ائتلاف أمان يحذر من تراكم الديون ويدعو لإصلاح مالي شامل وإعادة هيكلة المؤسسات

عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة نقاش حول مسودة تقرير بعنوان "واقع متأخرات القطاع الخاص وحجمها والشفافية في معايير سدادها"، وذلك في إطار مساهمته الرامية إلى تعزيز مبادئ النزاهة والشفافية في إدارة المال والشأن العام. وقد شارك في الجلسة ممثلون عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء والادارة العامة للشكاوى، ووزارتي الأشغال والصحة، إلى جانب اتحاد المقاولين واتحاد موردي الأدوية وسلطة المياه وسلطة النقد الفلسطينية والمجلس الأعلى للشراء العام واتحاد المستشفيات والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إضافة إلى عدد من مؤسسات المجتمع المدني.
افتتحت الجلسة لميس فراج، منسقة الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، مشيرة الى أن التقرير يهدف إلى تشخيص وتحديد الأسباب الذاتية التي أدت إلى تعمق أزمة المديونية في دولة فلسطين، واستعراض تطور هذه المديونية وربطها بمؤشرات هامة كالناتج المحلي الإجمالي والإيرادات وخدمة الدين العام، إضافة إلى تقديم مقترحات من شأنها وقف النزيف الناتج عن أداء المؤسسات، والسعي لمعالجة الأخطاء التي ارتكبت وأسهمت في الوصول إلى الوضع القائم.
وضع مالي أكثر صعوبة مما كان عليه في مرحلة الانقسام
وقد استعرض الباحث يوسف الزمر التقرير، موضحاً أن الوضع المالي الحالي للسلطة الفلسطينية أكثر تعقيداً وصعوبة مما كان عليه بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، إذ ارتفع حجم المديونية العامة من نحو 3.5 مليار دولار آنذاك إلى ما يقارب 11.5 مليار دولار اليوم، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف تقريباً، في ظل تراجع الدعم الخارجي عبر السنوات.
عجز مالي متنامٍ
وبحسب أرقام وزارة المالية للأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، فإن إجمالي النفقات مع صافي الإقراض يبلغ نحو 4,500 مليون دولار سنوياً، وبعد استثناء دعم الوقود البالغ 262 مليون دولار، يستقر الرقم عند 4,238 مليون دولار. وبمقابل إيرادات مثالية تصل إلى 1,400 مليون دولار، ودعم مفترض بحدود 1,300 مليون دولار، فإن إجمالي الإيرادات لن يتجاوز 2,700 مليون دولار، ما يعني وجود عجز يتجاوز 1,500 مليون دولار، وذلك دون تسديد أي متأخرات أو الالتزامات تجاه النقابات.
تضخم الجهاز الوظيفي
أكد التقرير أن فاتورة الرواتب وتضخم الجهاز الوظيفي يشكلان المعضلة المركزية التي تواجه السلطة، موضحاً أن معدل دوام العسكريين بالمجمل ثلاثة أيام من أصل خمسة، ما يعكس زيادة بنسبة 40% عن الحاجة، بينما معدل دوام موظفي الوزارات المدنية بالمجمل أربعة أيام من أصل خمسة دون تأثر الخدمات، بما يكشف زيادة بنسبة 20% عن الحاجة. وبيّن أن تكلفة الرواتب العسكرية تبلغ 260 مليون شيكل شهرياً، فيما تكلف الرواتب المدنية نحو 510 ملايين شيكل، ما يعني إمكانية التوفير بنحو 150 مليون شيكل شهرياً في بند الرواتب وحده، إذا ما جرى تنفيذ خطة تدريجية ومدروسة لتقليص العدد الزائد عن الحاجة.
خطة إصلاح تدريجية
وشدد التقرير على ضرورة أن تعتمد السلطة الوطنية الفلسطينية خطة إصلاح مالي على مدى عدة سنوات، تتضمن وقف التوظيف بكافة أشكاله، والاستعاضة عنه بنقل الموظفين بين المؤسسات لسد الاحتياجات، إلى جانب إلغاء قرار منع النقل بين الكادرين المدني والعسكري. كما طالب بوقف الحلول القائمة على توظيف العاطلين عن العمل في الجهاز الحكومي، مع التركيز على خلق فرص عمل في القطاع الخاص.
أزمة هيئة التقاعد
وفيما يتعلق بمديونية صندوق التقاعد، حذر التقرير من غياب أي أفق لمعالجة المليارات المستحقة للصندوق، ما يجعله مهددا بالإفلاس، مقترحا تعديلاً لقانون التقاعد، بحيث تقتصر مسؤولية الصندوق على المتقاعدين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية، مع اعتماد شرط 15 عاماً من الخدمة الفعلية كحد أدنى، فيما تبقى فئات أخرى مثل العسكريين والدبلوماسيين والوزراء تحت مسؤولية وزارة المالية إلى حين إيجاد حلول بديلة.
تخفيض النفقات وزيادة الإيرادات
ولفت التقرير إلى أن معالجة الأزمة تتطلب أيضاً تقليل نفقات الداخلية والأمن الوطني التي تبلغ نحو 1.1 مليار دولار سنوياً، وهو رقم لا تستطيع الخزينة تحمله. كما دعا إلى البحث عن بدائل لنفقات وزارة التربية والتعليم، عبر التفكير جدياً في نقل التعليم الإلزامي للهيئات المحلية والمؤسسات غير الربحية والقطاع الخاص، مع التخلي عن التعليم الجامعي الحكومي والإبقاء على الدور الإشرافي والتنظيمي فقط.
وختم التقرير بالتأكيد على ضرورة وقف المشاريع التطويرية غير الملحة التي كلفت أكثر من 300 مليون شيكل خلال عامي 2023 و2024، والعمل على وضع خطة طوارئ مالية شاملة تكون مدعومة من القيادة الفلسطينية، وشفافة أمام الرأي العام، بما يتيح للمجتمع تفهّم طبيعة الأزمة وحجم التحديات القائمة.
تعقيبات متعددة
من جانبه، أكد كامل الريماوي، الوكيل المساعد للشكاوى في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أن الأزمة الراهنة ذات أبعاد سياسية أكثر من كونها مالية، موضحاً أن الاحتلال يسعى إلى دفع السلطة نحو الانهيار عبر خنق مختلف أركان الدولة الفلسطينية والتضييق على كل ما يتعلق بعملها. ووصف الريماوي الوضع بـ"الكارثي" الذي يزداد عمقاً، مشدداً على أن المخرج يتطلب تكاتف الجميع والعمل بجهد جماعي لمواجهة هذه التحديات.
وفي مداخلته، أوضح أحمد دراوشة من وزارة الأشغال أن الوزارة تتعامل حصراً مع الشركات المصنفة والمسجلة والمؤهلة وفق متطلبات المشاريع، مؤكداً أن قانون الشراء العام يلزم بتحديد تكلفة للمشروع ويضع سقفاً أعلى لا يتجاوز 10%، لكنه لا يحدد حداً أدنى للتكلفة التقديرية. وأشار إلى أن العروض التي تقدم بأسعار متدنية بشكل غير طبيعي يتم التعامل معها من خلال لجنة مختصة بطلب متطلبات إضافية للتأكد من القدرة على التنفيذ، وفي حال عدم تحقق الشروط يتم استثناؤها. وأضاف أن معالجة بعض الإشكالات المتعلقة بآليات التكييف تبقى مسؤولية تقع بشكل أكبر على عاتق اتحاد المقاولين.
هناك حاجة الى عمليات جراحية لمنع الانهيار التام
في حين أكد أحمد القاضي، رئيس اتحاد المقاولين، أن الحكومة تتحمل مسؤولية مباشرة تجاه الشعب وإدارة شؤونه، وكذلك تجاه القطاع الخاص الذي لا يمكن أن يُترك وحيداً ليتحمل أعباء الأزمة المالية، داعياً إلى عمل مشترك لتشخيص الواقع المالي ووضع حلول جذرية و"عمليات جراحية" تعيد التوازن وتمنع الانهيار الحاصل.
أوضح القاضي أن اعتماد الحكومة على الاستدانة من البنوك انعكس بشكل مباشر على القطاع الخاص الذي أصبح بمثابة "الممول الإجباري" للحكومة، منوّهاً أن تعامل الحكومة مع المقاولين باعتبارهم "بنكاً بلا فوائد" يشكل هدراً للمال العام، إذ أن تأخر الدفع يعادل فوائد قد تصل إلى 40% أو حتى 100% في بعض الحالات. وأشار القاضي أيضاً إلى وجود فجوة كبيرة في أسعار المشاريع الممولة، إذ يبلغ سعر الطن الواحد من الزفتة في المشاريع الممولة من المانحين 45 شيكلاً، بينما يصل في المشاريع الممولة من وزارة المالية إلى 105 شواقل، ما اعتبره هدراً واضحاً للمال العام.
عدم الدفع في الأوقات التعاقدية يوفر بيئة للفساد
وقد شدد القاضي على أن تأخر الحكومة في دفع المستحقات ضمن المدد التعاقدية يشكل مدخلاً للفساد، سواء عبر الرشوة أو الغش في المواصفات أو غياب النزاهة والحوكمة في إدارة المشتريات، لافتاً إلى أن بعض الجهات المستثناة من قانون الشراء العام تمارس عمليات شراء لا تخضع للمعايير السليمة.
وأوضح القاضي أن قطاع المقاولات يشكل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي ويشغل 25% من القوى العاملة، ويرتبط بأكثر من 160 قطاعاً فرعياً، ما يعني أن أي خلل في دفع المستحقات لا يضر بالمقاولين وحدهم، بل ينعكس سلباً على الاقتصاد الوطني بأكمله.
إصلاح النظام الصحي ضرورة وطنية ملحّة.. تبنّي تأمين صحي شامل وإلزامي للجميع
أوضح مهند حبش، المدير التنفيذي لاتحاد موردي الأدوية، أن أكبر مديونية للقطاع الخاص تتركز على المستشفيات والقطاع الصحي الحكومي، حيث تعتمد الشركات بشكل أساسي على التوريد للحكومة أكثر من القطاع الخاص، ما جعلها تواجه أزمات مالية متكررة نتيجة تراكم الديون وتأخر الدفعات. لفت حبش إلى أن الاتفاق مع الحكومة عام 2023 كان يقضي بتثبيت المديونية عند 750 مليون شيكل، غير أن الرقم ارتفع اليوم إلى نحو مليار و100 مليون شيكل، مضيفاً أنه قد تصل الفوائد والرسوم البنكية المترتبة على الموردين مجتمعين إلى نحو 60 مليون شيكل سنوياً
أكد حبش أن أسعار شركات الأدوية تخضع لتعليمات تسعير سنوية تضع هامش ربح محدد لكل فئة، يستند إلى تكاليف الاستيراد وأسعار دول الجوار وبلد المنشأ. وأشار إلى أن دخول الشركات في عطاءات حكومية يفرض سقوفا عليها يجب ألا تتجاوز أسعارها 80% من السعر المعتمد للقطاع الخاص. وقد بيّن حبش أن تأخر الحكومة في السداد أدى إلى تعثر التوريد، وهو ما اعترفت به وزارة الصحة نفسها، إذ تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 500 صنف دواء ومستلزم طبي ناقص، بينها 13 صنفاً سجلت "رصيداً صفرياً" في المستودعات.
وشدد حبش على أن الأزمة لا تقتصر على تأخر الدفعات، بل ترتبط بوجود خلل في النظام الصحي والتشريعات الناظمة له، ما يستدعي إصلاح النظام الصحي ومراجعة شاملة وتطوير الأنظمة والقوانين، بما يشمل ملف التأمين الصحي وضرورة جعله شاملاً وتكافليا، بحيث يُؤمَّن جميع المواطنين لدى الحكومة بشكل عادل، لتخفيف الضغط عن وزارة الصحة وضمان استدامة التغطية الصحية.
مجلس الشراء قيد العمل على آلية شفافة وثابتة لدفع المستحقات
أوضح مؤيد عودة من مجلس الشراء العام أن اللجنة تملك سلطة التقدير في التعامل مع العطاءات التي تُقدَّم بتكلفة أقل من الكلفة التقديرية، حيث يمكنها طلب اتفاقيات أو وثائق تثبت قدرة المقاول على توفير المواد اللازمة وتنفيذ المشروع بكفاءة. وأكد أن المجلس يمتلك إحصائيات تثبت أن المشكلة ليست في القانون، بل في آليات التطبيق والتأخير في دفع مستحقات المقاولين.
شدّد عودة على أن المقاولين هم الجهة الوحيدة التي تتحمل تكلفة التمويل الناتجة عن تأخر صرف المستحقات، الأمر الذي يرفع الأسعار في العطاءات بشكل مسبق. وأضاف أن هذا ينطبق أيضا على قطاع الأدوية، حيث تُدرج تكلفة التمويل ضمن الأسعار النهائية. وأكد أن مجلس الشراء يعمل على وضع آلية شفافة وثابتة لدفع المستحقات سواء للمقاولين أو موردي الأدوية، إلى جانب وجود آليات لمراجعة النزاعات. وأشار عودة إلى أن حجم المشتريات الحكومية لا يتجاوز مليار شيكل سنويًا، منها نحو 300 مليون شيكل لشراء الأدوية، مشيراً أن إجراءات ضبط الإنفاق قد استُنفدت بالكامل.
أزمة المستشفيات الخاصة والتزامات الحكومة
قال د. عدوان برغوثي، نائب رئيس اتحاد المستشفيات الخاصة ورئيس مجلس إدارة مستشفى الرعاية، إن الأرقام المتداولة بشأن الديون والمستحقات ليست مجرد بيانات مالية بل هي نتيجة مباشرة لسياسات وقرارات سياسية خاطئة أو سيئة التنفيذ، مؤكداً أن غياب المجلس التشريعي يحرم الشعب من الجهة الرقابية الرسمية، ما يفتح المجال لهدر مالي معلن وغير معلن دون مساءلة أو محاسبة.
ولفت البرغوثي إلى أن المستشفيات الخاصة تتحمل أعباء ثقيلة تصل إلى ما بين ملياري إلى مليارين ونصف شيكل، حيث إن بعض المستشفيات لم تعد قادرة على دفع رواتب مئات الموظفين. وشدد على أن توقيع الحكومة على أي اتفاقية مع القطاع الخاص يعني التزاماً كاملاً بتنفيذها، داعياً الحكومة إلى احترام تعهداتها وعدم التذرع بالظروف الصعبة للتنصل منها.
وأشار برغوثي إلى وجود إنفاق غير مبرر في بعض المؤسسات، خصوصاً في الطاقم الدبلوماسي الذي يستهلك موازنات كبيرة بلا رقابة فعلية، معتبراً أن هذا جزء من السياسات الخاطئة التي فاقمت الأزمة.
ملف توطين الخدمة وتراكم الديون
وتحدث البرغوثي عن قرار الرئيس بتوطين الخدمات الصحية ووقف التحويلات إلى الخارج، خاصة إلى إسرائيل، مؤكداً أن المستشفيات الخاصة رحبت بالقرار واستثمرت بشراء أجهزة وفتح أقسام جديدة استعداداً لاستقبال الحالات. وأضاف أن الكلفة المقدرة بأربعين مليون شيكل كان يمكن تخفيضها إلى عشرين مليون فقط بسبب انخفاض الأسعار محلياً وعودة جزء من الضريبة، لكن الاتفاق لم يُنفذ كما يجب. وأوضح أن الدفعات التي صُرفت من الحكومة كانت محدودة وغير منتظمة، مما أدى إلى استمرار تراكم الديون وازدياد الأزمة.
إعادة هيكلة المؤسسات والحد من الهدر
وضح دكتور عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد، أن جزءاً من السياسات السابقة للحكومة كان سبباً في تراكم الأخطاء والهدر المالي، مع تأكيده على أهمية وقفها قبل اعتماد أي سياسات جديدة. كما شدد على أن الإصلاح يجب يشمل الإيرادات والنفقات، على أن يكون عادلاً في توزيع الأعباء بين الجهات المختلفة، مع مراعاة الظروف الاقتصادية العامة للبلد، وعدم تحميل المواطنين أو الموظفين عبء سياسات غير مدروسة.
ولفت إلى وجود خلل كبير في الهيكل الإداري للأمن والوزارات. وشدد على ضرورة إعادة هيكلة المؤسسات بشكل فعّال، ووقف التعينات غير المبررة، مع متابعة الموارد والأصول الحكومية للحد من الهدر المالي. وأوضح أن التوصيات تهدف أيضاً إلى تحسين الخدمات العامة للمواطنين وبما يضمن استمرارية تقديمها بشكل أكثر فعالية وشفافية