ابو فهمي.. سيد "المهنة المقدسة"

الخليل- رايــة:
طه أبو حسين-
نهار الحاج أبو فهمي ليس كباقي نهارات البشر، فهو يبدأ يومياً مع انتصاف الليل، حيث يترك الحاج الستيني فراشه الدافيء، ويشمر عن ساعديه ليبدأ بعجن القمح والشعير في مخبز أبو اسنينه، ثم يقطّعه ويبسطه وبعدها يجهز بيت النار العربي لخبيزه، وما أن تشرق الشمس حتى تبدأ عملية البيع لأهل الخليل كي يتناولوا وجبه فطورهم بنكهة خليلية عربية أصيلة.
عبد الجواد تعلّم فنون الخبز على الطريقة العربية الأصيلة منذ كان طفلاً صغيراً، غير أنه يعمل في هذه المهنة منذ خمسة عشر عاما، بعد أن قرر ترك كار "الحدادة" وترك عمله كعامل داخل الخط الأخضر، وبسبب الاغلاقات وضيق الحال مع بداية انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، عاد يفتّش عما يستطيع استثمار وقته فيه، فوجد المهنة التي تعلمها على يديّ والده، فالتحق بمخبز أبو اسنينه والذي ما زال فيه.
الشيب ملء رأس الخباز أبو فهمي، غير أنه يعمل بجد وجهد كبيرين لا يقوى عليهما كثير من الشباب، والسبب؛ حبّ المهنة "هذه المهنة مهنة آبائي وأجدادي، فأنا تعلمت منذ كنت صغيرا على يدي والدي، لكني لم أعمل معه، وحينما أغلقت الطرق عدت للمخبز، فأنا أحب المهنة ولا أحب الغياب عن العمل إلا في الأعياد الرسمية، الفطر والأضحى".
ولفرط حبه وشغفه بالمهنة، وعلى مدار خمسة عشر عاما لم يتغيّب اعبيدو عن المخبز إلا ثلاثة أيام في الآونة الأخيرة لمرض ألم به " ، العمل متعب جدا، حتى الشباب لا يصمدون بهذا العمل، فعلى مدار عملي عشرات الشباب جاؤوا للمهنة، وهربوا منه لأن العمل متعب".
وعلى الرغم من أن أبو فهمي تعلم المهنة من والده، إلا أنه لم يعلمها لأولاده، "هذه المهنة تريد أناسا طويلين روح وبال، وأولادي عصبيين وحربيين، لا طاقة لهم عليها".
تمر عملية إعداد الخبز الخليلي العربي الأصيل على عدة مراحل قبل وضعها في بيت النار، "نعجنه، ننقله، نقرصه، نبسطه، نريحه، ثم نحمي بيت النار، ثم نخبزه".
يقف أبو فهمي أمام بيت النار العربي رغم الحرارة المرتفعة، يضع العجين، وبعد دقائق قليلة يسحبه مجددا عبر عصا خشبية طويلة خصصت لهذا الغرض، ليكون جاهزاً للأكل.
لكل مهنة أسرارها وسرّ الخبز الخليلي العربي "ضبط العيارات ووضع الكمية نفسها كما تعلمناها، حتى الملح والخميرة بالميزان، والمياه كذلك، وبالتالي نحافظ على نكهة الخبر".
أبو فهمي له خمسة عشر ولداً وابنةً، والسادس عشر في طريقه للحياة، ورغم كبر سنه والتجاعيد التي تزيد يوما بعد يوم في وجهه ويديه، إلا أنه يتشبث بالحياة ويعطي من خلالها كل الحب، كما أنه يستمر في عمله كونه يعتبر مهنة "الخباز" مهنة مقدسة ومباركة.