الطفلة وصال.. شهيدة المخيم والعودة

2018-05-21 12:38:00

راية: سامح أبو دية

في كل مرة خرجت فيها متجهة نحو الحدود الشرقية لقطاع غزة، كانت الطفلة وصال الشيخ خليل تدعو الله أن يرزقها الشهادة، حتى باغتتها رصاصة قناص اسرائيلي في رأسها، أسقطتها أرضا، لتكون أول شهيدة في مسيرة العودة.

يوم الاثنين الرابع عشر من مايو، ذلك اليوم الدامي، الذي شهد أبشع مجازر الاحتلال، كانت الشهيدة الشيخ خليل (15 عاما) قد جهزت نفسها جيدا للخروج صباحا، للمشاركة ومساندة الجماهير في يوم أطلق عليه "مليونية العودة".

في اليوم السابق، تناولت وصال وجبة العشاء برفقة أمها وشقيقاتها الثلاث، وقالت ممازحة: "تلك آخر وجية أتناولها بينكن، قد أكون غدا شهيدة"، تقول والدتها ريم أبو عرمانة "فعلا كانت آخر وجبة لها بيننا".

ووفق شقيقاتها، فقد رفضت تناول أي وجبة بعدها، حتى عند خروجها في الصباح رفضت تناول الافطار، كما رفضت شراء أي من حاجيات البائعين، ورفضت ايضا تناول "ساندويتش" من صديقتها في المسيرة، كي لا تنقد وصيتها.

والدتها أم مؤمن (43 عاما)، تقول: "بعد فشل كل محاولات منعها من الخروج، تمكنت وصال من الخروج أمام عينيّ بقوة اصرارها، خرجت وهي تلوح بمفتاح في يدها، وعادت بعد ساعتين شهيدة".

الشهيدة وصال الشيخ خليل

قبل تحركها من منزلها البسيط المُستأجر بمخيم المغازي وسط قطاع غزة، كانت تحتفظ الشهيدة وصال بمبلغ 3 شواقل ونصف، أهدته لإخوتها الصغار، وقالت لوالدتها آنذاك:" يما هذا المبلغ لأخواتي الصغار، خليهم يشتروا حاجات فيهم".

"شهود عيان لحظة اصابة الشهيدة وصال الشيخ خليل برصاصة في الرأس، أخبروني بأن ابنت تلفظت بالشهادة قبل أن تفارق الحياة، شرق مخيم البريج وسط القطاع"، تقول والدتها.

ويقول محمد، شقيق الشهيدة، الذي كان برفقتها خلال المسيرة، إن وصال، فور وصولها إلى مخيّم العودة شرق البريج؛ بدأت بمساندة الشباب هناك، ومدّهم بالمياه من أجل تخفيف حّر أشعة الشمس عنهم.

صورة للشهيدة الشيخ خليل، أظهرت اللحظات الأخيرة من حياة الطفلة، حيث كانت تلهو مع أحد الأطفال وسط الدخان والنار على الحدود الشرقية لمخيم البريج، قبل أن ينزعج قناص إسرائيلي من مشهد اللهو هذا، ويرديها.

وتفسر أسرة الشهيدة الشيخ خليل، أن المسيرات ألهبت مشاعرها ولطالما خرجت في مرات عديدة، ثم بدأت تفكر بكثرة في "الشهادة"، تقول أم الشهيدة: "الحياة أصبحت غير محتملة لأطفالها السبعة مع اضطرار الأسرة للتنقل كل ثلاثة أو أربعة أشهر بسبب عدم القدرة على تحمل الإيجار".

وتشير الى أن وصال كانت تحلم بالاستقرار في منزل تمتلكه وتشعر فيه بالراحة، تضيف شقيقتها: "أكثر بيت سكنا فيه كان لمدة 7 شهور"، مشيرة الى أنهم سكنوا عشرات البيوت المستأجرة منذ 23 عاما، بسبب الفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية.

والدة الشهيدة الشيخ خليل

أشقاء الشهيدة الشيخ خليل الخمسة، يتذكرون كيف كانت وصال مفعمة بالمرح والسعادة، وتستذكر شقيقتها احدى المواقف فتقول: "كان شقيقنا الأكبر قد حذرها من الخروج في الاحتجاجات وهددها، مداعبا، بأنه سيكسر رجليها إذا حاولت الخروج، لكنها كانت ثابتة، وقالت إذا كانت لدي رجل واحدة فسأخرج، وإذا كسرت الاثنتين فسأحبو".

الشهيدة وصال الشيخ خليل، كانت قد خططت للشهادة بالفعل، فقد أوصت والدتها أن تدفنها في مكان وفاتها أو في المكان المجاور لقبر جدها، تضيف الأم: "يمنع الدفن في تلك المقبرة حاليا، الا أننا تمكنا من تدبر الأمر ودفنت بجوار جدها".

وعند سؤال أم مؤمن، عن مدى ندمها لسماحها للشهيدة وصال بالخروج في ذلك اليوم، أعربت عن عدم ندمها مطلقا، مضيفة: "لست نادمة أبدا، وإن كان احد آخر من ابنائي أيضا أراد الخروج فلن أمنعه".

الرسم بالنسبة للشهيدة الشيخ خليل كانت هواية تنمو شيئا فشيئا، وقد رسمت احدى اللوحات وأهدتها لوالدتها قبل أن ترتقي بساعات، كانت عبارة عن لوحة أظهرت فيها حبها الشديد لأمها، كما أهدتها قصيدة حفظتها، في ذكرى عيد ميلاد أمها الذي يصادف نهاية الشهر الجاري.

وارتكب جيش الاحتلال، الاثنين والثلاثاء من الاسبوع الماضي، مجزرة حقيقية بحق المتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة، واستشهد فيها 64 مواطنا وجرح الآلاف، بينهم أطفال.

وصال الشيخ خليل