياهو المعلن في القدس، والذي كرره خلال الأيام القليلة الماضية هو أن البناء الاستيطاني في المدينة المقدسة، وفي كل أحيائها هو حق تضمنه حكومته للمستوطنين، وقد قرن القول بالفعل، فأطلق العنان للتوسع الاستيطاني في المستوطنات المحيطة بالقدس والواقعة في نطاقها.
وكان آخر خطواته الإعلان عن موافقة حكومته على بناء ما يزيد عن ألف وحدة سكنية استيطانية في تلة شعفاط، وفي جبل أبو غنيم حيث تتوسع باطراد مستوطنة "هار حوما" المقامة على أراضي الضفة الغربية وخارج الخط الأخضر.
وليست القدس وحدها هي ساحة التوسع في البناء الاستيطاني، فمحيطها في الضفة الغربية يشهد نشاطا استيطانيا محموما من حيث توسيع المستوطنات الموجودة، وإقامة بنى تحتية لخدمة المستوطنات، وشق طرق التفافية تربط بينها وبين اسرائيل، وإقامة متنزهات يستفيد منها ويتمتع بها المستوطنون.
وتشير الأرقام إلى أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس قد شهد ارتفاعا غير مسبوق، بفضل التسهيلات الحكومية الاسرائيلية المقدمة للمستوطنات والمستوطنين.
وما يتوجب على العالم إدراكه والتصرف على أساسه هو أن الاستيطان ليس قضية هامشية يمكن التعامل معها بمجرد الإدانة والاستنكار، كما يحدث حاليا مع قرار بناء الألف وحدة سكنية في القدس، وإنما يتعين اعتبار هذه المسألة رأس الجبل الجليدي الذي تختفي تحته مخاطر وتهديدات كبرى للأمن والاستقرار في المنطقة كلها، والعالم من ورائها.
وهذا التهاون والتسامح مع الزحف الاستيطاني من جانب الأسرة الدولية سيشجع نتنياهو على المضي قدما في سياساته التوسعية، ويهدد الوجود الفلسطيني على أرض الوطن أو ما تبقى منه، ويوجه إشارات تحذير للعرب والمسلمين بأن الحكومة الاسرائيلية الحالية، كسابقاتها تماما، تريد التشبث بالاحتلال والتوسع.
ويفهم من مواقف الحكومة الاسرائيلية بوضوح تام أنهالا تعترف بالحقوق الوطنية الفلسطينية التي نصت عليها قرارات الشرعية الدولية، وتتبنى موقفا لامباليا واستخفافيا من حل الدولتين الذي أقره مجلس الأمن الدولي بالإجماع، وتعمل للجنة الرباعية الدولية عبثا من أجل تحويله إلى واقع، في وجه معارضة قوية ومتعنتة من قبل الطرف الاسرائيلي.
وعلى العالم أن يتحرك قبل فوات الأوان، إن لم يكن الأوان قد فات بالفعل، لأن إغلاق الأبواب والنوافذ أمام كل أمل فلسطيني بتسوية سلمية، حتى بالمواصفات الهزيلة الراهنة، ليس من شأنه أن يعطي مجالا للهدوء والاستقرار في المنطقة، كما أن تداعياته وارتداداته ستشمل مناطق بعيدة عن الشرق الأوسط وتهدد السلم في العالم بأسره.
نتنياهو يتصرف دون أي اعتبار لما قد ينجم عن ممارساته وإجراءاته من مضاعفات. وإذا استمرت الأسرة الدولية في غض النظر عن تصرفاته، فإن العواقب ستكون كارثية على الجميع، ولهذا يتوجب أن لا يترك المجتمع الدولي الزمام للمتطرفين أنصار التوسع الاستيطاني ليقودوا المنطقة، وربما العالم كله، نحو الهاوية.