استطلاع رايــة: الافلات من العقوبة الرادعة سبب تصاعد الجريمة

2016-04-19 12:38:00

 

رام الله- رايــة:

فضل سليمان- 

اشار استطلاع شبكة رايه الاعلامية الاخير الى ان المواطن الفلسطيني المستطلع رايه، لديه الوعي الكافي باهم اسباب تصاعد الجريمة في فلسطين، فقد اجاب 66%  منهم ان السبب يكمن في غياب العقوبات الرادعة ، بينما اعتقد 27% منهم بان السبب هو الوضع الاقتصادي والسياسي، وفعلا تشير كافة الدراسات والابحاث الى ان افلات المجرمين من العقوبة هو من اهم اسباب استشراء الجريمة.

ما نريد قوله في هذه المقالة ان انهاء الافلات من العقوبة يحتاج لجهود متكاملة تبدا بدور الفرد وتمر بالاعلام، المؤسسات المعنية، التشريعات فالقضاء المستقل والنزيه، واخيرا دور الاجهزة المختصة بانفاذ احكام القانون.

إن الغاية من تأسيس الدولة ليست السيادة، بمعنى إرهاب الناس أو جعلهم يقعون تحت نير الآخرين، بل هي تحرير الفرد من الخوف، وجعله يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة، وإتاحة الفرصة لأبدان وأذهان المواطنين ان تقوم بوظائفها كاملة في أمان تام، بحيث يتسنى لهم أن يستخدموا عقولهم استخداما حرا دون إشهار لأسلحة الحقد، أو الغضب أو الخداع، ويتعاملون معا دون ظلم أو إجحاف؛ فالحرية إذن هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة.

تحليل مفهوم العقوبة 

العقوبة في القانون هي الجزاء الذي يقرره التشريع الجنائي لمصلحة المجتمع تنفيذاً لحكم قضائي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة لمنع ارتكابها مرة أخرى من قبله أو قبل الاخرين،ومن خلال هذا التعريف تتضح ان للعقوبة عناصر منها الاصلاح لان الجزاء ينطوي على الإيلام؛ كوسيلة لإصلاح المجرم وعلاجه، وهذا المفهوم للعقوبة دفع المشرعين لإلغاء عقوبات الحرق والتمزيق والصلب والوشم والكي بالنار...

وهناك عنصر حفظ حق المجتمع لان العقوبة رد فعل اجتماعي لحماية أمن المجتمع وضمان استقراره، ولحماية الفرد من النوازع الإجرامية الموجودة في داخله. ورد الفعل الاجتماعي لا يعطي الحق للأفراد لكي يقتصوا لأنفسهم من المجرمين؛ فالقصاص الفردي مرفوض من جميع الشرائع الوضعية، والمجتمع وحده صاحب الحق والسلطة في التجريم والعقاب.

وايضا عنصر سيادة القانون وهيبة الدولة، فالعقوبة تفرض من الدولة ولا يجوز فرضها إلا إذا ورد النص عليها من المشرع في وقت لاحق لارتكاب الجريمة، تفرض من قبل محكمة جزائية مختصة، بما يعني أنه لا يجوز فرض عقوبة من قبل سلطات الدولة الإدارية واجهزة الامن، بل يجب أن يناط فرضها بالسلطة القضائية، كما لا يجوز أن تمتد العقوبة إلى غير المسئول عن الجريمة، كأحد أقاربه، أو أصدقائه.

ويتضح مما تقدم أن العقوبة التي توقع بالجناة ومرتكبي أعمال العنف، تهدف الى حماية القيم والمصالح الاجتماعية والى تحقيق العدالة والى اصلاح وتقويم اعوجاج الجاني من خلال ازالة الخلل الجسمي أو النفسي أو الاجتماعي الذي دفعه إلى ارتكاب الجريمة، منعا له من الاقدام على الجريمة مستقبلاً.

ماهو مبدأ مكافحة الافلات من العقوبة

إن مصطلح الإفلات من العقوبة يُستخدم للإشارة إلى الحالات التي لايتم فيها محاكمة فيها الجناة أو لا يتم ملاحقتهم قضائياً او لا يعاقبون، وهو يعني (غياب تحميل المسؤولية الجزائية والمدنية والإدارية لمرتكبي الخروقات والإعتداءات على حقوق الإنسان).

وهناك فرق بين الإفلات القانوني والإفلات الفعلي من العقوبة، فالإفلات القانوني الغاية منه حماية بعض الاشخاص من كل تحقيق أو تتبع قضائي أو عقاب لأفعالهم الإجرامية، وعدم النبش في الماضي.

أما الإفلات الفعلي فهو يعود اما إلى ضعف في المنظومة القضائية والتنفيذية، أو أو بسبب غياب الإرادة لدى النظام  عموما للمحافظة على منافع ومصالح شخصية.أما بالنسبة للقانون الدولي الانساني فان مفهوم الافلات من العقاب يشير الى الاخفاق في جلب منتهكي حقوق الانسان والجرائم الدولية للعدالة، وهو بهذا يعني انكار حق الضحايا للحصول علي العدالة والتعويض المادي والمعنوي اللازم لهم. كما يعني العجز عن تسليط الضوء علي الجريمة وكشفها امام الرأي العام .

وبالنظر لاهمية ايقاع العقوبة بالجناة، ومنتهكي حقوق الانسان، لحماية مصالح المجتمع وتحقيق العدالة واصلاح الجناة، برز مبدأ عدم السماح لهم بالافلات من العقوبة. ففي المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في فينا سنة 1993 تم التوافق حول ضرورة مقاومة الإفلات من العقوبة، ودراستها كظاهرة تتعارض مع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لذا فمعاقبة المجرمين من شأنها أن تعزز الايمان بسيادة القانون وترسخ في الذاكرة الجمعية تجريم الدولة للإنتهاكات المرتكبة ومعاقبة المسؤولين عنها من أجل تفادي حصولها مستقبلا .

متى وكيف يحصل الافلات من العقوبة؟

يحصل الإفلات إما بحكم الواقع أو بحكم القانون، ويمكن أن تتم عملية الافلات من العقوبة في أي مرحلة، قبل العملية القضائية أو خلالها أو بعدها، احيانا لا تجري التحقيقات حول الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، على الأخص تلك المتصلة بالتعذيب والقتل غير المشروع ، وعندما يؤمر بالتحقيق، فإن التحقيقات لا تنفذ أو لا تتابع إلى النهاية. إن غياب التحقيقات والتستر عليها أو التلاعب تحت ظروف مختلفة.
واحيانا التحقيقات أو إجراءات المحاكمات الطويلة التي قد تصل الى عشر سنوات مما يشير إلى فشل الأجهزة القضائية،وقد تمتد الجلسات القضائية بحيث يسبب انقضاء الفترة القانونية لمحاكمتهم، او ربما تتجاهل السلطات السياسية في بعض البلدان عادة الأحكام الصادرة عن القضاء مما يقوض مبدأ سيادة القانون، اما الحصانة فانها تعتبر أكثر الأشكال القانونية فرصة لإفلات المجرمين او منتهكي القوانين او الفاسدين من العقوبات.

الاثار الاجتماعية لظاهرة الافلات من العقاب

هناك اثار كثيرة ترتبت على ظاهرة الافلات من قبضة العدالة منها تزعزع ثقة المواطن بأجهزة الدولة القضائية والتشريعية، وتعزيز ثقافة عدم احترام النظام العام والقانون والاحكام القضائية، وازدياد الجرائم لإزدياد احساس المجرمين بعدم وجود رادع يمنعهم،  استياء ذوي الضحايا حينما يشعرون ان ‏المجرم تمكّن من الافلات من قبضة العدالة، ان بقاء المتهمين والمجرمين خارج قضبان السجون يمثل اساة لسمعة الاجهزة الامنية والسياسية، وفي ذات الوقت تترك اثارا سيئة على الاجهزة القضائية والامنية والاستخبارية.

نحن بحاجة إلى استراتيجية لمناهضة الإفلات من العقاب

يتحتم على السلطة والاجهزة الامنية والمجتمع المدني التركيز على مكافحة ظاهرة الإفلات من العقوبة، والتي إن لم يتم التصدي لها فإنها سوف تلحق أضراراً بالغة بسيادة القانون والتعايش السلمي.
فلا بد من توافر الارادة السياسية، والاجماع على تطبيق العقوبة لمن ينتهك ويتجاوز القانون، وليس من الصحيح السكوت عن افلاتهم بذرائع سياسية مختلفة، وليس من العدل والانصاف ترك المجرمين أحرارا بهذه الحجة او تلك ، فالمجرم مجرم أيا كان انتماه السياسي او المناطقي ويجب ان يطبق عليه القانون حال مخالفته القانون، ولابد أن تترجم هذه الارادة على شكل مواثيق وعهود والتزامات سياسية وقانونية واجتماعية، وطنية ودولية، تكون قاعدة رصينة ومتينة تعتمد عليها الاجهزة التنفيذية والقضائية وتساعدهما على تنفيذ مهامهما ومسؤولياتهما بدرجة عالية من الثقة والطمأنينة.
ولا بد ايضا من دعم الاجهزة القضائية بتأهيل الهياكل القضائية والإدارية، والمحافظة على استقلاليتها، وتزويدها بآليات متطورة تسمح بالتتبع والتقييم والمراقبة.

انشاء صناديق تعويض الضحايا

ومطلوب كذلك تشجيع إنشاء وتعزيز وتوسيع الصناديق الوطنية المخصصة لتعويض الضحايا.، كالصندوق الخاص بتعويضات الاخطاء الطبية في المستشفيات، ((لا سيما مع ما نشهده من تكرار لاخطاء طبية او حالات اهمال، دونما ان نشهد حالات المساءلة والمحاسبة للمقصرين او المخطئين))، وضرورة توفير المساعدة المناسبة للضحايا بشكل عام في جميع مراحل الإجراءات القانونية، وأن يدفع المجرمون تعويضا عادلا للضحايا أو لأسرهم، وينبغي أن يشمل هذا التعويض إعادة الممتلكات ومبلغا لجبر ما وقع من ضرر أو خسارة، ودفع النفقات المتكبدة نتيجة للإيذاء، كما ينبغي أن يحصل الضحايا على تعويض من الحكومة التي كان موظفوها أو وكلاؤها مسؤولين عن ضرر وقع.

تيار المساءلة والعقاب

ان من واجب النظام أخلاقيا، أن يقوم بإدانة ومعاقبة الجرائم البشعة التي ارتكبت في حق الإنسانية ، حيث تمثل المتابعة واجبا أخلاقيا تجاه الضحايا وأسرهم. 

"ترتكز الديمقراطية ونبني على احترام القانون، لذلك من البديهي أن تتم البرهنة ، على انه لا أحد يعلو على القانون ، ولا حتى الشخصيات السامية والعسكرية ورجال الشرطة، ويتعلق الأمر هنا، بأخلاق المسؤولية، وتكمن في التذكير الرسمي والدقيق بحدود سلطات المقررين والمنفذين، فالمقررون والمنفذون على اختلاف مستوياتهم لم تكن سلطتهم مطلقة أبدا، وهي محددة بمقتضى القانون بمعناه الواسع، فلا يحق لأي مسؤول أن يشيد لنفسه "حديقة سرية"، او يتصور أن بوسعه ان يمتلك سلطة التصرف دون التعرض لأي عقاب، أما المنفذون، فإن مهمتهم تتمثل في الحفاظ على الأمن ميدانيا في إطار القانون والمشروعية، ونـظرية" الحـرابات الذكـية" تعني أن على المنفذ أن يرفض تنفيذ أوامر رؤسائه إذا لاحظ أن الأمر ينطوي على مس غير مشروع بأحد الحقوق، فليست هناك أية صعوبة في التمييز بين الأمر المشروع ، والأمر التعسفي، او الإجرامي.

من الناحية التاريخية؛ يعتبر النضال ضد الافلات من العقاب أمر ضروري لكتابة تاريخ الانتهاكات، فلكل شعب الحق في ذاكرته وكتابة تاريخه في إطار نقاشات حرة ودقيقة، يفصح من خلالها الفاعلون والشهود عن كل ما يعرفونه.

 

المصادر:

http://www.alarab.co.uk/?id=9227
http://daytoendimpunity.org/about/materials//ar/
دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الإفلات من العقاب
ارام عبد الجليل – الحوار المتمدن 1538
http://www.maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=725307