الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:16 AM
الظهر 12:36 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:30 PM
العشاء 8:55 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الطبقية بين الفنانة والمسئول

الكاتب: حسن أبو طالب

«أنا حفيدة السلطان حسين، وكنت أخفى ذلك أثناء الثورة.. أبى رفض زواجى من عبدالحليم حافظ، وقال: لن أزوج ابنتى لمغنواتى».. هذه عيّنة من تصريحات الفنانة زبيدة ثروت المعتزلة منذ زمن، ورغم أن مضمون هذه التصريحات يتضمن نزعة طبقية فإنها لم تُثر كثيراً من الجدل مثل التصريحات التى قالها وزير العدل المستقيل المستشار صابر محفوظ حين تحدث عن عدم كفاءة أو عدم أهلية أبناء فئة معينة لتولى منصب القاضى. ويمكن أن نفسر ذلك بأمرين، الأول أن تصريحات الفنانة زبيدة ثروت ترتبط بزمن سابق، هو زمن الثورة الاجتماعية التى قادها عبدالناصر، وكان شعارها الأساسى إزالة الفوارق الطبقية بين فئات المصريين، والتى تراكمت بفعل سياسات الليبرالية ما قبل 1952 والاحتلال البريطانى وسيادة الإقطاع ببعديه الاجتماعى والوظيفى معاً.

والثانى هو الفارق بين تصريحات فنانة معتزلة تتحدث عن ذكريات قديمة ومواقف ذهبت إلى حال سبيلها تتضمن مفارقات بأشكال متعددة، وبين تصريحات مسئول تنفيذى كبير يحمل على كتفيه تبعات تطبيق العدل بكافة معانيه وأبعاده، ومن بينها عدم التفرقة بين المواطنين لأى سبب كان وإتاحة الفرصة للجميع بمساواة وتجرد. وإذا كانت الفنانة أو الشخص غير المسئول تنفيذياً متحرراً نسبياً فى تصريحاته وفى إعلان مواقفه السياسية أو الاجتماعية، فإن المسئول التنفيذى مُقيد بحدود المنصب والبيئة السياسية وتوجهات الرأى العام والقواعد الدستورية. وفى ظنى أن تصريحات وزير العدل لو كانت قد ركزت فى أبعاد فنية ولم تتضمن قيماً اجتماعية موجودة بالفعل فى الواقع المعيش، لمرّت مثلها مثل الكثير والكثير جداً مما نسمعه من السادة الوزراء.

إن استقالة وزير العدل نتيجة تصريحاته لا تعنى أبداً أن ملف الطبقية والتمييز الاجتماعى فى مصر قد أُغلق. لقد فرح الكثيرون بالاستقالة التى اعتُبرت دليلاً على أن التوجه العام الذى يحكم النظام الجديد هو الحرص على المساواة وتطبيق المواطنة كما ورد فى الدستور وكما سعت إليه ثورتا 25 يناير و30 يونيو. ولا ضير أبداً من أن يستقيل أحد الوزراء بسبب عدم تلاؤم أفكاره المعلنة مع طبيعة البيئة السياسية القائمة، لكن الضير هو أن نتعامل مع قضايا التمييز الاجتماعى باعتبارها قضية نظام حكم وليست قضية الناس أنفسهم وما يؤمنون به وما يمارسونه بالفعل فى حياتهم اليومية.

ودون أى مبالغة أو تهوين فإن الدستور، ومهما تضمّن من مبادئ مثالية ومن مساواة ومن تأكيد على المواطنة والنظر إلى كل الفئات الاجتماعية بتجرد وبلا أى انحيازات، فإن القضية تظل مرهونة بمدى قدرة المجتمع بكل مؤسساته وأفراده على تحويل هذه المبادئ والمثاليات إلى سلوك حياة يومى. ومن اليسير التأكيد على أن هناك فجوة واقعية كبيرة بين قناعات وسلوكيات المجتمع وبين هذه المبادئ المثالية. وفى كثير من الظواهر التى نعيشها يمكن أن نلاحظ حجم التمييز الضمنى والمتصادم مع معنى المواطنة دون أن يسبب لنا أى حرج أو أذى داخلياً. والأمثلة هنا لا حصر لها، فنظام التعليم فى مصر يكرس الطبقية بامتياز. وبنظرة واحدة سنجد التفرقة بين المدارس العامة الحكومية والمدارس الخاصة، وفى المدارس الخاصة هناك درجات وطبقات تلو طبقات، وهناك المدارس الأجنبية والمدارس التى تطبق نظماً أوروبية أو أمريكية، ومن يتعامل مع هذه النوعية يدرك على الفور أن التمييز بين مدرسة وأخرى، وأيضاً بين جامعة خاصة وأخرى، يخضع بالأساس إلى كم الأموال التى يستطيع المرء أن يدفعها. وفى بعض الجامعات الخاصة يُقال للأساتذة أن يخففوا الأعباء على الطلاب لأنهم هم الذين يدفعون الأموال التى توفر مرتبات العاملين بالجامعة من أعلاهم إلى أدناهم، ولا يهم هنا هل استفاد الطلاب مقابل الأموال الطائلة التى دفعها الآباء أم لا. والآباء بدورهم لا يذهبون بأبنائهم إلى هذه الجامعة الخاصة أو تلك إلا إذا كان فى مقدورهم أن يدفعوا الأموال المطلوبة. فكلٌ يبحث عما يمكنه أن يكونه اجتماعياً. والأمر يحدث ببساطة شديدة فيما يُعرف بالمدارس المتميزة التى تحصل على أكثر من أربعين ألف جنيه عن الطفل فى العام الدراسى الواحد فى سنوات ما قبل الدراسة، فقط لأنها مدرسة نخبة وعلية القوم.

وإذا كان والد الفنانة زبيدة ثروت، حفيدة السلطان حسين، قد رفض أن يزوجها لفنان قدير فى زمنه بحجم عبدالحليم حافظ لسبب طبقى اجتماعى، فالأمر ما زال موجوداً فى حياتنا المعيشة بأشكال مختلفة وفى كل المستويات الاجتماعية تقريباً. وهل هناك مثلاً من يرضى أن يزوح ابنته الآن لمن هو أقل كفاءة اجتماعية. وهناك فئات اجتماعية باتت معروفة بكونها مُحتكرة أو متسيّدة لنوع معين من العمل منذ عقود طويلة مضت، ورغم كل التحولات الاجتماعية التى جرت فى مصر طوال القرن الماضى، فما زال كثير من المصريين ينظرون إلى هذه الفئة باعتبارها لا تصلح إلا فى هذه الوظيفة وحسب. ومن الشائع مثلاً أن يطلب السائقون العاملون فى مؤسسات عامة وخاصة، أو عاملو النظافة أو مراقبو الوقت أن يُكتب فى خانة الوظيفة فى بطاقات الهوية توصيف مبهم مثل موظف أو رئيس قسم وبما لا يحدد نوعية الوظيفة الحقيقية لأن ذكرها صراحة يحد من فرص الأبناء فى دخول المدارس الخاصة.

وفى الريف المصرى شمالاً وجنوباً، توجد أعراف اجتماعية أقوى من أى مبادئ دستورية أو حتى تعاليم دينية وأحاديث تُعد من صلب الدين الإسلامى. فأبناء وبنات العائلات الكبرى لا يتزوجون إلا من داخلها أو من عائلة أخرى ذات حسب ونسب لا يقل عن حسب ونسب العائلة نفسها. والويل لمن يكسر هذه القاعدة العرفية الاجتماعية، رغم أن الحديث النبوى الشريف ينصح بأن يتزوج المرء من ذات الدين وليس من ذات الحسب والنسب.

وعلى هذا النحو، فالأمر أكبر من نظام الحكم أياً كانت توجهاته الإيجابية تجاه المساواة أو المواطنة. إنها مسئولية المجتمع بالدرجة الأولى فى أن يتخلص من هذه المعايير الضارة به وبتماسكه. والمسألة باختصار ليست تصريحات تصدم البعض، وإنما قيم اجتماعية وسلوكيات طبقية نعيشها ونمارسها بكل أريحية ونتكيف معها ونراها من طبائع الأشياء. فالادعاء بالمواطنة والمساواة لا يعنى إطلاقاً وجودها. فلننقد أنفسنا ونراجع سلوكنا ثم نصدم أو نُصدم فلن يكون هناك فرق.

* نقلا عن "الوطن نيوز" المصرية

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...