"كم خدعنا العرب حين قالوا أنهم قادومون لتحريرنا"..شهادات حية عن النكبة

2016-05-11 14:58:00

رام الله - رايـــة:

خاص رايـــة- يعود ابو اسماعيل في ذاكرته 66 عاماً وهو يرتشف فنجان قهوة بين أزقة مخيم الجلزون ويتحدث باشتياق لأرض قريته ويصف جمالها بينابيعها وكروم زيتونها وعنبها، ويروي تفاصيل التهجير القسري الذي تعرض له وأبناء شعبنا آنذاك.

"قبل شهرين أو ثلاثة من تهجيرنا كانت تحدث بيننا وبين الجماعات اليهودية مناوشات، كانوا يهجمون على ارضنا وكنا نتصدى لهم بما توفر لنا من سلاح مقارنه مع سلاحهم الذي كانت بريطانيا تهديهم إياه، اضطرننا حينها لبيع أجزاء من أرضنا لنشتري السلاح لمقاومة هجماتهم، وأذكر أني بعت "دونم " مقابل أن اشتري قطعة سلاح حيث كان سعره " 47 دينار أردني" وقيمة  المشط "  بـ24 دينار أردني".

"عندما خرجنا من القرية أخبرتني أمي أن أغلق باب المنزل جيداً وأسنده ببعض الحجارة خوفاً من اقتحامه وتخريب محتوياته، نفذت ما طلبت مني واذكر أني وضعت تحت احدى الحجارة مفتاح البيت لأني خفت أن أفقده في رحلة نزوحنا المؤقتة، لا أعلم الان هل بقي المفتاح مكانه أم ضاع بين أكوام قريتنا المهدمة، لكن كل ما أؤكده أني ما زالت أعرف مكان المفتاح فهو موجود في الجهة الشمالية من البيت قرب شجرة التين التي كانت مشهورة في القرية كونها أضخم أشجارها واكثرها انتاجاً للثمار".

"عندما بدأت الهجمات المنظمة للعصابات الصهيونية فجر 14 أيار لم نقدر على مجابهتهم فاضطر سكان قريتنا أن ينزحوا نحو الجبال القريبة من القرية كانت الأطفال يبكون بشدة وآهات الأمهات تصدح من كل حد وصب، أمهات لم تستطع أن تحمل أطفالها الرضع من طول المسافة التي سلكناها ويضطررن أن يلقيين بهم تحت الأشجار عل احدهم ينقذهم ويرعاهم، كانت المشاهد مؤلمة حقاً حين تشاهد إمرأة لا تستيطع إرضاع طفلها بسبب فقدان الحليب في صدرها".

"كنا ننام في هذه الأوقات في العراء مدة 5 أيام متتالية دون أكل أو ماء أو مأوى، وكنا نسمع في ذلك الوقت من خلال من يأتون إلينا أن العصابات الصهيونية ترتكب مجازر في كل القرى التي وجدوا فيها سكان، لقد عم الرعب بين قلوب النساء والأطفال من هول ما نسمع وعرفنا أننا وقعنا ضحية فبركة عربية كبرى بعد أن كانوا يقولون لنا أن الجيوش العربية في طريقها لتحررينا من هذه المجازر، وأدركنا أن العصابات الصهيونية في طريقها إلينا لاستكمال مسسل مجازرها بحق أبناء شعبنا."

"انتقلنا بعد ذلك إلى أكثر من مكان حتى حطت بنا الرحال في عقبة الجبر بأريحا ووفرت لنا وكالة الأونروا بعض الخيم، لكننا لم نحتمل حرارة الصيف الحارقة في أريحا فهاجمنا مقر الأونروا بالحجارة لينقلونا إلى منطقة أخرى أقل حرارة، فنقلونا إلى قرية دورا القراع شرق رام الله، وأقاموا لنا الخيام في اراضي القرية والتي صارت تعرف لاحقاً بمخيم الجلزون، شعرنا بسعادة لا تصدق عندما انتقلنا من عقبة الجبر إلى دورا القرع بسبب ما وصفه بالانتقال من الظلم إلى النور، خاصة للفارق الكبير بين درجات الحرارة بين المنطقتين".

"فرحتنا التي شعرنا بها في تلك الفترة لم تدم طويلاً حيث تحولت إلى عبئ كبير بعد أن ضاقت بنا الأرض وأصبحت المنازل مكدسة فوق بعضها البعض، الأرض تضيق علينا ولم تعد تتسع لأصحابها، لم يبق أي مساحة ترابية حول المنازل وما يوجد هو اسمنت فقط ونحن نقوم بزراعة شتل العنب ونواصل الاهتمام بهن حتى نبقيهن على قيد الحياة، لقد بحثت عن مساحة ترابية حول المنزل لزراعة دالية العنب شبيهة بالتالي كانت مزرعة امام منزلنا في بيت نبالا ،وكلما تذكرت كروم العنب والتين في قريتنا التي كانت تحطينا من كل جانب، أحس بالحسرة والظلم كلما نظرت إلى شتلة العنب التي تصارع الحياة وسط ركام الباطون في المخيم".

"كلما نظرت من شرفة منزلنا في المخيم تطل علي مستوطنة "بيت إيل" المحاذية للمخيم وأقول "كم خدعنا العرب حين قالوا أنهم قادومون لتحريرنا، أليس من الظلم يتربع هؤلاء الغرباء على أرضنا وبمساحات شاسعة من الأرض ونحن حبيسي كيلو متر مربع يقيم عليه آلالاف السكان".

"أنا الآن عمري يتجاوز الثمانين وما زالت أنتظر صباح اليوم الذي أعود فيه إلى قريتي وأنعم بينابيعها وكرومها وترابها وأدفن فيها، إني لا أنتظر سوى قدره الله على طمر هذا المحتل في التراب".