ترامب وكوابيس نتانياهو

في برقية تهنئة من كلمات معدودة، حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عنوان المرحلة المقبلة من العلاقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقول إنه يتطلع الى «تحالف أقوى من أي وقت مضى»، مختزلاً كثيراً من التفاؤل بالعهد الأميركي الجديد والطموحات والتوقعات.
ولكن لسبب ما تبدو هذه التهنئة استفزازية، ربما لأن من يعرف أسلوب نتانياهو يدرك أنها برنامج عمل أكثر منها مجاملة ديبلوماسية، أو ربما لأنها تصدر عن رئيس حكومة مهزوم داخلياً وخارجياً ونفسياً يحاول الاستقواء بالإدارة الأميركية الجديدة في مواجهة الكوابيس الكثيرة التي تلاحقه، من إخفاقه في الملف الفلسطيني، فالإيراني، الى العزلة الدولية التي تحيط بإسرائيل وتعززت في زمنه، الى هزائمه الداخلية، وأخيراً شبهات الفساد التي تحوم حوله واحتمالات توجيه اتهامات اليه بخيانة الأمانة.
الأكيد أن نتانياهو لن يكون في زمن ترامب كما كان في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، بافتراض ان نتانياهو سيبقى في الحكم. عهد ترامب سيكون مختلفاً. سيكون رئيس الوزراء الإسرائيلي في مواجهة رجل أبيض من «الواسب البيض» (الذين يتحدرون من أصول أنغلو - ساكسونية وينتمون إلى الطبقة البرجوازية المتعلمة والمرفهة في أميركا)، وتأييده لإسرائيل لا يخضع لعقدة الدونية التي حكمت أوباما. عند «الواسب»، إسرائيل طفلة مدللة، ولكن لا يُترك لها القرار ولا يكون أمرها مطاعاً تماماً. وما من مثال أوضح من تهديد الرئيس جورج بوش الأب حكومة اسحق شامير في بداية التسعينات بحرمانها من ضمانات القروض الأميركية إن واصلت الاستيطان. فماذا لو أضيف أن ترامب لا يدين لأحد بشيء لأنه لم يعتمد على أي جهة في تمويل حملته الانتخابية، خصوصاً اللوبيات الصهيونية، وأن برنامجه السياسي قائم على فكرة «أميركا أولاً»؟
ماذا لو أضيفت أيضاً شخصية ترامب المتقلبة والانفعالية ونرجسيته؟ تخيلوا مثلاً رد فعله إذا تعامل معه نتانياهو باستعلاء أو بعنجهيته المعهودة؟ أو تخيلوا العلاقة بينهما فيما يحاول نتانياهو تأليب الكونغرس على الرئيس. أو تخيلوا أن تستقبل إسرائيل موفدي ترامب كل مرة بالإعلان عن خطط استيطانية لإحباط الزيارة، مثلما كان يفعل نتانياهو في عهد أوباما!
على رغم أن ترامب أعطى إسرائيل مؤشرات أولية مشجعة، اذ أيّد الاستيطان ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وعيّن صهاينة في المناصب التي لها علاقة بالدولة العبرية، ودعا قادة المستوطنات إلى حفلة تنصيبه، إلا أن شعارات المرحلة الانتخابية ووعودها شيء والواقع شيء آخر قد لا يتطابق مع حسابات نتانياهو أو السلطة الفلسطينية. فبين ليلة وضحاها، عدّل ترامب عن نقل السفارة إلى القدس باعتباره أمراً سابقاً لأوانه، ووعد نتانياهو خلال محادثتهما الهاتفية ببحث الموضوع في الوقت المناسب، مشيراً إلى رغبته في دفع عملية السلام.
ولا يُعرف ما دار بين الرجلين في الاتصال الهاتفي باستثناء تسريبات إعلامية نقلت عن ترامب تشديده على أن السلام لن يتأتى إلا بالمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل. لكن التصريحات والمواقف التي سبقت الاتصال وتبعته، تشي بأن الحوار قائم بين إدارة ترامب وإسرائيل في قضايا الصراع. في هذا السياق يُفهم قول نتانياهو لوزراء حزبه «ليكود» إنه مستعد لإعطاء الفلسطينيين دولة منقوصة الصلاحيات، ثم تأجيله طرح ملفات الاستيطان في إطار ما سمّاه ديبلوماسية مسؤولة لا تفاجئ الإدارة الأميركية الجديدة. وليس اللقاء المتوقع بينه وترامب الشهر المقبل سوى مناسبة لتنسيق المواقف من القضايا الرئيسة، خصوصاً عملية السلام.
هنا مربط الفرس. هنا الامتحان الجدي لنتانياهو وإسرائيله، تحديداً يوم يطلب ترامب منه أن يطرح تصوره لتسوية الصراع مع الفلسطينيين. إنها لحظة الحقيقة المقلقة، عندما يطفو التناقض الأساسي بين ترامب «التاجر» الذي يريد أن ينجز «الصفقة الكبرى»، وبين نتانياهو ممثلاً لليمين الذي لا حل لديه، بل لا يريد أي حل، ولا يستطيعه حتى إن أراد. آنذاك قد تتحوَّل الأحلام الوردية لنتانياهو وإسرائيل إلى كوابيس يصحو عليها اليمين واليسار، ولا تعني بالضرورة أنها لمصلحة الفلسطينيين أيضاً، فهل يبقى آنذاك مكان للتفاؤل الإسرائيلي بعهد ترامب؟