القاعود.. خمسة عقود وما زالت نكهته شابة!

الخليل- رايــة:
طه أبو حسين
يتربع الحاج محمد القاعود على مشارف عقده الثامن، بشعره الأبيض الذي يزيد عن بياض بشرته الناصعة، ورغم التجاعيد المنسدلة في وجهه، إلا أنه يشع حياة، بابتسامته الدائمة، بينما يسكب الحمص والفول في الصحن ثم يصب عليها بعض الزيت قبل أن تقدم للزبون مع بعض المقبلات الخاصة بمطعم القاعود الشعبي.
"القاعود"، عمره تسعة وسبعين عاماً، وعمر اسمه الذي كان سبب شهرته يزيد عن خمسة عقود، تلك العقود التي نبتت من بين العقد التي أصطنعها الاحتلال في الخليل العتيقة، فذاع صيته في كل أرجاء المدينة وقراها حتى أن السمعة الطيبة قطعت حدود المحافظة والوطن كاملاً ليأتيه الزوار من خارج فلسطين طلباً لتناول وجبة الفطور المميزة بمكوناتها البسيطة وسعرها المتواضع.
حكاية الحاج محمد القاعود الذي يبدأ يومه من السابعة صباح وحتى ساعة العصر بدأت بصورة طبيعية، فقد تنقل بين المطاعم حتى تعلم المهنة بشكل جيد ثم انتقل للأردن للعمل فيها وتحديدا للجيش الأردني".
بعد سنوات من العمل في الأردن، قرر القاعود العودة للخليل، وفتح باب رزق خاص به،"أسست مطعم القاعود منذ 50 عاما، فتحت محل للحمص والفول والفلافل في بوابة دار شاور بالبلدة القديمة لمدة 20 عاما، ثم انتقلت للمحل الحالي منذ 30 عاما".
يعد القاعود الحمص والفول والمسبحة والمتبل، ويستقطب الناس من كل المناطق، لأسباب بسيطة"عملي متواضع، شعبي، سعري مناسب، لا أطمع بالناس، الأكل نظيف، آتي بالبضاعة النظيفة والغالية والبيع رخيص، فأبيع الصحن أربعة شواقل مع خبز وبندورة وبصل، والناس مبسوطة هنا، وأنا رجل طول عمري أحب اكرام الزبون، ومن لا يوجد معه المال، أقول له مع السلامة، وربنا يسهل طريقك".
"البيع على البساطة، فرواد مطعمي من مختلف مناطق المحافظة، سواء موظفين، نساء، عمال، طلاب، فأنا لا يوجد عندي طمع بالناس" قال القاعود.
وعند سؤالنا الحاج محمد إن كان بيع الصحن بأربعة شواقل مع توابعه مجديا أم لا، كان رده "لا أحسب، فأنا اعمل على البركة، فلا أحسب لا بالبيع ولا بالشراء، لأنني لو أردت الحساب لا أعمل، فلدي قناعة بقسمة الله والبركة من عنده".
القاعود الذي يصر أن يعمل بنفسه رغم وصوله العقد الثامن من عمره يقول"سر شهرتي، الأقدمية في هذا المجال، إكرامي للناس، فدعايتي بالبساطة قوية، خاصة أني أعمل على مبدأ البساطة وطولة البال، وأنا لا اعرف رأسي من قدمي بخصوص المربح، لأنني أحب العمل وأحب أن أرى الناس سعيدة".
"وجود الاحتلال أثر علينا كثيرا، في الانتفاضة الثانية أغلقنا ستة شهور خاصة فترة عملية واد النصارى، كانت هذه المنطقة مغلقة عسكريا، ونقطة مواجهات، فنضطر لإتلاف الحمص والفول، لكن الوضع الحالي أبسط، فالمواجهات خفّت حدتها، والوضع يسير بصورة شبه طبيعية".
يستذكر القاعود وضع البلدة القديمة قائلا "على مدار العقود الماضية أغلقت الكثير من المحال التجارية، تجاوزت 100 محل، فكرت بداية الانتفاضة بالإغلاق خاصة أن محلنا كان يغلق لأشهر ونتلف الحمص لأنه يخرب".
حتى يحافظ القاعود على الاسم الي نحته في ذاكرة أبناء الخليل، علم المهنة لثلاثة من أولاده، إضافة إلى بعض أحفاده، ومراد القاعود ، 26 عاما، أحد أحفاده الذين يعملون معه " تعلمت المهنة من عمي نضال الذي تعلمها عن جدي، وعملت معه سنتين، والآن أعمل مع جدي منذ 7 سنوات، والتعامل معه صبابة، رجل كبير يعمل حتى اللحظة، فوجوده له نكهة خاصة، هذه المهنة أخذتها من جدي".
أما الحفيد محمد القاعود فيقول " هذه المهنة تاريخ لكل أهل الخليل، فالقاعود معروف ومشهور، ويأتوه من دول الخارج، يأكلوا وينبسطوا، تعلمت المهنة بشكل كامل وعلى مبدأ البساطة الذي علمنا إياه الحج".
يردف محمد قائلا "استمرارية القاعود تعتمد على البساطة ومجاورته الحرم الابراهيمي والبلدة القديمة".
على إحدى الطاولات يجلس باسم الجعبري الذي يأكل وجبة فطوره بمتعة عالية "منذ سنين وأنا آتي للقاعود، منذ كنت ولدا، بما يزيد عن ثمان سنوات، فانا معتاد على الأكل عنده، أسعاره جيدة وتعامله ممتاز، فنكهته قديمة، ودقته قديمة.
أما عدنان الجعبري "آكل عند القاعود منذ 35 سنة، فكل أسبوع آتي لأفطر عنده، فسلوكه جيد، واكله طيب، ولا يأخذ مالا مثل الناس، سعره جدا متواضع، خاصة أن الوضع الاقتصادي صعب، فأسعاره مناسبة لنا".