ماذا تنتظر نسرين من نجلها الشهيد في يوم الأم ...؟!
صورة توضيحية
الخليل- رايــة:
طه أبو حسين - الأم نسرين تتمنى منذ استشهاد نجلها البكر "هيثم" أن يزورها بالمنام، وكأنها تريد من ذلك معاتبته كونها كانت مخزن أسراره، وكانت قد اعتادت منه أن يحدثها عن كل تفاصيل يومه قبل خلوده للنوم غير أنه لم يحدثها بقصة استشهاده، إلا أن أمنيتها لم تتحقق حتى يومنا هذا، الأمر الذي يشكل لها صفعات متكررة في روحها المنهكة لفقدان ولدها الوحيد.
اعتاد الشهيد هيثم البو الذي ولد في 26 نيسان عام 2001، في حلحول شمال الخليل، تقديم هدية لوالدته في يوم الأم. قالت نسرين "آخر هدية أهداني إياها هيثم في عيد الأم، كانت عبارة عن برواز مكتوب فيه (الله.. محمد). والعيد الذي سبقه أحضر لي طنجرة صغيرة، كلما طهيت بها شيئا تذكرته، أما هذه السنة ...."، عند هذه النقطة تحشرجت كلماتها حتى ماتت الحروف في فمها.
هيثم بكر والديه ووحيد شقيقاته الثلاث "ملاك 13 عاما، لميس 7 أعوام، والصغيرة مرح 7 شهور"، استشهاده شكّل نقصاً كبيراً في البيت، كونه صاحب الضحكة المعهودة بقوتها، الى جانب مزاحه والفوضى التي يختلقها خلال لعبه مع أخواته، اضافة للنقص الذي ولد في حلحول لا سيّما لدى أقرانه والأطفال الذي يصغرونه لا سيّما أن هيثم كان دائم اللعب معهم.
تنشط الحركة بين الأبناء والأمهات وتزينها الهدايا في يوم الأم، أما نسرين حالها ليس كأي أسرة، وليست كأي أم أو حتى ابنة لأم تنتظر زيارتها "يوم الأم لا أنوي الاحتفال به، هو يوم عادي، بناتي قلن لي سنشتري لك هدية، فقلت لهن لا، لكنهن مصرات، وأنا لا أريد زعلهن، وقلت لهن حسنا. وعادة أذهب أنا وأخواتي عند أمي في عيد الأم لكن هذه المرة سأبقى في البيت ولن أذهب، رغم أن أهلي دعوني لذلك، لكن خروجي مستحيل".
"أكثر ما يذكرني به وأفتقده، الفوضى ولعبه وصوته ومزاحه، وليته بقي وبقيت الفوضى التي يختلقها" قالت والدته.
هيثم كان محباً للعب وخاصة كرة القدم التي يحبها بجنون، يلعب مع أقرانه ثم يتابع لعبه مع من يصغرونه سناً، ورغم شغفه باللعب إلا أنه كان متميزاً أيضا في دراسته وحياته، قالت والدته " منذ صغره متفوقاً، ذكائه خارق، عقله كالكمبيوتر، كنت أقول له (والله غير أحسدك من كثر شطارتك)".
عودة لميلاد هيثم في نيسان 2001، تقول والدته أن ألم المخاض رافقها لمدة يومين، وتجرعت الوجع والموت بأشكالهما خلال ذلك. "ميلاده كان متعبا، غير عن أخواته، يومين وأنا أعيش المخاض، غلبني ولكنه أنساني كل ذلك لأنه ذكي ومطيع، وأنا أقول له حتى استشهاده أنت غلبتني بالولادة، وكلما قلت له ذلك (يضحك)".
5 شباط 2016 كان اليوم الأخير للطفل هيثم البو، وقبيل استشهاده تتذكر والدته " يوم استشهاده استيقظ مبكراً وسألني إن كنت أحتاج شيئاً، فقلت أريد بعض اللوازم لإعداد الطعام، أخذ أخواته الثلاثة في سيارة والده، ثم عاد وسألني تذكري هل تريدي شيئا آخراً، ثم ذهب، وعاد وسألني مجددا وذهب للمرة الثالثة، واشترى لي "أكامول"، لكن بكمية كبيرة، وقال لي أنت رأسك دائما يصدعك. بعدها تجهز وذهب للصلاة مع أبوه لمسجد النبي يونس ولم يعد إلا على الأكتاف".
وكان جنود الاحتلال قد أطلقوا النار على الطفل هيثم البو بحجة محاولته القاء زجاجة حارقة باتجاههم في منطقة الحواور بحلحول شمال الخليل، وتستطرد والدته "هيثم يحب الحيوانات، يوم استشهاده كان معه (جرو)، وجيش الاحتلال أطلقوا النار وقتلوا (الجرو) مع ابني هيثم، فهو دائما يلعب مع الكلاب لحبه بهم".
في سؤالنا للحديث عن هوية هيثم أكثر تنهدت والدته وطأطأت رأسها لتخفي دمعتها ثم رفعته بعدما مسحتها وقالت بحزم "يعجز اللسان عن هيثم".
تقول الأم نسرين :"لو رزقني الله بطفل سأسميه هيثم".
نسرين ما زالت لا تصدق رحيل نجلها الشهيد، وتتزلزل كلما سمعت أحدهم ينادي باسم "هيثم"، مع ذلك هناك من أقاربها من يسمي باسمه حباً وحفظاً لاسمه وقصته، إلا أنها ما زالت تتمنى أمنية كلّ مساء وتتعطش لها في يوم الأم "أتمنى منذ استشهاده حتى يومنا هذا أن يأتيني بالمنام حتى يستريح قلبي".