بيت المسنين.. أملُ المحرومين من الحياة الكريمة
رام الله- رايــة:
فراس أبو عيشة- هو بيتٌ عريقٌ، قديمٌ، يُجسد معاني الانسانية بأبهى صورها، ويقطن في داخله أناسٌ فقدوا من يُعيلهم من أبناءهم وأقرباءهم، فأصبحوا وحيدين، يتأملون حال أبناء هذا العصر، ويتساءلون بألمٍ وحسرةٍ "أهكذا الأبناء؟، أهكذا يغدرون أهلهم ويرمونهم ليواجهوا صعوبات الحياة لوحدهم؟، أم لأننا جعلنا طفولتهم حُرةً، ورعرعناهم في أحضاننا؟، أهذا هو جزاؤنا؟".
إنَّه بيت المُسنين، الذي تأسس عام 1952 في مدينة نابلس على يد أحد رجال الخير، حين رأى مسنتين تجوبان الشوارع لأكثر من مرة، ولا مأوى لهم، ولا أحد يتكفل بهم، فقرر ذاك الرجل الخيِّر أن يُساعدهما، فاستأجر لهما بيتاً يعود لعائلة عبد الهادي، ووفر لهما ما يلزمهما، ومنذ ذلك الحين أُعتمد هذا المنزل بيتاً للمسنين، ويتبع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة نابلس.
تقول مدير بيت المسنين بداية كنعان "يحوي البيت الآن 18 نزيلاً ونزيلةً من مختلف أنحاء الضفة الغربية، وبالتحديد من مدينة نابلس والبلدات والقرى التابعة لها، معظمهم لجأوا إلى هذا البيت بسبب ظروفهم الاجتماعية الصعبة، ولا صلة قرابة لهم، ولا مفر لهم سوى هذا البيت".
وفي بيت المسنين تُقدم ثلاث خدمات لمن يقطنه، أولهما إيوائية من مأكل ومشرب ونوم، وثانيهما تمريضية، كون البيت يحتوي على قسم تمريض طيلة أوقات النهار والليل، وثالثهما خدمات نفسية واجتماعية، الهدف منها دمج المسنين في المجتمع الفلسطيني المُحيط.
وعن شروط قبول المسن، تُوضح "لأن ظروف وإمكانيات البيت محدودة جداً، نضع شروطاً لاستقبال أي مسن، وهو أن يكون تجاوز سن التقاعد، والمتعارف عليه في بلادنا فوق الـ60 عاماً، ويستطيع قضاء حاجته لوحده قدر الإمكان، وأن يكون وحيداً، ولا أحد يُرافقه ويُعيله في حياته".
ويحوي بيت المسنين أربع غرفٍ فقط، إثنتان منهم للرجال، وإثنتان للنساء، ويخدم هؤلاء المسنين طاقم يتكون من 17 فرداً، من بينهم مرشدة اجتماعية، وممرضتان تعملان بالتناوب، وطبَّاخة، إضافةً إلى عدد من العمال لخدمة المسنين، وعدد من العاملات لخدمة المسنات، وأحياناً طلبة من الخدمة المجتمعية في جامعة النجاح الوطنية.
وتشير كنعان أن بيت المسنين ينقصه الدعم، وأن ما يتوفر له من مساعدات هو غالباً من أهل الخير فقط، ويكون بشكلٍ موسمي، وبالتحديد في شهر رمضان والأعياد، وهدف هذه المساعدات هي توفير متطلبات الحياة اللازمة والأساسية لهؤلاء النزلاء.
ومن الجدير بالذكر أن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في نابلس بدأت ببناء مركز للمسنين تنطبق عليه الشروط والمواصفات التي تتماشى مع حاجة المسن والمسنة، وتتلاءم مع الواقع الفلسطيني، ليكون بمقدوره استيعاب الأعداد الأكبر ممن لا مُعيل لهم، وتنطبق عليهم الشروط، ولكن هي بانتظار على من يمولها ويدعمها، ويوفر لها المعدات الخاصة.
وتؤكد مدير البيت "نهدف إلى دمج المسنين مع بعضهم البعض، وتقديم الرعاية الكاملة لهم، سواء أكانت صحية، أو ترفيهية، أو اجتماعية ونفسية، بالإضافة إلى مساعدتهم للتغلب على الواقع الصعب والأليم، وقضاء أوقات فراغهم بالترفيه عن أنفسهم".
وتشير إلى أن أغلب المسنين يعانون من أمراض السكري، والضغط، والشرايين، وهناك حالة تصلب لويحيّ واحدة، وهناك برنامج غذائي يتم مراعاته لكل مسن ومسنة يتناسب مع وضعهم الصحي، ومتفق عليه من قبل أخصائية التغذية، وطبيب المسنين، والممرضات.
والتكلفة المالية للفرد الواحد تبلغ حوالي 380 دينار شهرياً لكل مسن ومسنة، في حين لا يتجاوز دفع ذويهم وأقربائهم إن وجدوا إلا 140 دينار شهرياً، ورغم الارتباط الوثيق بين بيت المسنين وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني مع وزارة الشؤون الاجتماعية، فهي لا تدفع إلا 200 شيقلاً لكل مسن شهرياً.
وتقول المُسنة ساهرة "جئت الى البيت منذ عشرة أعوام، وهنا أتلقى الرعاية الكاملة، ولا يوجد أي تقصير من جهة الإدارة وطاقم العاملين بحقنا، بل على العكس تماماً، هم يقدمون لنا أفضل ما لديهم لجعلنا أكثر راحة وطمأنينة".
وأما هنية، 69 عاماً، من محافظة سلفيت، تروي قصتها "تزوجت من رجل كان أكبر مني بـ20 سنة بعد ما توفت زوجته، بس ربنا ما رزقني بنعمة الأطفال، وزوجي توفى، وإلي أخ واحد متوفي، وضليت وحيدة، ووضعي الصحي صار سيء جداً، وصار عندي ضغط وسكري، وأصبت بجلطة على اليد، فاقترح ابن أخوي ياخدني على بيت المسنين، وأنا ما رفضت، لأنها كانت فرصتي أرجع أعيش حياة جديدة".
وبدموعٍ ملأت عينيها ووجنتيها، تقول "والله إنك فتحت باب قلبي، يا ريت لو كان عندي ابن أو بنت بعمرك، كان بتقوم فيي، بس على الأقل ما بترميني ببيت المسنين، بس كمان يمكن الوضع ما يختلف، في مسنات عندهم أولاد وبنات، وهيهم متلي متلهم، شو نفع الولد والبنت، بتعبوا على تربايتهم، وبالأخير ما بتحملوا يقوموا بأهلهم، بس حسبي الله ونعم الوكيل".